الثلاثاء 30 إبريل 2024
سياسة

وفاة رشيد سكيرج: رجل أكبر من ظله

وفاة رشيد سكيرج: رجل أكبر من ظله

أُعلن في باريس عن رحيل رشيد سكيرج، أحد رموز الحركة الديموقراطية والتقدمية في بلادنا؛ رجل لعب أدوارا طلائعية في النضال من أجل التحرر والديموقراطية وطنيا، مغاربيا وعربيا، وعلى مستوى العالم حتى.
كان رفيقا لثلاثة رموز كبرى في الصف التقدمي والثوري المغربي؛ الشهيد المهدي بنبركة، المجاهد الراحل محمد الفقيه البصري والمجاهد محمد بنسعيد أيت يدر.
تولى الراحل رشيد سكيرج منصبا أساسيا في "الإدارة العامة للأمن الوطني" التي بوشر بتأسيسها مباشرة بعد إعلان استقلال المغرب عن الاستعمار الفرنسي والإسباني، وكان عين الحركة الوطنية والتقدمية على هذا الجهاز، في تلك المرحلة التي كان يعرف فيها المغرب صراعا مريرا بين رؤيتين؛ منظور ينتصر لاستمرارية التبعية للمركز الاستعماري الفرنسي في الأجهزة والخيارات كان يمثله الرجل الثاني في الدولة حينها الحسن بن السلطان محمد الخامس ومجمل القوة الثالثة التي كانت تتشكل من عملاء الاستعمار وبقايا الإقطاع والجنود والضباط السابقون في الجيشين الاستعماريين (الفرنسي والإسباني) مسنودين بالمعمرين والشركات الفرنسية المسيطرة على أهم القطاعات. ومنظور آخر ذو أبعاد وطنية وتحررية كان ينحو في اتجاه تحرير كل القطاعات والأجهزة من بقايا التأثير الفرنسي وكذا من نزوعات التسلط والهيمنة التي كانت تبدو في الأفق من ممارسات "ولي العهد" حينها والفريق المرتبط به (أوفقير، الدليمي، أمزيان، أحرضان، الخطيب ورضا اكديرة...).
قام الراحل رشيد سكيرج بدوره الوطني وكان شاهدا فاضحا لتجاوزات الأجهزة الأمنية حينها، وخاصة جهاز "الكاب 1" سيئ الذكر الذي كان يواجه نزوعه نحو التحول لعصابة فتاكة تقتل وتسرق وتنهب وتختطف وتغتال.
واجه الجنرالان الجلادان حينها، أوفقير والدليمي. ومنعهما من ارتكاب الفظائع، ووفر دعما لأشقائنا من ثوار الجزائر، بالسلاح والجوازات المغربية، لتسهيل حركتهم داخل الجزائر وعبر العالم.
كان شاهدا على الكثير من جرائم الكاب 1 التي واجه منفذيها بشجاعة بالغة، فمنع منها الكثير وفضح منها الأكثر، ليكون شاهدا على حقبة سوداء من تاريخ المغرب (اختطاف واغتيال الشهيد محمد الحريزي المعروف باسم "ميشال" المناضل المقرب من بنبركة، ثم اختطاف الشهيد بنبركة..).
تعرض لعدد من محاولات الاغتيال داخل المغرب وخارجه، لكن القدر جعله يعيش أكثر من الجلادين.
خرج إلى الجزائر فاستقبله الرئيس الجزائري الراحل أحمد بنبلة وبقي هناك 3 سنوات قبل أن يظهر في فرنسا ليقدم شهادة مدوية في محاكمة الجلاد الدليمي في قضية اختطاف الشهيد المهدي بنبركة سنة 1966.
كان وجها نشيطا في فرنسا في لجان مناهضة القمع بالمغرب، وفي الأنشطة المتعلقة بمحاربة الاستعمار ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني والتضامن مع قضايا التحرر في العالم (حرب فيتنام، والتدخل الاستعماري الفرنسي في أكثر من منطقة في إفريقيا، والعدوان الأمريكي على دول مختلفة من العالم).
كما اشتغل صحافيا بمكتب وكالة الأنباء العراقية في باريس إلى جانب الكاتب الكبير محمد باهي، الذي سيرافقه ليصبح واحدا من أبرز أعضاء الطاقم الصحفي لمجلة "اليوم السابع" الشهيرة التي أنشأتها منظمة التحرير الفلسطينية في باريس بعد خروج المنظمة من بيروت لتكون ملتقى فكريا للمثقفين العرب حول فلسطين وحول قضايا التحرر العربي بشكل عام، وكان يشرف عليها القيادي الفلسطيني المعروف في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" قبل تحوله للجبهة الديموقراطية الأستاذ بلال الحسن. وهي المجلة التي أجرت الحوار الذي شكل حدثا في الثقافة العربية في حينه بين عَلَميْن من أعلام الفكر الفلسفي في الوطن العربي (محمد عابد الجابري وحسن حنفي في "حوار المشرق والمغرب").
كان من مؤسسي حركة 23 مارس إلى جانب عدد من رفاقه المنسحبين من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وفي مقدمتهم السي محمد بنسعيد أيت يدر، وكان من أبرز المشرفين على نشرتها الصادرة في باريس "23 مارس". كما كان من مؤسسي "منظمة العمل الديموقراطي الشعبي" سنة 1983 وعضوا في لجنتها المركزية بعد المؤتمر الأول.
قصة هذا المناضل الذي ينتمي لأسرة طنجاوية عريقة في العلم والتصوف، كانت مناصرة لثورة القائد المجاهد محمد عبد الكريم الخطابي، تستحق أن تُحكى للأجيال، هي أسرة العلامة محمد بن العياشي سكيرج.
خلّف الراحل رشيد بنتا اسمها إحسان، وما يزال من أشقائه الممثل المغربي والعربي المعروف عالميا محمد البشير السكيرج، وشقيقته الفاضلة السيدة زبيدة سكيرج.