لعل من باب الإنصاف الأخلاقي، ونحن لا نزال على وقع الخرجة الأخيرة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الاعتراف له بحمولة هذه الخطوة، خاصة وأن القلة النادرة من رجال السياسة الذين يتخلون بملء إرادتهم عن السلطة باسم المصالح المتبادلة أو فكرة. وهو الوضوح الذي وإن جاز تفسيره بحفظ الكرامة، لا يمنع من طرح سؤال: متى موعد عودة الدولة الحقيقية؟.
إن هذا الوضوح، لا يجب أن ينسينا أيضا أمرين أساسيين، أولهما الاستفسار المُصادر حول مسألة الحرمان من الجنسية، ثم شق التضامن الذي داس عليه اليسار الحكومي إن جزئيا أو كليا. لأنه وبحسب الحالة الأخيرة يمكن القول بتحقيق أطروحة الوطأ على ذلك الحق بنحو يتناقض مع انتظارات الناخبين ويقتل كل بصيص أمل في تطلعاتهم. وبالتالي، عقب هذا الاندحار المؤسس على خلفية السلب، صار الفشل حتميا، والسقوط مدويا. إنما وبعيدا عن فكرة الاعتقاد بتبرير العنف أو التماس الأعذار للإرهابيين، يبقى من الضروري وبشكل مبدئي عدم إخطاء العدو.
فصحيح أن لفرنسا كامل المشروعية في حماية نفسها، لكن عليها في المقبل واجب التفكير مليا بخصوص النهج الصائب بدل تسعير الأجواء المنتجة للاحتقان الذي تبحث عن التخلص منه. وسواء كان الشأن عن طواعية أو إكراه، فإن إقبار الحرمان من الجنسية يظل مرحبا به. وإن كان ذلك غير كاف لتحسين صلة التجاوب مع اليسار، والأحياء الشعبية ومختلف أنماط التنوع المجتمعي، خاصة وأن الرئيس يواصل خندقة نفسه في البرج العاجي الذي أسسه له مانويل فالس.
فرانسوا هولاند قرر إذن عدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة السنة المقبلة، ومن ثمة التخلي عن العالم، وحسنا فعل طالما أن التخلي عن الأخير يكون ضروريا أحيانا لفهم الكون. بالنسبة لنا، الصرامة والروح الديمقراطية تفرضان تفسير هذا الإخفاق وعدم التشاور مع أي كان من الشريحة الناخبة. حيث النظام البيئي العالمي في تدهور، ودولة الرفاهية على طريق الانهيار، والاقتصاد موغل في التراجع، والمعالم الفلسفية ضائعة. أما الرئيس هولاند فيتقمص لنا حكاية من يصوب سهم لعبته لفرنسا أولا ثم له بعد ذلك.
في سنة 1917 تم الإعلان عن بداية انعكاس لنظام جديد، وبعد مرور قرن من الزمن يجد السؤال موضعه حول ما إذا كانت لنا قوة تحمل تبعات عقد المقاومة الذي تلزمه الظروف المتفاعلة وما ينتظره المواطن. إذ الكثير يبحث عن غاندي الكتلة، لكن الجميع يظل قابعا في زاويته.
لهذا، أقول بأنه كفى من السخط ولنمر إلى السؤال الموالي، والعمل بلا كلل من أجل تحليل الأسباب الحقيقية للوضعية اليسارية خارج روح الكنيسة وطيات الطائفية، وأيضا جعل الخطاب السياسي أكثر سلاسة في التعامل مع المواطنين، والقطع مع الشروط المهيمنة إلى جانب توظيف الأشكال الحوارية المعهودة لدينا والشبيهة بنا.
وبالإحالة على إحدى عناوين الأديب ليونارد كوهين التي لقب فيها اليسار بـ"الخاسرون الرائعون"، نجدهم يقصفون الديمقراطية بألذع الشتائم و سِباب الكراهية المهينة، كما يجسدون أدق مظاهر احتقار المواطنة، حسب وصفه. إنهم يقدمون لنا ملحمة فاشلة، بغيضة، وحبلى بجميع الدفوعات المُدينة بالعمى السياسي. وبالاختصار المفيد، نخلص إلى أننا نخدمهم كسياسة إباحية خالصة.
كتاب الرأي