السبت 20 إبريل 2024
مجتمع

المدرعي: هذه هي الأمراض والاختلالات التي أصابت العقل الصحي بالمغرب

المدرعي: هذه هي الأمراض والاختلالات التي أصابت العقل الصحي بالمغرب علي المدرعي

يسلط الدكتور علي المدرعي في هذا الحوار مع جريدة "أنفاس بريس" كشافات الحقيقة على الأمراض التي تنتخر قطاع الصحة، ويقدم وصفة علاج تردي الخدمات والمنتوج الصحي بمستشفياتنا. مدعما في ذلك تصريحاته بأرقام إحصائية منها ما هو وطني وأجنبي. وفيما يلي نص الحوار:

++ ما هي الاسباب الحقيقية في التراجع المهول للمنتوج الصحي بمستشفياتنا المغربية؟

السبب الرئيسي في تدني الخدمات الصحية والاجتماعية بالمستشفيات العمومية هو النقص الحاد في الأطر الطبية والصحية، لأننا نحن بعيدين كل البعد عن الأرقام التي تعتمدها المنظمة العالمية للصحة، بطبيعة الحال هناك مشاكل أخرى تتعلق بالتغطية الصحية والجودة في الخدمات الصحية وأشياء أخرى سنعود لها في سياق الحديث. يستحيل الحديث عن الحكامة والجودة بقطاع الصحة في ظل أزمة الموارد البشرية. لذلك فأنا مع مطلب الحسم في الموارد الطبية الكافية لتغطية كل الخدمات المطلوبة صحيا بمستشفياتنا، ومن تم ننتقل إلى الحديث عن الجودة والحكامة والضمير المهني.

++ هل يمكن أن نستعين بأرقام مقارنة على مستوى الموارد الطبية ؟

سأكون دقيقا معكم، حسب الإحصائيات المتوفرة ففي ألمانيا هناك 410 طبيبا مخصصة لـ 100 ألف مواطن ألماني. وفي البرتغال هناك 440 طبيب مخصصة لـ 100 ألف مواطن برتغالي.  وفي فرنسا هناك 310 طبيب لكل 100 ألف مواطن فرنسي. أما نحن في المغرب فقد خصصت الدولة 7,3 طبيب لكل 100 ألف مواطن مغربي. الخلاصة أن كل من يتحدث عن الجودة والحكامة في القطاع الصحي وبمستشفياتنا العمومية فهو منافق وكاذب وجاهل ويوزع الوهم على الشعب المغربي. يستحيل الحديث عن الحق في الطب والعلاج والصحة بالمغرب إن لم نقترب من معادلات أرقام منظمة الصحة العالمية. نحن في المغرب لا نتوفر إلا على 25 ألف طبيب في الطب العام، وبالنسبة للممرضين هناك 9,2 ممرض لكل 100 ألف مواطن مغربي. مع العلم أن منظمة الصحة تؤكد على أنه يستحيل أن يكون المنتوج الصحي جيدا مادام لم يقترب من معدلات الأرقام المعتمدة عالميا.

في نفس السياق أتساءل، كيف يعقل ألا تجد العدد الكافي من الأطباء الشرعيين، مثلا في مدينة الرباط هناك طبيبا شرعيا واحدا يشتغل على مساحة سلا والرباط. ؟؟ الأكثر غرابة في مدينة أسفي مثلا لا يوجد ولو طبيبا واحدا شرعيا متخصصا حاصل على ديبلوم. هناك أطباء يقومون بهذه الخدمة الطبية ولا علاقة لهم بالطب الشرعي. بل أن هؤلاء الأطباء يرفضون من حين لآخر القيام بهذه المهمة الصعبة نظرا للمشاكل التي تعرفها، ويواجهون الإدارة. من هنا لا يمكن الحديث عن خدمات ومنتوج صحي وطبي بمقاييس ذات جودة .

++ كيف يمكن معالجة هذه الاختلالات الكارثية؟.

دون تردد، يجب الاشتغال على توفير أربعة ركائز مرتبطة بما هو مادي و بشري وتحفيزي واجتماعي لرد الاعتبار لقطاع الصحة العمومي:

ـ الرفع من ميزانية وزارة الصحة لتكون في مستوى التحديات المطروحة على القطاع .

ـ توظيف العدد الكافي من الأطر الطبية والصحية للاقتراب من أرقام منظمة الصحة العالمية.

ـ الزيادة في أجور الأطباء والممرضين والارتقاء بحالتهم الاجتماعية المزرية.

ـ التحفيز والتعويض عن الساعات الإضافية في العمل.

ـ ضرورة فتح أوراش التكوين المستمر من طرف الدولة للأطر الطبية والممرضين.

ـ خلق نوادي بمرافق اجتماعية رياضية وترفيهية لعائلات الأطر الطبية والممرضين. (من العار ألا تجد ولو ناديا واحدا بالرباط أو الدار البيضاء خاص بالأطر الطبية والممرضين في القطاع العمومي... ليست هناك سياسة حكومية للاهتمام بالأطر الصحية.).

++ لماذا العقل الصحي مريض و "مختل" في المغرب.

يحيلنا الجواب هنا للحديث عن الميزانيات الجهوية والإقليمية المخصصة لقطاع الصحة من طرف الوزارة وهي بالمناسبة ميزانيات غير كافية، وأؤكد لكم أن ما يسري على أرقام الموارد البشرية في علاقة مع معدلات المنظمة العالمية للصحة ينعكس كذلك على ميزانية النظافة والتغذية والحراسة والتجهيزات ووسائل العمل الأخرى. الأغرب من ذلك أن صفقات التدبير المفوض بقطاع الصحة العمومي تدبر بميزانيات هزيلة، ومع ذلك تقبل عليها شركات التدبير المفوض مما ينعكس سلبا على البنيات الاستقبالية والمرتفقين للمستشفيات والعاملين بالقطاع، وهذا من بين أسباب تعفن مستشفياتنا ومرافقها الاجتماعية والصحية والخدماتية والعلاجية. لا يمكن لشركة خاصة أن تفي وتلتزم بتنفيذ بنود دفتر تحملات يتجاوز الميزانية المخصصة للصفقة، الشيء الذي يجعل الشركة تلجأ إلى تخفيض عدد الحراس والمنظفات والمستخدمين في البيئة والنظافة وتخفض من كمية وجودة المواد المطلوبة في المستشفى بصفة عامة. وتمارس النصب والاحتيال والغش في تنفيذ الالتزامات وتبحث عن من يتواطأ معها من وسط الأطر الإدارية والطبية والصحية، فتنتقل عدوى الرشوة وتدني الخدمات. وهذه السلوكات من بين الأمراض الحقيقية التي أصابت العقل الصحي بالمغرب، ولم يعد ينتج سوى الأوساخ والإهمال والزبونية والرشوة والفساد.

++ هل هناك علاقة بين التكوين والمنتوج الصحي ؟

تكوين الأطر الطبية له علاقة مباشرة بالنقص الحاصل في القطاع، وهجرة الأطر الطبية من كليات الطب بسبب المغادرة الطوعية انعكس على واقع الصحة، ونستحضر هنا احتجاجات أساتذة كليات الطب والتهديد بمقاطعة الامتحانات والمطالبة بإدماج دكاترة جدد. لأن قلة الأساتذة الجامعيين المؤطرين للطلبة داخل المستشفيات نظريا وعمليا انعكس على مستوى التكوين، فضلا على انعكاس ذلك على مستوى تأطير الأبحاث العلمية والطبية لنيل شهادة الدكتورة . فكيف يعقل أن كلية الطب بطنجة لا تتوفر على مستشفى جامعي منذ نشأتها إلى يومنا هذا، ؟ وقد وصل بعض الطلبة إلى السنة الثالثة أو الرابعة ولا يمارسون عمليا ما تعلموه من نظريات طبية، أين هي شروط التكوين والتطبيب؟ نفس الشيء بالنسبة لكلية الطب بأكادير. هذه إشكاليات كبرى ترتبط بأسباب تدني المنتوج الصحي بالمغرب ارتباطا بالنقص المهول في الأطر والاساتذة والدكاترة على مستوى التكوين والتأطير. لذلك نؤكد مرة أخرى أنه من المفروض أن يرافق إحداث كلية الطب مستشفى جامعي وتوفير الأساتذة الجامعيين المؤطرين للتكوين والبحث.

++ ما هي الوصفة المطلوبة في وزير يريد أن يتحمل مسؤولية حقيبة الصحة ؟

على أي وزير يريد أن يتحمل مسؤولية حقيبة وزارة الصحة أن يحل معضلة الموارد البشرية أولا وأخيرا، وأن يباشر العمل في حلحلة الأرقام لتعادل ما تنادي به المنظمة العالمية للصحة، وأن يسمع صوت الحقيقة داخل المؤسسات التشريعية والتنفيذية، هذا هو العمل الوزاري الحقيقي للنهوض بقطاع الصحة وإلا فإن الكذب والنفاق هو السلوك الذي سيعتمده ذات الوزير. فنحن بعيدين ب 20 مرة عن المعدلات الدولية وندعي أننا نتوفر على الجودة في الخدمات الطبية والصحية والعلاجية.. الحكومة تتحمل كذلك مسؤولية رصد ميزانية تتماشى وحجم الإكراهات والتطلعات للرفع من قيمة المنتوج الصحي بمستشفياتنا. فخلال فترة الوزير البروفيسور الوردي، أكدت الإحصائيات الرسمية أن القطاع يشكو من نقص في الأطر الطبية بحوالي 10 ألف طبيب (ة) و 15 ألف ممرض (ة)، ما هي الحصيلة اليوم؟ أكيد أن الإحصاء سيضاعف رقم الخصاص (نقص 20 ألف طبيب و 30 ألف ممرض). أي حكومة لم ترصد الميزانية المطلوبة لمعالجة الاختلالات الخطيرة في المنظومة الصحية من أجل الوصول نسبيا من أرقام معدلات المنظمة العالمية للصحة فهي حكومة تنافق الناس، لأن الإرادة في تغيير واقع الصحة يتطلب تغطية العجز الحاصل الموارد البشرية ومن تم ننتقل للحديث عن التدبير الجيد، والكفاءة والجودة والحكامة.

جوانب أخرى فعلت فعلتها في تدني الخدمات الصحية تتعلق بعقلية التدبير والرشوة والزبونية والمحسوبية.. ..لكن يجب أن نقر بأن النقص الحاصل في الموارد البشرية وارتفاع منسوب المرضى سبب الاختلال في المنظومة الصحية، وهو سبب رئيسي في تفشي الرشوة والفساد وموت الضمير الإنساني بالمستشفيات... لأن المريض في موقف ضعف ويريد أن يتعافى بأي طريقة ولو على حساب حقوق الآخرين..... في الوقت الذي يجب أن نوفر ظروف إغراء الأطباء والأطر الإدارية بالقطاع أتساءل، لم أفهم كيف يتجرأ وزير الصحة على توقيف مدير إقليمي بمنطقة معينة يشتغل في ظروف قاسية مع قلة الأطباء والممرضين، وفي ظل أزمة يعيشها القطاع على جميع المستويات، هل وفرنا كل الإمكانيات لهذا المدير من أطر طبية وممرضين وميزانية كافية التدبير والتسيير. المسؤول عن مشاكل الصحة هي منظومة الصحة المختلة.