الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ: فشل أول محاولة لإشراك المعارضة في الحكومة..

جمال المحافظ: فشل أول محاولة لإشراك المعارضة في الحكومة.. جمال المحافظ، صحفي وباحث في العلوم السياسة

 فشلت أول محاولة لإشراك المعارضة في الحكومة التي تم تشكيلها في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة سنة 1972، وهي المرحلة التي تتزامن مع تأكيد الملك الراحل الحسن الثاني عن رغبته في "أن تتظافر جميع العناصر الوطنية الحية" كي تتوفر البلاد على "أداة الحكومة معبرة عن إجماع الأمة..".

      وبغية تشكيل هذه الحكومة الائتلافية، راسل الملك الحسن الثاني الأحزاب السياسية في 23 شتنبر 1972، بعيد أقل من شهر ونصف عن وقوع هذه المحاولة الانقلابية الثانية، وهو ما اعتبر آنذاك إعلانا رسميا عن الأزمة السياسية التي دخلها المغرب منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، في الوقت الذي كانت "الكتلة الوطنية" المشكلة آنذاك من حزب الاستقلال والإتحاد الوطني للقوات الشعبية، قد دعت سنة 1970 إلى العمل على بحث أسباب الأزمة وعناصرها مع إيجاد الوسائل الفعالة لإصلاح هذه الأوضاع  التي تعرفها البلاد.

و جرت في هذا السياق، محادثات بين الملك الراحل الحسن الثاني ووفد عن "الكتلة الوطنية"، تم في ختامها الاتفاق على برنامج عمل يتضمن "تعديل الدستور بعد تأليف حكومة من الكتلة الوطنية، لمعالجة الأزمة وإلغاء برلمان 1970، وإجراء انتخابات جديدة،  تشرف عليها الحكومة الوطنية، والقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية سريعة، لاسترجاع ثقة الشعب وحماسه" مع الالتزام بـ "خطوات متزامنة، تنفذ في وقت واحد".

    و بعد ذلك قدم الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1972 عرضا من خلال رسائل بعث بها إلى كافة الهيئات السياسية منها حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بهدف المساهمة في حكومة ائتلافية من أجل التغلب على الأزمة السياسية التي تعرفها البلاد خاصة بعد محاولتين انقلابيتين فاشلتين في ظرف أقل من سنتين.

    إلا أن المعارضة ممثلة آنذاك في حزب الإستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ربطتا تجاوبهما مع العرض الملكي بتوفر عدة شروط، منها اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية، وتشكل الحكومة من عناصر وطنية، تحظى بالثقة الشعبية، و تتمتع بالكفاءة والنزاهة والسمعة الحسنة. وقد ضمن كل واحد من الحزبين اقتراحاتهما في مذكرة جوابية على الرسالة الملكية، عبرا فيها عن مقاربتهما للوضعية العامة بالبلاد والسبل الكفيلة بالخروج من هذه الأزمة السياسية.

      وهكذا نجد أن حزب الاستقلال قد بادر إلى بعث رسالة مرفقة بمذكرة ضافية، شرح فيها رأيه في حل هذه الأزمة وتحليل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعيش فيها المغرب. وبعد تقديم هذه المذكرة جرت محادثات بين الملك الراحل الحسن الثاني ووفد عن الحزب بقيادة رئيسيه علال الفاسي. إلا أنه بعد الانتهاء من هذه المحادثات، تم أولا الإعلان عن حل الحكومة الثانية بقيادة كريم العمراني، وتفاجأ ثانيا بإناطة مسؤولية تشكيل حكومة ائتلافية بأحمد عصمان الذي التقى مباشرة بعد تكليفه، بزعماء الأحزاب السياسية في مقدمتهم علال الفاسي وعرض عليه بالمناسبة مشاركة حزب الاستقلال في هذه الحكومة، لكن الأخير أبلغه رفض الحزب المساهمة في هذه الحكومة الجديدة.

     الا أن ما يهمنا في هذا الصدد، هو الوقوف عن الأسباب التي دعت حزب الاستقلال الي رفض العرض الملكي للمشاركة في أول حكومة يتولى أحمد عصمان تشكيلها. وفي هذا الصدد علل علال الفاسي في جوابه على الرسالة الملكية، رفض حزبه الانضمام للحكومة الوليدة، بدعوى أن إنقاذ البلاد وبناء مستقبلها، في نظره، "لن تقوم به إلا حكومة وطنية نابعة من الشعب، محرزة على ثقته، قادرة على تحمل المسؤوليات في الظروف الحرجة التي تجتازها البلاد/../

     واعتبر علال الفاسي في نفس الرسالة الجوابية، أن هذه الظروف الحرجة، "هي نتيجة حتمية لتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، طيلة سنوات عدة"، معربا عن اعتقاده الراسخ بأن "الاستقلال الوطني لا يتم إلا بتحرير المواطن من جميع أنواع العبودية السياسية والاقتصادية والاجتماعية...".

    ومن أجل الخروج من هذه الوضعية  اقترح علال الفاسي رئيس حزب الاستقلال في رسالته الي الملك الحسن الثاني" تكوين حكومة وطنية منسجمة، محرزة على ثقة الشعب متمتعة بجميع السلط، قادرة على تحمل المسؤوليات في الظروف الحرجة التي تجتازها البلاد"، على أساس أن يتولى تشكيل هذه الحكومة الجديدة " وزير أول يحظى بثقة الوطنيين".

      وكانت المحادثات بين المعارضة والقصر، قد عرفت تعثرات، وتوقفت خاصة بعد الإعلان عن دستور جديد جرى الاستفتاء عليه في مارس 1972، قاطعته "الكتلة الوطنية"، وهو ما يمكن اعتباره، فشل أول محاولة لدفع المعارضة إلى المساهمة في تحمل أعباء تدبير الشأن العام بعد قطيعة، دامت لسنوات  وبدأت منذ 1963.

     وبخصوص حديثه على رفض كل من حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية المشاركة في حكومة عصمان وبالتالي رفض العرض الملكي، المح الملك الراحل الحسن الثاني في حديث صحفي مع مندوب الإذاعة والتلفزة الفرنسية إدوار سابليي أوردته في الخامس من يناير سنة 1973 "من المؤكد أن الصورة التي عرض بها هؤلاء وأولئك (في إشارة إلى حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية) مشاركتهم، لم تكن مخالفة للمنطق فحسب، ولكنها كانت مخالفة للقانون والمعقول".

"فمنهم من كان يريد حكومة قوية، يوضح الحسن الثاني، تمتد صلاحيتها لمدة سنتين دون أن يشاركهم أحد في الحكم، وبدون أية مراقبة شعبية، وهذا أمر مستحيل، ومنهم من كان يريد الحصول على جميع المناصب، وضمنها منصب الوزير الأول، رغم عدم وقوع الانتخابات ودون وجود أي معيار، وأن يطبقوا سياستهم ويدخلوا إصلاحات على الهياكل القائمة، والتي لا يمكن أن تظهر نتائجها إلا بعد عشرين أو ثلاثين سنة/.../. وأخيرا هناك من فكر في التخلي كل سنة أو سنتين، عما أقرته الإرادة الشعبية، وإحداث مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد".

   وحسب ما جاء في كتاب "الحسن الثاني: التاريخ والذكرى" لصاحبه عبد الحي بنيس،  تساءل الملك الراحل الحسن الثاني في كلمة بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة في 19 نونبر 1972 برئاسة أحمد عصمان على أي أساس سيتم منح الحزبين صلاحية "ممارسة الحكم" بمفردهما، وعلى أي أساس أيضا يمكن أن يطبقا برامجهم الفلاحية والصناعية والاجتماعية والإدارية، دون مشاركة الشعب"، عبر الانتخابات الآلية التي ستفرز الهيئة  السياسية الحقيقية التمثيلية من أجل قيامها بمهام تدبير الشأن الحكومي.

     غير أنه مع ذلك ترك الباب مفتوحا للحزبين من أجل تحمل مسؤولية وزراء دولة في الحكومة الجديدة للتحضير والسهر على نزاهة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بدون تحملهم مسؤولية التدبير الحكومي. وبهذا تكون أول محاولة لتشكيل حكومة ائتلافية بدورها قد فشلت، أو ضاعت كما جاء على لسان الحسن الثاني آنذاك، الذي قال: "فنحن تاركين للقارئ أولا وللتاريخ المقبل، القريب والبعيد، دور الحكم حتى يعلم أنها فرصة أخرى قد ضيعت ولكن للوصول إلى الغرض لا بد من أن تضيع فرص وفرص..".

ومن جهة أخرى يلاحظ أن هذه المرحلة من التاريخ السياسي المغربي لم تحظ بالاهتمام من الدارسين والخبراء. كما أن هناك فقرا وكبيرا ونقصا واضحا في مواكبة  البحث العلمي والأكاديمي لهذه الفترة من التاريخ السياسي المغرب الأمر الذي يقتضى تسليط المزيد من الأضواء على هذه المرحلة التي تشكل سياقات للمراحل التي تمخض عنها التجارب السابقة والحالية لراهن المغرب السياسي.