الثلاثاء 30 إبريل 2024
ضيف

الدكتورمحمد نوري: معظم الإسبان غادروا شمال المغرب بسبب ارتفاع ظاهرة التدين

الدكتورمحمد نوري: معظم الإسبان غادروا شمال المغرب بسبب ارتفاع ظاهرة التدين

يعتبر الدكتور محمد نوري من بين الخبراء في مجال العلاقات المغربية - الإسبانية، لما يمثله من قدرة فذة في التحليل،وما يزخر به من عمق ثقافة متوسطية واعية بالمتحول والثابت،وما يحتله من مكانة في المحافل الثقافية والسياسية في الضفتين. هنا حوار حصري مع الدكتور محمد نوري حول تمظهرات ودلالات هجرة الإسبان إلى مدن شمال المغرب.

 * كيف تقرأ ظاهرة «الهجرة العكسية»، كما سماها الإعلام الإسباني، بين المغرب وإسبانيا؟

- أعتقد أن هناك مبالغة في تقدير هذه المسألة، وهي مبالغة إعلامية بالدرجة الأولى بلغت أوجها سنتي 2013 و2014. صحيح أن عدد الإسبان المقيمين في المغرب تضاعف أربع مرات في العشرية الأخيرة، كما أشارت لذلك الصحيفة البريطانية The Christian Science Monitor سنة 2013، لكن هذا العدد يبقى ضعيفا بل ضعيفا جدا، إذا ما قارناه بالإسبان المقيمين ببريطانيا (حوالي مائة و عشر ألف) أو ألمانيا (140 ألف). الأرقام الرسمية المتوفرة في إسبانيا، وأعني بها الصادرة عن المعهد الإسباني للإحصاء لهذه السنة (2016)، تتحدث عن حوالي 10 آلاف مقيم رسمي في المغرب، أضف إليهم 5 آلاف تقريبا يعيشون هنا دون توفرهم على أوراق الإقامة. هذا يعني أن العدد الإجمالي لا يتعدى 15 ألف الذي يظل رقما ضعيفا إذا ما قارناه كما قلنا بمئات الآلاف الذين نزحوا للدول المتقدمة بالاتحاد الأوروبي. وأعتقد أن الاهتمام الإعلامي أو المبالغة الإعلامية للمسألة يأتي من كونها خلخلت ما كنا نعرفه حول وجهات الهجرة والبلدان التي توفر فرص العمل.

* ما هي في رأيك العوامل التي حولت شمال المغرب إلى نقطة جذب للإسبان المعطلين، بعد أن كانت مدن عبور غير شرعي صوب الضفة الأخرى؟
- بالنسبة لمدن شمال المغرب، كان هناك إقبال ملحوظ على هذه الوجهة في نهاية التسعينات ومطلع سنوات 2000 وخاصة بمدن شفشاون، طنجة وتطوان. أغلب الإسبان الذين قصدوا هذه الجهة ابتاعوا شققا على الشريط الساحلي لإمضاء تقاعدهم أو قاموا بالاستثمار في مشاريع سياحية من قبيل الفنادق السياحية الصغيرة سواء في هذه المدن أو بقراها. لكن الملاحظ أن هذا التوجه خفت كثيرا، بل عدد كبير منهم باع ممتلكاته وفضل العودة إلى إسبانيا نظرا لعدم قدرتهم على التأقلم مع الحياة هنا، وهذا المعطى مرتبط أساسا، حسب المعلومات التي نتوفر عليها، بفعل ارتفاع ظاهرة التدين وتمظهراته في الحياة العامة.

* ثمة خبراء رأوا في تزايد معدلات «الهجرة العكسية» بين الضفتين عنوانا بارزا للصورة المعبرة عن «أزمة إسبانيا». هل تتفق مع هذا الطرح؟
-  صحيح أن هناك أزمة اقتصادية في إسبانيا تمتد منذ حوالي عشر سنوات، وأي اقتصاد لا يتجاوز مؤشر نموه 1 %، كما هو الحال بإسبانيا في السنوات الأخيرة، ليس بمقدوره خلق فرص عمل، وهذا هو ما قلب المعادلة القديمة في نظرنا وغير سهم الهجرة في الاتجاه المعاكس، وكأننا إزاء «عالم مقلوب» كما قال بذلك هين دي هاس Hein De Hass، المدير المساعد للمعهد الدولي للهجرة. هذا الانقلاب جميل جدا في نظرنا على اعتبار أن ذلك المضيق الصغير الموجود بين المغرب وإسبانيا لا يجب تمثله من وجهة نظر قانونية، أي كفاصل بين البلدين والشعبين، بل من وجهة الجغرافيين الذين يرون فيه مصدر التقاء، اجتماع و تواصل. هنا، من الوجيه الرجوع للرد النبيه لألفونصو دي لا صيرنا، السفير الإسباني بالمغرب سابقا، والمفكر الرصين، على أورطيغا إي غاسيط Ortega Y Gassetالذي كان قد أشار بأن «استرداد أراضي Reconquista دام ثمانية قرون ليس استردادا، بل شيئا آخر». ليجيبه دي لا صيرنا بنباهته المعهودة بـ «أن احتلالا دام ثمانية قرون ليس احتلالا بل شيئا آخر». هذه الروح المغربية الإسبانية المشتركة والفذة التي تشكلت عبر كل هذه القرون، ولا تزال، هي ما عبر عنها أستاذنا وصديقنا، المؤرخ المرحوم ابن عزوز حكيم، رحمه الله، حين قال: «المغربي إسباني تمت أسلمته والإسباني مغربي تم تمسيحه». كيان واحد إذن في بقعتين جغرافيتين يربط بينهما خيط ماء رهيف. وهذه الرحلة الممتعة والمتواصلة بين الضفتين، منذ الفينيقيين الذين تركوا لنا قادس بإسبانيا وليكسوس بالمغرب، تعود اليوم عبر نفس الواجهة الاقتصادية لتزيد في تغيير الأفكار النمطية، وتؤسس لمزيد من التقارب والتضامن بين الشعبين. جميل أن يعود الاقتصاد لفرض قوانينه.

* صمت وزارتي الداخلية في البلدين عن إبراز الموقف من توافد الأيدي العاملة الإسبانية بحثا عن فرص عمل في مدن شمال المغرب، هل يعني لك شيئا ما؟
- لا أعتقد، كما قلنا، نحن نتحدث عن حوالي 5 آلاف إسباني يعيشون في المغرب دون توفرهم على أوراق الإقامة، و هذا راجع في نظرنا للقرب الجغرافي بين الدولتين، وعدم رغبة هؤلاء في فك الارتباط قانونيا مع بلدهم الأم، أي أنهم ما زالوا مسجلين في لوائح الساكنة في مدنهم أو ما يسمى بـ Padron municipal ويؤدون واجبات الضمان الاجتماعي في إسبانيا. لكن هذا لا ينفي أن وزارة الداخلية المغربية قد لفتت النظر لما سمته بـ«العدد المتزايد» للأورووبيين، و خاصة منهم الإسبان والفرنسيين، الراغبين في العمل والاستقرار بالمغرب بكل عام، وليس في مدن الشمال فقط.

* إلى أي حد يمكن القول إن مسلسل التنمية في شمال المغرب قادر على تغيير الصورة النمطية لضفة منتجة للهجرة وضفة أخرى مستقبلة للهجرة؟
- صحيح أن مدن شمال المغرب، و المدن الكبرى بالمغرب بصفة عامة، عرفت و مازالت تعرف حركة تنموية ملحوظة في العقد ونصف الأخير، لكن يجب ألا ننسى أن الناتج الداخلي الخام الإسباني أكبر من الناتج الداخلي بالمغرب ست مرات، و أن نسبة البطالة الحقيقية في المغرب أكبر مما هو عليه الحال في إسبانيا، وأن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إسبانيا وأوروبا بشكل عام أثرت على معدل البطالة بالمغرب، لأن عددا كبيرا من المغاربة عادوا من إسبانيا بعد تعذر حصولهم على العمل هناك. لكن هذا لا يمنعنا أن نقول إن هناك عددا من الإسبان قدموا للعمل بالمغرب، وخاصة في قطاعات السياحة والفندقة والهندسة المعمارية والبناء وتدريس اللغات وتصريف النفايات وغيرها من القطاعات المرتبطة بالرأس المال الأوروبي، حيث يتقاضون أجورا تراوح 1500 أورو، أي رواتب تمكنهم بفضل تكاليف الحياة المنخفضة بالمغرب، مقارنة مع المدن الكبرى بإسبانيا، بالعيش جيدا، في انتظار تحسن الأوضاع ببلدهم الأم. وهذه في نظرنا سنة الهجرة منذ أن وجد الإنسان وستظل كذلك. عموما، رغم أن الهجرة الإسبانية لإفريقيا بشكل عام تبقى ضعيفة جدا، حيث لا يتجاوز عدد المهاجرين الإسبان في هذه القارة برمتها عشرين ألفا، أي أقل من خمس عدد الإسبان المقيمين في دولة كبريطانيا أو ألمانيا، فإن الملفت للانتباه أن نصفهم مستقر في المغرب. وهذا يعني أن هذا البلد، لعدة اعتبارات، جغرافية، ثقافية واقتصادية، يبقى الوجهة الإفريقية المفضلة للإسبان، وهناك العديد من طلبات التشغيل التي يقدمها الإسبان للشركات بالمغرب لا تمر عبر القنوات التقليدية لغرف التجارة والصناعة الإسبانية.

* في ظل تراجع معدلات قوارب الموت، ومع تزايد حالات «الهجرة العكسية»، هل مازال المغرب - حسب قراءتك - يلعب «دور الدركي» في المحيط المتوسطي؟
- في نظرنا، المسألة لا تتعلق بالقيام بدور الدركي بقدر ما تتعلق بالقيام بما يقتضيه بند من بنود الشراكة المغربية مع الاتحاد الأوروبي، ولكل شيء ثمنه و مقابله. عموما، الاتحاد الأوروبي بشكل عام، وإسبانيا بشكل خاص، مسروران جدا من الدور المغربي حيال هذه المسألة ، والانخفاض الكبير الذي عرفه معدل ما يصطلح عليه بقوارب الموت،إضافة للتغير الذي طرأ على مستوى مناطق العبور لأوروبا، يؤكد بأن المغرب يفي بالتزاماته في هذا الشأن.