الخميس 19 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

أبو أيمن الفارح:الحريات وحقوق الإنسان في المغرب بين الرغبة الملكية وعصيان الإدارة

أبو أيمن الفارح:الحريات وحقوق الإنسان في المغرب بين الرغبة الملكية وعصيان الإدارة

وأنت تحاول ملامسة وضع الحريات وحقوق الإنسان بالمغرب ، عليك التسلح بغير قليل من الصبر، لأنك قد تصاب بالإندهاش ، ليس بالمعنى الفلسفي للكلمة ارتباطا بإبداعات العقل على مستوى تطوير الفكر والممارسة ولكنه اندهاش صادم يعود لأفعال أصبحت بمثابة سلوك مميز للدولة المغربية في مواجهة المطالب الشعبية وفي مواجهة ضغوط دول وجمعيات وهيآت بخصوص توسيع هوامش الحريات وتكريس حقوق الإنسان ، أفعال استباقية. سلوك لا يمكن تبريره ببعض التقدم على درب تقنين وتطوير الحريات وحقوق الإنسان في البلاد ، بالمقارنة مع بلدان الجوار ومع المحيط الإقليمي والقاري.
المجهودات المبذولة في الميدان تبقى عاجزة عن التحول إلى ثقافة ، في المنظور القريب على الأقل، سواء بالنسبة للدولة بكل مؤسساتها أو بالنسبة لباقي مكونات الشعب ، بالنظر لغياب إرادة سياسية حقيقية بالنسبة للأولى و بسبب غياب الوعي بالنسبة للشعب بكل مكوناته ويندرج في هذا الإطار المواقف الغامضة والملتبسة لبعض مكونات المجتمع المدني وكذلك المواقف المحتشمة وتلك الموسومة بالخوف لبعضها الآخر ، في انتقادها ومواجهتها لممارسات بعض أجهزة الدولة أو على مستوى انخراطها في النضال المدني والحقوقي.
إنه موقف الانتظارية والترقب نفسه الذي يطبع الجانبين : الدولة في تحركاتها الاستباقية وهذه مكونات المجتمع المدني على خط الانتظار من أجل رد الفعل المضاد بالشكل الذي أوضحته.
لا أحد يملك المبادرة ، لا الدولة بأفعالها الاستباقية ولا مكونات المجتمع المدني الحديثة العهد بالولادة وهي تواجه تحديات وإكراهات كثيرة وكبيرة وليست قادرة على الحياة وممارسة نشاطها باستقلالية ، سواء المادية أو المعنوية. في ظل هذا الوضع الغير السليم يتم تقاذف الحريات وحقوق الإنسان بين مختلف الأطراف ، مثل كرة ، كثيرا ما تخرج عن رقعة الملعب بفعل غياب الضوابط وكذلك بسبب قلة أو انعدام التجربة وبنية مبيتة من طرف عناصر تعتقد بتعرض مصالحها للتهديد في ظل أي تغيير وهو ما يمكن أن يشكل خطرا على الجميع وقد يهدد أمن واستقرار البلاد ومستقبلها بشكل عام.
ما تعرفه البلاد من تراجع في ميدان الحريات وحقوق الإنسان يعود في جزء كبير منه إلى تداعيات أحداث ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي ، حيث أنه بدل استغلال الظرف لتطوير الأدوات القانونية وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وجعلها مرجعا وقاعدة لكل المبادرات والممارسات على المستويين الرسمي والشعبي ، تحولت الحريات وحقوق الإنسان إلى منصات عائمة لإطلاق حملات و هجومات ، في مناسبات مختارة بعناية من لدن كل الأطراف أو لصنع دروع قانونية أو لجعلها عناصر استقواء وابتزاز سياسي وما يدره هذا الأخير من ريع اقتصادي ومالي وثقافي ، حتى. وهو ما حدا بملك البلاد إلى دق ناقوس الخطر والتنبيه إلى ما وصل إليه الوضع من استهتار بحقوق المواطنين من طرف أجهزة الإدارة العمومية ، وخصوصا في الخطاب المتميز الأخير أمام ممثلي الأمة والذي يعتبر إنصافا للمواطن وإنصاتا لشكاويه وتظلماته ، بهذا يكون صاحب الجلالة قد أدى ما عليه وتبقى النتائج مرتبطة بالتدابير المتخذة وبمدى استعداد انخراط كل الفاعلين في تنزيل وتطبيق التوجيهات الملكية وإعمال القانون.
لقد تحولت الحريات وحقوق الإنسان إلى مصطلحات جوفاء فارغة من مضامينها ومبادئها الإنسانية السامية ، بل أصبحت عملة في تدبير الشأن العام والسلطة ، تشرف الدولة على توزيعها على حراس معابدها بحسب الأهداف المسطرة ومن منطلق درجات القرب والولاء والمعارضة ، وهذا يفسر بشكل واضح حصر النقاش في صالونات النخبة وأبراجها المكيفة ووقف وتعطيل كل تداول ونقاش حقيقي على المستوى العام الشعبي وعدم إبداء أي اهتمام بما يروج في الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي ، هذه الأخيرة تحولت إلى مطارح تفرغ فيها الطبقات الشعبية ، بشكل فردي أو من خلال مجموعات، مكبوتاتها وتظلماتها ، اعتقادا منها بأنها بهذا العمل تؤثر في الرأي وتشكل ضغطا على أصحاب القرار ، لكنها في واقع الأمر لا تشكل في نظر الطبقة الحاكمة ، سوى قطيعا يتم حبسه بعناية في حظائر وإن في عوالم افتراضية.
إن عطب الآلة المغربية يكمن بالأساس في تحقير القانون وتحييده والرجوع إليه ، فقط ، من أجل البحث في ثناياه عن تأويلات تخدم أغراض وأجندات خاصة ، وحتى إذا لزم الأمر تطبيقه فمع مراعاة كل ظروف التشدد عندما يتعلق الأمر بالفئات والطبقات الكادحة والمهمشة والمقصية. كما يعود العطب كذلك إلى وجود قوانين تتعارض مع الأهداف التي وجدت لأجلها كما هو الحال ، على سبيل المثال ، بالنسبة للقانون 34-97 الخاص بقدماء العسكريين وقدماء المحاربين والقاضي بإنشاء مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء المحاربين وقدماء العسكريين ، هذا القانون الذي يهدف في جوهره إلى إدماج قدماء المحاربين وقدماء العسكريين في الحياة المدنية وفي المجتمع ، وهنا يفرض السؤال نفسه : كيف نطلب من مؤسسة تحت إشراف المؤسسة العسكرية ومسيرة من طرف اطر عسكرية القيام بعملية إدماج قدماء المحاربين وقدماء العسكريين في الحياة المدنية ؟ أية علاقة تربط المؤسسة العسكرية بالمؤسسات المدنية وبالمجتمع المدني؟
إن الإعداد والتهييء للإدماج في الحياة المدنية يتطلب من المشرفين عيه ومؤطريه أن يكونوا ملمين بمشاكل الحياة المدنية ومكونين تكوينا يمكنهم من ترتيب وتنظيم عملية الإدماج في كل مستوياتها و العسكري لا يمكنه القيام بهذه المهمة لعدة أسباب وفي مقدمتها على سبيل العد لا الحصر ، الانضباط لقواعد النظام العسكري والتراتبية الصارمة ، الشيء اي يحد من حركيته في المجال ومن علاقاته على المستوى المدني ووجوب خضوعه لجملة من الإجراءات لأجل ربط أي علاقة خارج المنظومة العسكرية وهي كلها معيقات موضوعية تجعل قيامه بمهام الإدماج في الحياة المدنية ، مهام مستعصية إن لم تكن مستحيلة.
فعلى الرغم من المجهودات المبذولة من طرف مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء المحاربين وقدماء العسكريين من أجل مساعدة هذه الفئات والعمل على إدماجهم في الحياة المدنية ، فإنها تبقى عاجزة عن تحقيق أهدافها في غياب إشراك المعنيين بالأمر بصفة مباشرة في التسيير وكذلك فتح المجال للمهتمين والأخصائيين وفعاليات المجتمع المدني وجمعيات قدماء المحاربين وقدماء العسكريين للإسهام كل من موقعه وتظافر الجهود وإبداع الآليات والمبادرات التي من شأنها أن تساعد في إدماج حقيقي وفعلي لهذه الفئات في المجتمع وفي الحياة المدنية وحمايتها من الهشاشة وتوفير شروط العيش الكريم لها وحمايتها من كل الأخطار المحدقة بها ، ليس كسائر المواطنين فحسب ، ولكن مع بعض التميز نتيجة ما أسدوه من تضحيات وخدمات جليلة للوطن وانسجاما مع التوجه الديمقراطي الذي تصبو إليه البلاد وحفظا لكبرياء وكرامة محاربينا .