الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

ميلود العضراوي : الأزمة والواقع

ميلود العضراوي :  الأزمة والواقع ميلود العضراوي

انه لا داعي للتذكير بمصداقية الأرقام التي جاءت على لسان رئيس الحكومة سعد الذين العثماني مؤخرا في البرلمان، وهي أرقام وإحصائيات محبوكة في حواسب الحكومة وقد عهدناها متناقضة في أكثر من مرة مع معطيات المندوبية السامية للتخطيط التي تصرح بأن أرقامها أكثر واقعية أو من خلال تصريحات والي بنك المغرب الذي صرح أكثر من مرة أن وضعية الاقتصاد الوطني غير جيدة ، أو تصريحات وزير المالية الذي دق ناقوس الخطر قائلا الوضعية مقلقة مستقبلا. رئيس الحكومة وحده الذي ينفي وجود أزمة اقتصادية نفيا قاطعا. وزير المالية في الاجتماع المشترك الخميس الماضي مع الجنة المالية قدم حصيلة نصف سنة من الأداء المالي، وقال " إن الاقتصاد الوطني سيواجه صعوبات مقلقة خلال السنة المقبلة"، وسجل وزير المالية " ارتفاع العجز التجاري بنسبة 8،7 % حيث قفز هذا العجز إلى 16،5 مليار درهم خلال 6 أشهر الأولى وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب بنسبة33%، وهو ما اعتبره الوزير مؤشرا غير إيجابي، هناك "خسارة بحوالي 13 مليار درهم مقارنة مع السنة الماضية" في برنامج الاستثمار الأجنبي . فيما يتوقع أن ترتفع نسبة العجز التجاري إلى 20 مليار درهم. وها قد بلغت المديونية العامة نسبة%68  من الناتج الداخلي الخام يعني الخط الأحمر الذي حدر منه صندوق النقد الدولي قبل أشهر ؟

في حين لا تنعكس المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي تحدث عنها العثماني، إيجابيا على عموم الناس، وهذه ملاحظة واقعية للسيدة "كريستين لاكارد" موجهة لرئيس الحكومة السابق السيد بن كيران سنة 2015، حيث قالت له بالحرف" هناك نمو اقتصادي مضطرد ولكنه لا يعم كافة الناس، لماذا توجد لديكم فئات محرومة من النتائج الإيجابية للنشاط الاقتصادي؟ ". من هنا بالضبط يجب تحري آثار الأزمة حتى لو لم تكن ؟ لكن رئيس الحكومة يتمتع بمعيارية ملفتة للنظر، كونه يقيس وجود الأزمة من عدمها "بكون النواب المحترمين ما زالوا يقبضون رواتبهم" التي ستتحول مستقبلا إلى معاشات دائمة. فليس من غريب الصدف أن نسمع مثل هذا الكلام الذي يصدر بمنطق التغليط المرصود على مقاس الفهم والتصديق، وهو خطاب موجه لشرائح اجتماعية معينة من الشعب، في حين تعتبر تلك الشرائح الاجتماعية المستهدفة هي أول من يكفر بهذا الكلام ويرفضه، لأنها هي من يكتوي بنيران الغلاء وانخفاض القدرة الشرائية ولهيب الضرائب وارتفاع الرسوم وانغلاق أبواب الشغل والمعاناة من فساد الإدارة وغلوها ومن التسيب والجريمة والتضييق في معاشها وحياتها. حذف الدعم الاجتماعي وخصخصة التعليم وحرمان الشرائح الاجتماعية العظمى من الحق في الصحة والحق في العمل والحق في التعليم... ليس أزمة ؟

يجب ان نتفق جميعا مع رئيس الحكومة الذي يسقط أسلوب الحوار مع محاوريه في مستنقع العصبية الدينية التي تدعي امتلاك الحقيقة لوحدها ولو كان ذلك هو عين الخطأ ، وإلا سينعت منتقدي السياسة الحكومية بالسوداويين والعدميين ويستعمل المصطلح المقاصدي "المنكر من القول"، في حين يعتبر المنهج النقدي للحكامة قوة اقتراحية إضافية وتفكير مفاهيمي في صالحه لأن القصد منه هو تحسين أداء المؤسسات، فهناك ما يكفي من طبول العيد وصناجتها الإعلامية التي تزغرد صباح مساء لسياسة الحكومة الرشيدة. سنقول لرئيس الحكومة، معك حق، ليس هناك أزمة على الإطلاق، غير أن الأزمة أكبر من ان يتجاهلها هو أو غيره، فهي توجد على مكتبه الآن، خارج لون السواد الذي يدعيه، وتتعلق بالأزمة العامة لتدبير الشأن العام والشأن الاقتصادي والشأن السياسي والاجتماعي وقضايا التنمية والاستثمار وإصلاح الإدارة والقضاء والمديونية الخارجية ووضع المغرب في مؤشر معدلات التنمية ومعدل النمو والحكامة الجيدة وميزان المبادلات الخارجية والتضخم وهيمنة القوة اللبرالية على كعكة الاقتصاد الوطني وحرمان الدولة من القطاع الاقتصادي العمومي ومردوديته. فإذا لم ينجح رئيس الحكومة في تنفيذ هذا المشروع الكبير، فتلك هي الأزمة بعينها.

من بين الأزمات التي تفرض نفسها بقوة على السيد رئيس الحكومة، انسحاب شركة "هايتي الصينية" من المشروع الاستثماري الكبير في طنجة تاركة فراغا في تعويضها وعجزا عن قدرة تمويل هذا المشروع الضخم بحوالي 10 مليارات دولار أمريكي، لبناء مدينة محمد السادس، وما ارتبط بها من  الالتزامات مصاحبة للإنشاء والتوظيف كإحداث حوالي 200 مصنع وتوفير 100 ألف منصب شغل.؟ ثم هل صحيح ان الشركة المنسحبة تعرضت لصعوبات تمويلية أم ان هناك أشياء أخرى جعلت الشركة الصينية تنسحب من المشروع ؟

ان فكر الأزمة صار لازمة من لوازم اقتصادنا وماليتنا وحكامتنا وسياستنا الاستثمارية ومنهج إدارتنا ؟ نحن ان لم تكن لنا أزمة في زمن الأزمات التي يتعرض لها العالم وكل الدول تشكو منها، فإنه لا شك أن المرض العضال قد وصل إلى مادتنا الرمادية في الدماغ وصرنا لا نفقه شيئا على الإطلاق ولا نفرق بين زمن الأزمة وزمن الرخاء وأصبحت الأمور لدينا سيان.؟