الاثنين 6 مايو 2024
كتاب الرأي

محمد جدري: قراءة تحليلية لخطاب دكار

محمد جدري: قراءة تحليلية لخطاب دكار

بعد مرور 17 سنة من جلوس الملك على عرش البلاد، يتضح جليا أن ملكية محمد السادس حاملة لمشروع وطني طموح يرمي إلى جعل المملكة، قوة مؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي. هذا الطموح لا يمكن إلا التصفيق له والوقوف بجانبه من أجل تحقيقه.

تعتمد ملكية محمد السادس لتحقيق هذا الهدف على عدة ركائز منها ما هو ذاتي، كالاستفادة من الموقع الجغرافي للمملكة القريب من أوروبا وكبوابة لإفريقيا. وما هو موضوعي، استقرار المملكة السياسي والانفتاح على شركاء جدد كروسيا والصين وإفريقيا.

إفريقيا، التي حظيت بجولات مكوكية، لعدة بلدان افريقية خلال السنوات القليلة الماضية، كان آخرها زيارة عاهل البلاد لأول مرة لكل من رواندا وتانزانيا البعيدتين عن المغرب جغرافيا  ثقافيا.  من خلال التمعن في مضامين الخطاب الملكي، يتبين أنه تم اختيار كلماته بعناية فائقة، في شقيه الإفريقي والوطني.

إفريقيا، اعتمد الخطاب على لغة واضحة، مركزا فيها أن المغرب كان ولا يزال رقما صعبا ب القارة السمراء. وأن عودته للاتحاد الإفريقي، لا تحتاج لإذن من أحد وإنما هي عودة لتصحيح خطأ ارتكب قبل 32 سنة.

وطنيا، اغتنم عاهل البلاد، خطاب المسيرة ليوجه رسائل للفاعلين السياسيين، أهمها:

- مخاطبة ملك البلاد للفاعلين السياسيين مباشرة، وليس عن طريق مستشاريه، أو عن طريق وسائل إعلام مقربة من القصر. وهذا في حد ذاته تحول جذري في تعامل المؤسسة الملكية مع الشأن الوطني؛

- تسيير البلاد يقتضي من الحكومة المقبلة أن تستجيب لتطلعات المغاربة. هذه التطلعات لا يمكن الاستجابة لها عن طريق اعتماد منطق الغنيمة الانتخابية والترضيات الحزبية والقبلية والعائلية. إذ يفترض احترام إرادة الناخبين؛

- المؤسسة الملكية في حاجة إلى حكومة قوية ومنسجمة، لترفع من إيقاع بناء البلاد. هذا الأخير، لا يمكن بتاتاً الاعتماد فيه سوى على كفاءات مغربية قادرة على تحمل المسؤولية بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛

- تقديم ملك البلاد ضمانات للشعب المغربي، أنه سيعمل شخصيا على تكوين حكومة قوية وأنه لن يتسامح مع أي كان من أحل تحقيق هذا الهدف؛

- كذب كل الشائعات التي راجت مؤخرا حول فشل بنكيران في تشكيل الحكومة، وما يمكن أن يترتب عنه من تداعيات.

للأسف، أن الحلقة الأضعف في بناء مغرب ديمقراطي، كانت ولا تزال هي الأحزاب السياسية. إذ أن هذه الأخيرة، لم تفهم أو بالأحرى، لا تريد أن تفهم أن واجبها يقتضي منها العمل لمصلحة الوطن وليس لمصالح ضيقة قبلية وعائلية وحزبية.

ختاما، المؤسسة الملكية أبانت أكثر من مرة أنها تريد أن تسير بالبلاد نحو ديمقراطية أوسع في أفق ملكية برلمانية. لكن، اليوم، الكرة في ملعب الأحزاب السياسية، إذ يجب عليها الخروج من قوقعتها وحسابتها الضيقة وذلك عن طريق تجويد ديمقراطيتها الداخلية وتشبيب أجهزتها التقريرية ووضعها لمصلحة الوطن قبل المصلحة الحزبية، العائلية أو القبلية.