الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

حسن عبيابة :الاتحاد الأوروبي بين الاتحاد والانفصال حول ملف الهجرة في قمة بروكسيل

حسن عبيابة :الاتحاد الأوروبي بين الاتحاد والانفصال حول ملف الهجرة في قمة بروكسيل د.حسن عبيابة
يبدو أن ملف الهجرة لم يبق ملف المهاجرين فقط، وإنما أصبح ملف الأوروبيين، كذلك نظرا لخطورة هذا الملف سياسيا واقتصاديا وإنسانيا، كما أن الدول الأوروبية ليست لها سياسة موحدة من الهجرة رغم العديد من الاتفاقات المبرمة بين دول الاتحاد الأوروبي، ولعل بعض الدول المتضررة من عملية الهجرة وخصوصا الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، التي أصبحت تعاني من تدفق الهجرة غير الشرعية بإعداد متزايدة لم تعد تقبل تخاذل بعض الدول الأوروبية بخصوص الهجرة، ويبدو أن الجديد في موقف الاتحاد الأوروبي هو التنصل من الاتفاقات الدولية ومن الشعارات التي تنادي بها حول حقوق الإنسان، بل ظهرت عنصرية جديدة بسبب ملف الهجرة.
ومن خلال دراسة هذا الموضوع يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
*أن الاتفاق الذي جرى بين دول الاتحاد الأوروبي
ليلة الجمعة 29 يونيو 2018، الذي توصلت إليه الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن ملف الهجرة هو اتفاق لجس النبض وحسن النوايا ويحتاج إلى التطبيق والتعاون الأوروبي كله، لأن هناك بعض الدول تتحفظ عليه مثل إيطاليا الدولة المتضررة أكثر من عملية الهجرة غير الشرعية.
* أن انغيلا ميركل، المستشارة الألمانية، تقر بوجود خلافات عميقة بين الدول الأعضاء رغم أنها تعتبر الاتفاق إيجابيا وأن ملف الهجرة هو الأكثر تحديا للاتحاد الأوروبي، وتواجه ميركل ضغوطا شديدة في الداخل لاتخاذ موقف أشد بشأن الهجرة.
*من جهته، أكد رئيس الوزراء الإيطالي الجديد جوزيبي كونتي أن بلاده "لم تعد بمفردها" معنية بملف الهجرة بعد توصل الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في بروكسيل إلى اتفاق حول إدارة أزمة ملف الهجرة، وأكد كذلك أن الاتفاق يلزم أوروبا كلها بأن تكون أكثر مسؤولية وتكافلا في المستقبل.
* يظهر أن اجتماع بروكسيل أعاد أزمة الهجرة التي واجهتها أوروبا في عام 2015، وأصبحت تلاحق الاتحاد الأوروبي رغم الانخفاض في عدد الوافدين الفارين من النزاعات والأزمات الاقتصادية في الشرق الأوسط وإفريقيا.
* أن المغرب معني بملف الهجرة نظرا لوقوعه في معبر جغرافي هام وأصبح يعاني من تدفق الهجرة من دول إفريقيا ولم يبق بلد العبور، بل أصبح بلد الإقامة وهذا يتطلب سياسة جديدة اتجاه الهجرة باتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
* أن الاتحاد الأوروبي المصغر شكل قوة أوروبية للتدخل العسكري والمدني والمتكون من 8 دول أوروبية في باريس الأسبوع الماضي، تكون قادرة على خوض عملية عسكرية بسرعة أو القيام بإجلاء في بلد في حالة حرب أو تقديم المساعدة في حال وقوع كارثة بدون الاستعانة بالحلف الأطلسي، الذي أصبحت تتحكم فيه الولايات المتحدة الأمريكية.
*وقد وقعت الوثيقة بين الدول الثمانية كل من ألمانيا وبلجيكا والدنمارك وهولندا واستونيا والبرتغال وإسبانيا وكذلك بريطانيا التي من المفترض أن تخرج من الاتحاد الأوروبي في ماي 2019، باستثناء إيطاليا وهي الدولة العاشرة التي أعلنت موافقتها على الانضمام، لكنها طالبت بعض الوقت لدرس كل الخيارات.
* أن المبادرة، حسب تصريحات الدول المعنية، تتكامل مع قوات الحلف الأطلسي، مضيفة أن أوروبا تساهم بشكل ملموس فيما يطلبه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتأمين حسن عمل التحالف وتوفير المزيد من الإمكانيات المادية واللوجيستيكية، وأعتقد أن هذا جواب دبلوماسي وليس عسكريا، لأن المباراة تأتي لمواجهة الشكوك المحتملة (حول التزام الولايات المتحدة في أوروبا) لحماية أوروبا ولذلك يجب على الأوروبيين أن يكونوا أقوياء وقادرين أكثر فأكثر على تأمين حمايتهم وسيادتهم.
* أن قرار الولايات المتحدة الخروج من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في هذه الظروف هي رسالة لأوروبا وتركها وحدها في العالم تدافع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم وأن الولايات المتحدة تخلت عن القيم الحقوقية والإنسانية المشتركة مع أوروبا.
* يبدو أن أوروبا الآن تبحث عن نفسها بعد أن بدأت الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وبدأت تعاني بسبب التزاماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع شعوبها ومع دول الجوار جنوب البحر الأبيض المتوسط.
*أن الممارسات الديمقراطية في أوروبا حاليا أصبحت تعيش على واقع الحياة اليومية وأصبح المواطن الأوروبي لا يمنح الثقة طيلة الفترة الانتخابية الدستورية، وإنما يمهل الحكومات سنة أو سنتين على الأكثر فإن لم تحقق شيئا فيرفضها بوسائل سلمية لإحداث تغيير أفضل والبحث عن فرص التنمية لتلبية المطالب الاجتماعية.
* أننا في المغرب لم نبق بعيدين عن هذه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها أوروبا مع فارق الإمكانيات والاحتياجات بين المغرب وأوروبا، لكن اليقظة والحيوية مطلوبة لتوفير مناخ ملائم للاستثمار المحلي والخارجي والبحث عن المزيد من الإمكانيات المتاحة.
                                                                              - د.حسن عبيابة، أستاذ التعليم العالي