الخميس 25 إبريل 2024
في الصميم

عودة إلى سمعة شهادة الباكالوريا المغربية

عودة إلى سمعة شهادة الباكالوريا المغربية عبد الرحيم أريري
كلما تم الإعلان عن نتائج الباكالوريا بالمغرب إلا وتوقظ الأسئلة المزعجة في ذهني: كيف نفسر الانتقاد القاسي للمنظومة التعليمية ببلادنا من طرف كل المسؤولين والمهتمين من جهة، في حين أن تلاميذتنا الناجحين يقبلون بيسر كل عام في الكليات والمدارس العليا والمعاهد الأجنبية من جهة ثانية؟
فإذا كانت المنظومة التعليمية بالمغرب بهذا السوء والتردي: لماذا تقبل الكليات والمعاهد الغربية تلاميذتنا القادمين من المدرسة المغربية؟ بل لماذا تحتضن أفواجا كبيرة منهم ولا تكتفي بانتقاء بضع عشرات؟
فحسب آخر إحصاء فرنسي للسنة الماضية، بلغ عدد التلاميذ المغاربة الذين يتابعون تكوينهم بالكليات والمدارس والمعاهد العليا الفرنسية حوالي 50 ألف طالب مغربي قادم من المدرسة المغربية، مما يجعلهم ثاني جنسية بالوسط الجامعي الفرنسي بعد "الشينوا" وهذا منحى يسير في تصاعد لصالح الطلبة المغاربة.
طبعا لم أستحضر التلاميذ المغاربة الحاصلين على الباكلوريا الذين قصدوا كندا أو سويسرا أو روسيا أو إسبانيا أوالسينغال أوبلجيكا وغيرها لمتابعة الدراسة الجامعية هناك لكوني أفتقد لمعطيات رقمية موثوقة بهذه البلدان. وبالتالي إذا أدمجنا المعطى الإحصائي لانتشار طلبتنا في كل تلك الدول سنصل لرقم صادم. من هنا التساؤل:
إذا كانت المدرسة المغربية بمثل هذا السوء الذي توصف به من طرفنا جميعا، فكيف نفسر ولوج تلاميذتنا لكبريات الكليات والمعاهد الأجنبية؟ ولماذا يتفوقون في الاختبارات عن استحقاق؟ هل مسؤولو المعاهد والمدارس والكليات الأجنبية بلداء إلى هذا الحد لكي يقبلوا بالمخاطرة بمستوى وبسمعة مؤسساتهم في سبيل قبول تلاميذ مغاربة حصلوا على الباك بجدارة بمدرسة مغربية وبفضل تأطير جيد لأساتذة مغاربة وفي أسر مغربية تعيش في مجتمع مغربي؟
ويزداد السؤال حدة إذا علمنا أن معظم الكليات والمعاهد الفرنسية التي تم فيها قبول التلاميذ المغاربة (الباشولييه)، هي مؤسسات تعليمية تابعة للدولة الفرنسية وليست تابعة للقطاع الخاص، حتى ينتصب أحد ما ليقول بأن الآباء "صيفطوا" أبنائهم للدراسة بالخارج بمعاهد "ديال لفلوس" (اللهم ما يخص بعض مصاريف التسجيل العادية والزهيدة بمدارس وكليات الحكومة الفرنسية).
لا ينبغي أن يفهم من كلامي هذا أني " أمسح السما بليغا" ، أو يفهم منه أني راضي كلية على واقع المدرسة المغربية، أو بكوني لا أتفاعل مع الانتقادات الموجهة لقطاع التعليم بالمغرب، أو أعاكس كل تقويم لسياسة عمومية في هذا القطاع، بل القصد هو محاولة التمييز بين النقد المبني على أسس موضوعية وذاك الذي يدخل في باب "جلد الذات" الذي يتعرض له 350 ألف رجل تعليم ببلادنا كل يوم.
فشخصيا طرحت السؤال على ثلاثة وزراء سابقين تولوا حقيبة التعليم بالمغرب (منهم واحد مازال يشتغل في حقل البحث والدراسات) ولم أحصل على جواب، لسبب بسيط يتمثل في أنهم لم يسبق لهم أن انتبهوا للظاهرة لمعرفة أسبابها. وطرحت السؤال على اثنين من الباحثين في علم الاجتماع ممن يشهد لهما بالكفاءة في الوسط العلمي، واعتذرا عن المجازفة بجواب سطحي بحجة أنهما لم يسبق لهما أن اشتغلا على هذا الموضوع للوقوف على تفسير عقلاني لهذه الظاهرة.
وها أنذا أرمي الكرة في ملعب 53 مؤسسة جامعية ببلادنا ليتطوع أحد ما من الأساتذة (لدينا حوالي12 ألف أستاذ جامعي) لتكوين فريق علمي متعدد التخصصات يساعدنا على تفكيك هذه الظاهرة وتنويرنا، حتى إذا انتقدنا المنظومة التعليمية ننتقدها عن معرفة وعلم. إذ يستحيل أن ترسل المدرسة المغربية آلاف السفراء بالكليات والمعاهد الأجنبية عبر مختلف دول العالم إن لم تكن هذه "المدرسة واقفة على شي بركة ديال الصح"! فالمسألة لاتهم الاعتزاز بمجهود رجال التعليم فقط بل أيضا الحرص على ضمان التوهج الدائم لشهادة الباكالوريا المغربية، لتبقى لهذه "الشهادة" تلك السمعة التي تفتح باب المجد التعليمي العالي لكل أبناء المغرب.