الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ:تحديات ورهانات الصحافة والاعلام في ظل الثورة الرقمية

جمال المحافظ:تحديات ورهانات الصحافة والاعلام في ظل الثورة الرقمية جمال المحافظ
تحديات ورهانات الصحافة والاعلام في ظل الثورة الرقميةتواجه وسائل الاعلام، في الوقت الراهن تحديات متعددة، من بينها الاشكالات التي تطرحها تكنولوجيات الاتصال الحديثة التي ساهمت في كسر احتكار الصحفيين والاعلاميين، مجالات نشر وتعميم الاخبار والمعلومات، وأجهزت على ما تبقى من الصحافة الورقية.
فالثورة الرقمية مكنت، معظم الشرائح الاجتماعية من الحصول على المعلومات وأضحى بمستطاع هاته الشرائح، أن تتوصل بها بنقرة واحدة على هواتفها الذكية ولوحاتها الالكترونية، بسهولة فاقت كل التوقعات. إذ أصبح بإمكان جل الأفراد التوصل بدون أدنى جهد بالأخبار مباشرة عبر هواتفهم انطلاقا من المنصات الإلكترونية التي سجلت نموا واسعا من خلال الاستفادة من المعطيات والبيانات الشخصية للمبحرين في فضاء الإنترنت، وهو ما جعلها بذلك تستحوذ على الاشهار والإعلانات التي كانت تشكل مصدرا رئيسيا لضمان استمرار حضور وسائل الإعلام التقليدية .
وقد فرضت هذه التحولات العميقة على مختلف الفاعلين في ميدان الاعلام والاتصال، التكيف مع هذه المتغيرات، وفي مقدمتها تملك المهارات التي تفتضيها التكنولوجيات الحديثة، وتطوير قدرات المهنيين، من أجل التلاؤم مع الامكانيات التي اضحى يوفرها الحقل الرقمي المرشح لمزيد من التطور بفضل التكنولوجيات الحديثة..
التحديات تفرض على الفاعل الاعلامي المهني التفاعل الايجابي مع هذه التحولات، والاجابة على الاشكالات التي تطرحها وسائط الاتصال الحديثة من صحافة إلكترونية ومواقع رقمية، ليس فقط على المستوى التشريعي والقانوني والتنظيمي والامني، ولكن على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي أيضا، مع التعامل باحترافية واتقان مع تقنيات التواصل الجديدة ، لتجويد وتطوير الأداء الاعلامي.
ونتيجة ذلك لم تعد وسائل الاعلام، المؤثر الرئيس في عملية تشكيل على توجهات الرأي العام الوطني والدولي والتأثير فيهما، مما يتطلب البحث عن السبل الكفيلة لضمان المعالجة المهنية المثلى للكم الهائل من المعلومات التي أصبحت متاحة بفضل هذه التكنولوجيات الحديثة ، وكذا التعاطي معها عبر توظيفها بدقة ومهنية واحترافية .
ومن ايجابيات وسائط الاتصال الحديثة، باعتبارها أحد فروع الثورة الرقمية، مساهمتها بدرجة هائلة في تبسيط وانسيابية الأخبار وتسهيل ونقل المعلومات والمعطيات ونشرها على نطاق واسع وتوسيع نطاق التواصل الى أبعد حد، وبشكل لم تعرف له الانسانية مثيلا في ما قبل.
وقد مكن هذا التطور التقني بطريقة أو أخرى من توسيع هوامش حرية التعبير وفضح الخروقات وتوسيع دائرة التضامن، ونقل مختلف الآراء ووجهات النظر بايجابياتها وسلبياتها أيضا، بجعلها في متناول كافة الفئات، بغض النظر عن موطنهم ومستوياتهم، وهو ما كرس بطريقة ما نوعا من المساواة في الحصول على المعلومات، ونشر ثقافة حقوق الانسان وقيم الديمقراطية على نطاق واسع واختراق حتى أعتى الأنظمة المنغلقة.
غير أن هذا التحول رافقه بالمقابل، إشكالات سلبية عديدة، في مقدمتها ترويج الأخبار الزائفة وعدم احترام الحياة الخاصة والابتزاز، بهدف التأثير على الرأي العام سواء كان محليا أو دوليا، وهو الأمر الذي أصبح يفرض البحث عن الوسائل القمينة بالحد من التأثيرات السلبية لهذا النوع الجديد من التواصل مع المحافظة على حرية التعبير والشفافية واحترام الحق في الحصول على المعلومات والالتزام بمواثيق الأخلاقيات للحد الممارسات التي يمكن أن تشوب استعمال وسائط الاتصال الحديثة.
و تطرح في ظل هذه التحولات العديد من الأسئلة في العلاقة بين الثورة الرقمية والصحافة والاعلام، من قبيل ما هو نوع العلاقة بين الاعلام التقليدي والإلكتروني والرقمي، و الفرص المتاحة لتحقيق التكامل بينهما؟، وماهي مضامين الرسائل التي يتعين التقيد بها ؟ وحدودها والأساليب المعتمدة في معالجة الاخبار والمعلومات؟، وماهي طبيعة التشريعات والقوانين والتنظيمية، والمواثيق الملائمة الكفيلة بتخليق الممارسة الاعلامية والتواصلية؟.
يتم التعامل معه أكاديميا بوصفه متغيرا تابعا وخاضعا للتدخل السياسي أو لقوى السوق بدلا من كونه متغيرا مستقلا يؤثر على الطريقة التي تعمل بها سائر الفعاليات السياسية، مما يجعل الصحفي، حسب قوانين علم السياسة، لا يعد فاعلا سياسيا نظرا للمهام والادوار المهنية التي تطوقه كإعلامي مستقل. الا أن الميديا، في الديمقراطيات الصاعدة رغم أن أدوارها معرضة للتغير، لكنها تقوم بدور فعال في عمليات التحول الديمقراطي من خلال نشر وتتبع وتشكيل أحيانا اتجاهات واجراءات سائر المساهمين في تلك العملية.
كما أن الجميع أصبح مقتنعا بأن هذه التحولات التي يعرفها الاعلام بسبب التكنولوجيا الجديدة، جعلت الصحافة تعرف في الآونة الاخيرة تراجعا مثيرا، لكون أنّ الثورة الرقمية، قد ساهمت في تحول كبير في طرق التواصل بين الأفراد والجماعات ومعها تغيرت أساليب اشتغال الصحافة والإعلام .
وهكذا ساهمت الثورة الرقمية، في افلاس وانقراض عدد كبير من وسائل الإعلام خاصة منها الصحف الورقية التي وان استمر بعضها في الصدور، فانه يعيش في واقع الأمر "قصة موت غير معلن" . كما نتج عن ذلك فقدان الآلاف من الصحفيين في مختلف بلدان العالم لوظائفهم . وهو ما جعل بعض المهنيين، يلاحظ أنه بتقلّص مصادر الأخبار التقليدية، قلّت المسالك  للوصول الى الاخبار الموثوقة، بالرغم من أنّ مساحة حرّية التعبير قد توسعت بشكل كبير.
ومن أجل الخروج من هذا النفق الذى بلغته وسائل الاعلام، يعد الالتزام بالمعايير المهنية الأخلاقية للاتصالات، حسب البعض، بمثابة "الضمانة الذهبية" بالنسبة للعاملين في وسائل الإعلام و في التكنولوجيات الحديثة للاتصالات معا، ولأي فرد يسعى للحصول على وسائل اتصال موثوقة وآمنة. كما أنه بفعل الأخبار الزّائفة وأساليب الدعاية وما يتداول في الإنترنيت، وغياب الضمير السياسي والاتجار بالثورة الرقمية أدى إلى " زعزعة منظومة الإعلام الجماهيري وإنهاكها" فضلا عن تهديد أسس الديمقراطية " حسب أيدن وايت الامين العام السابق للاتحاد الدولي للصحفيين.
فالمطلوب في هذا الاطار فتح نقاش حول "الصحافة المقيدة بإطار المعايير الأخلاقية"، كضرورة لكسب ثقة الجمهور، باعتبار أن القيم الأساسية – مثل الدقة والاستقلالية والمعالجة المسؤولة للخبر - التي تطورت على مدى الـ 150 سنة الماضية، تظل قيما ثابتة وعلى نفس الأهميّة، حتى في هذا العصر الذي تطغى عليه الرقمنة حسب ايدين وايت، الذى يعتقد أن الامر يقتضى تأسيس شراكة جديدة مع جمهور وسائل الإعلام وصناع السياسة لإقناعهم بضرورة تعزيز دور الصحافة الأخلاقية، وبإمكانية استخدامها كمصدر إلهام لوضع برامج جديدة للتربية على وسائل الاتصال والإعلام.
غير أن المشكلة تكمن في أنّ شركات التكنولوجيا العملاقة التي تهيمن على ساحة الإعلام الجماهيري، تعمل على ترويج المعلومات دون أن تعير أي اهتمام للمعلومات التي تندرج ضمن خانة المصلحة العامة كما هو الشأن بالنسبة للصحافة والاعلام المهني، حيث إن هذه الشركات لا تميز بين الانتاج الصحفي والاعلامي وغيره من المعلومات والأخبار حتى ولو كانت غير موثوق بها وزائفة، إذ أن المهم بالنسبة لها هو أن تكون مثيرة لاستقطاب "لايكات" ونقرات المبحرين في العالم الافتراضي واثارة انتباههم واسالة لعابهم حتى ولو كان ذلك بالاستنجاد بنظرية بافولوف ومقاربته "الكلبية" .
                                                                          جمال المحافظ: كاتب صحفي