رغم محاولات محاصرة الأزمة السياسية التي أشعلتها تصريحات رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران بشأن الدور الروسي في سوريا، فإن العديد من الملاحظين يتساءلون عن الأسباب الكامنة وراء تلك التصريحات غير الديبلوماسية التي لا تراعي مصالح المغرب، خاصة أن روسيا برهنت، في مارس 2016 من خلال بيان مغربي روسي، على دعم "جهود مجلس الأمن والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس، من أجل التوصل إلى حلّ سياسي مقبول من كلا الطرفين لمشكل الصحراء، في إطار مصالح الساكنة ووفقا لمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة". كما أكدت روسيا أنها تأخذ بعين الاعتبار موقف المغرب في ما يتعلق بتسوية النزاع. ويستغرب الملاحظون خرجة رئيس الحكومة ضد روسيا التي اتخذت موقفا حاسما وعلى نحو واضح لصالح المغرب ضد الخطأ الدبلوماسي الكبير الذي ارتكبه الأمين العام للأمم المتحدة لدى زيارته لمخيمات تندوف حين وصف المغرب بأنه دولة احتلال. ومعنى ذلك، يقول مراقبون، أن بنكيران "يدك" كل شيء "حرثه" الملك أثناء زيارته لروسيا، وإلا ما السبب الذي جعل السفير الروسي بالرباط، فاليري فوروبيف، يهتز من مكانه، ويحتج رسميا لدى وزارة الخارجية المغربية على تصريحات بن كيران الذي اتهم روسيا بدعم مجازر النظام. فهل بمثل هذه التصريحات، يتابع المراقبون، يمكن توسيع دائرة التحرك الدبلوماسي المغربي للتعريف بمقاربة المغرب لحل النزاع وفق آلية الحكم الذاتي الموسع، والبحث عن داعمين لها في مختلف دول العالم؟ وكان عبد الإله بن كيران قد حث في تصريحات لوكالة "قدس برس" الأسبوع الماضي، روسيا على أن تكون قوة لحل الأزمة في سوريا لا أن تكون طرفا فيها، وقال: "ما يفعله النظام السوري بشعبه مسنودا بروسيا وغيرها يتجاوز كل الحدود الإنسانية، ولا يمكن فهم أسبابه الحقيقية". وأضاف: "السؤال هو: لماذا تدمر روسيا سوريا بهذا الشكل؟ كان يمكن لروسيا أن تتدخل لإيجاد حل للأزمة وليس لتعميقها".
الغضب الروسي لم ينتظر طويلا حين أفضى احتجاج السفير الروسي إلى قيام وزارة الخارجية المغربية بإصدار بلاغ لتوضيح الموقف الرسمي للمغرب من الأزمة السورية. وأوضح البلاغ أن المغرب "منخرط لصالح حل سياسي يضمن استقرار سوريا، ويحمي وحدتها الوطنية وترابها الوطني"، وأنه "منشغل بالمآسي الإنسانية الكبيرة التي خلفتها الأزمة السورية". وأفاد البلاغ أن "الإجراءات العملية، تكون بتعليمات من ملك المغرب، لتخفيف المعاناة عن الشعب السوري الشقيق، ونسجل هنا إقامة مستشفى في 2012 في مخيم الزعتري، للتسوية الاستثنائية لوضعية اللاجئين السوريين في المغرب، والمساهمة الفعالة في الدعم الإنساني للشعب السوري". وزاد البلاغ: "المغرب مقتنع بأن حل الأزمة السورية، يستلزم انخراطا قويا من المنتظم الدولي، خاصة الدول القوية القادرة على العمل على أرض الواقع والتأثير على مجرى الأحداث". وشدد على أن "المغرب يحترم الدور الذي تقوم به روسيا في هذا الملف وفي غيره من القضايا الدولية". وأفاد البلاغ أن المواقف الرسمية للمغرب "تأتي عقب تقييم عميق ومسلسل من التفاعل والتثبت بانخراط عدد من الفاعلين والمؤسسات، لا يمكن لهذه المواقف الرسمية، بالنظر لتعقدها وخطورتها، أن تكون محط ارتجال، أو أن تعبر عن وجهات نظر شخصية". فما معنى هذا الكلام؟ معناه أنه يتوجب على رئيس الحكومة أن يبلع لسانه، وأن لا يتركه يتحرك جيئة وذهابا لإفساد ما تفصد الآخرون عرقا من أجل إنجازه. ثانيا، لماذا يعرض نفسه لـ"التوبيخ" إذا كان مدركا لخطورة تصريحاته على المصالح الكبرى للدولة، وإذا كان على اطلاع واسع، انطلاقا من موقعه في الدولة، على الموقف الرسمي للمغرب من الأزمة السورية؟ لماذا سيضطر لالتزام الصمت أمام بلاغ وزير الخارجية الذي وصف تصريحاته بالارتجال، وأنها تعبير عن مواقف شخصية؟ هل نسي رئيس الحكومة أنه يمثل دولة، ؟ لماذا اختار رئيس الحكومة لغة الالتباس بدل لغة الوضوح؟ ولماذا ليس بإمكانه الرد على بلاغ وزارة هو عمليا رئيسها الفعلي؟ هي أسئلة كثيرة موجهة إلى رئيس الحكومة الذي يندفع وراء مواقف لا تخدم المغرب، وتعرقل تقدمه في اتجاه الوصول إلى تسوية نهائية لنزاع الصحراء. ذلك أن روسيا عبرت، مؤخرا، عن تفهمها للموقف المغربي، وانخرطت بكل فعالية من أجل تسهيل تنزيله. كما أن مواقفها داخل مجلس الأمن تتجه نحو دعم المصالح المغربية.
سياسة