الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

السر الخفي في جر وزير المالية لمحمد بوسعيد إلى مقصلة الإقالة

السر الخفي في جر وزير المالية لمحمد بوسعيد إلى مقصلة الإقالة الملك محمد السادس ومحمد بوسعيد
لم يكن أحد من "كهنة" السياسة يتوقع إعفاء محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، الذي يلبس معطف حزب "التجمع الوطني للأحرار". بوسعيد على الرغم من أنه محسوب على "الحمامة" وكان عضوا في اللجنة التنفيذية للحزب التجمع الوطني للأحرار بين 2004  و2010، فهذا لا يعني أنه "كائن" حزبي بامتياز، كثير الثرثرة في السياسة واللغو في البرلمان، مثل جميع المهندسين "التكنوقراط" خريجي المدارس الفرنسية للهندسة. لكن "زلّة لسان" الوزير في وصفه لدعاة حملة المقاطعة بـ"المداويخ"، كانت بمثابة زلة "تاريخية" وضعت الوزير في فوهة بركان. بوسعيد الوزير الذي لا يعرفه المغاربة إلا سكان قارة "الفايسبوك"، تقلد عدة مناصب وحقائب وزارية قبل حقيبة المالية، وهذا التعارف في حد ذاته كان له أسباب النزول، وهي حملة المقاطعة التي رفعت أسهم الوزير في بورصة "الوزراء" الذين يطالب شعب الفايسبوك بإقالتهم.
منذ ذلك اليوم بدأت "مأساة" محمد بوسعيد، ورغم الاعتذار الذي قدمه، وجد نفسه يدفع وحده ثمن الوقوق ضد دعاة المقاطعة.
بلاغ الديوان الملكي الصادر اليوم (فاتح غشت 2018) كان مقتضبا ولم يخض في تفاصيل أو أسباب الإعفاء، حيث جاء فيه أن هذا القرار يأتي "في إطار تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي يحرص جلالة الملك أن يطبق على جميع المسؤولين مهما بلغت درجاتهم، وكيف ما كانت انتماءاتهم".
وأوضح البيان أن هذا القرار "اتخذ طبقا لأحكام الفصل 47 من الدستور، وبعد استشارة رئيس الحكومة".
لكن يبدو أن هناك "تفاصيل" أخرى تختبئ خلف سطور بلاغ الديوان الملكي، لأن ربط قرار الإعفاء بوصف المغاربة المقاطعين بـ"المداويخ" لا يبدو أنه سبب مقنع لإعفاء وزير راكم مجموعة من التجارب في الإدارة، فهو قد تقلد منصب والي على جهتي الدار البيضاء (بين2012  و2013)، وسوس ماسة درعة (بين 2010 و2013)، إضافة لحقيبة السياحة ضمن حكومة عباس الفاسي (بين 2007 و2010)، وحقيبة تحديث الوظيفة العمومية ضمن حكومة ادريس جطو (بين 2004  و2007). وابتدأت مسيرته في الإدارة المغربية مديرا بديوان وزير الأشغال العمومية بين 1995  و1998، ثم مدير ديوان وزير الفلاحة والتجهيز والبيئة. تقلد بين1998  و2001 منصب مدير البرامج والدراسات في وزارة التجهيز، ثم منصب مدير المقاولات العمومية والمساهمات والخوصصة في وزارة المالية بين 2001  و2004.
التسليم بأن "المداويخ" هم من أقالوا وزيرا يملك هذه المحطات في مساره السياسي، لا ينسجم مع منطق وقائع الحياة السياسية، وإلا لكانت "الغلطة" التي ارتكبها الوزير لحسن الداودي الذي تظاهر مع عمال شركة "سنطرال-دانون" أمام البرلمان. فإذا قارنا بين ردود الأفعال والارتدادات الشعبية لزلتي الوزيرين، كان الوزير لحسن الداودي هو الذي ينبغي أن يكون الآن خارج الحكومة وليس محمد بوسعيد. من هنا فقراءة إعفاء الملك لمحمد بوسعيد تحتاج إلى قارئ متمرس فنجان السياسة، أمّا كل هذه "التبريرات" و"الدوافع" وترويج خطاب "تمجيد" حملة المقاطعة، فهو خطاب لا يتجاوز الصفحات الفايسبوكية "الزرقاء"، لأن الدولة لن تجعل من أحد "خدّامها الأوفياء" كبش فداء، وتفرط فيه بهذه السهولة.