السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد المرابط: قيمة رسالة الزفزافي الأب في التوافق مع الدولة!

محمد المرابط: قيمة رسالة الزفزافي الأب في التوافق مع الدولة! محمد المرابط

لم أشأ في مقالي السابق، حول جدلية التقدير الأمني والسياسي في حراك الريف، أن أنساق مع أقواس الاستدراكات على رسالة اعزي أحمد الزفزافي، حتى لا يؤثر ذلك على قوة دلالة الرسالة، اللهم ما كان من عتب حول جعل رئيس الحكومة السابق في مقام الختم للشق العربي من رسالته، والحال أن الحس السياسي لا يقر بمثل هذه الهدية المجانية للأستاذ بنكيران. فيكفي أن مأزق الحراك يكمن في جانب منه، في خدمة معادلته، للحساب السياسي لحزب العدالة والتنمية، ويكفي خطأ الزيارة غير المدروسة لعزي أحمد صحبة المحامي زيان لبيت بنكيران، لذلك لم يكن من اللائق أن تولد صحوته وبوعي منه، من عتبة معجم زعيم الإخوان. فالفعل السياسي في البلاد له رمزياته، وينبغي تمثلها. كما تضمن هذا المقال، نصحا من خلال التنبيه لأصل التخوين كما ابتدعه ناصر في الحراك، حتى يمسك الزفزافي الأب العصا من الوسط، في شكواه من آفة التخوين.

وقبل الاسترسال في بسط ما بقي من استدراكات، أسجل أنها تخص اعزي أحمد من باب الحرص عليه والرهان على مزيد حكمته مستقبلا. أما رسالته فتنطوي على قيمة مفصلية في ملف الحراك، على الجهات الرسمية التعاطي معها بكل ما يلزم من جدية، فأعمال العقلاء تنزه عن العبث. وسنقيس على ضوء التفاعل معها، جدية المفهوم الجديد للسلطة والحكامة الأمنية، ومن ثم مدى قدرة مرجعية إمارة المؤمنين على الحفاظ على أصالة ميراث النبوة في الرحمة والعفو، أم أنها فقدت المبنى والمعنى بفعل الانقلاب الوهابي/الإخواني عليها؟ ونحن في انتظارنا نسعى -وسنظل نسعى- لكي تنتصر في النهاية القيم الجامعة للأمة في البلاد.

- الاستدراك الأول سيكون على ما جاء في رسالته بالعربية وهو يخاطب الحكومة بأغلبيتها، بـ "أنهم هم الانفصاليون حقا"، لظلمها الريف بتهمة الانفصال، وأضاف: "ولأستدل ولأحجج  ولأبرهن على قول أنكم أنتم الانفصاليون، فحتى المعلمة الوحيدة التي توجد هنا في هذه المدينة التي تربطنا بتاريخ محمد الخامس هدمتموها. مسجد محمد الخامس المعلمة التي تعتبر من المآثر التاريخية في هذه المدينة أقدمتهم على هدمه، لماذا ؟هناك علامة استفهام كبيرة جدا، أو علامات استفهام".

هو يحيل هنا على المسجد الذي عطل فيه ناصر صلاة الجمعة. ولمن لا يعرف المنطقة فكلامه يوحي بأنه تم إعدام المسجد بالمرة. ومع الأسف يروج هنا لانطباعات سيارة مر عليها العام، وبدون أدنى مسؤولية، والحال أن المسجد المذكور كان مبرمجا من قبل لإعادة بنائه، ولا علاقة لهدمه بنازلة ناصر. والإيحاء بمثل هذا الربط غير سليم، بل يشكك في سلامة منطق اعزي أحمد. فرغبته في إضفاء المناقب على ناصر، وهو فاعل سياسي، جعله يفقد العدالة في القول، ناسيا التوجيه الرباني: "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى". المسجد في إعادة بنائه سيحتفظ بنفس الاسم، وكانت هناك مفاوضات عسيرة لسكان الحي مع جهة الاختصاص لتوسعة المسالك المؤدية إليه، ولو على حساب مساحته. بل أنا أطالب بأن تخضع واجهة "ديور" محمد الخامس المجاورة للمسجد ومن بينها منزل الزفزافي، لنفس جمالية المسجد. وبهذا سيكون مسجد محمد الخامس بإعادة بنائه مهيكلا لما حوله. وهذا من وظيفة المشاريع التنموية في محيطها،حتى من المدخل الديني.

وهكذا يظهر أن حجة الزفزافي على انفصال الحكومة مرجوحة انطلاقا من وقوفه على محطة هدم المسجد، في حين أن تبعية التقدير السياسي العمياء للتقدير الأمني، تمثل الانفصال عن الاختيار الديموقراطي للبلاد. لأن  التقدير الأمني ككاشفات أضواء، ينبغي أن يكون في خدمة التقدير السياسي للمراجع المؤسساتية. خطأ الحكومة كان في تعميم تهمة الانفصال، أما شبهته فكانت واردة في الرصد والتحليل.

- الاستدراك الثاني، سيكون على ما جاء في رسالته بالريفية وهو يذكر الجمهوريين بسلوكهم غير اللائق تجاهه وعائلته، في حين أن ابنه ناصر في المحكمة، والقاضي يذكر أسماءهم، تعامل بأسلوب مغاير: "لا أحد منهم تنكر له، لا أحد منهم تكلم فيه بسوء(..) هذه لمن يقال لها شهادة الزعماء، لمن يقال لها شهادة الأبطال الشجعان الأشاوس النشامى، هو."، أي شهادة ناصر، تمثل شهادة الزعماء.

هكذا نرى أن اعزي أحمد منشغل بتكريس الزعامة لولده، وهو يعيد كتابة سيرته، والحال أن ولده في محاضر التحقيق قد اتهمهم بالانفصال، ولم يسلم من ذلك حتى الأستاذ جلول، لكنه في جلسة المتابعة نفى ذلك، ثم بعد ذلك هرب إلى الأمام بالقول بعدم وجود أي حكم قضائي يثبت هذه التهمة في حقهم. وهروب الزفزافي إلى الأمام، لتهربه من تحمل مسؤولية التعامل معهم، جعل القضاء لما أثيرت مسالة عدالة الشهود، يتحجج بعدم وجود تجريح قضائي في ذلك. فكانت هذه بتلك.

ما لم يدركه الزفزافي أن مغازلته للجمهوريين، كان رهانا فاشلا، وهم يقطعون به شوطا في الحراك، لتجاوزه بعد ذلك، وقد حصل. الوقت الآن ليس وقت كتابة سيرة منقبية لناصر. الوقت الآن هو للعمل من أجل أنجع السبل لاختصار معاناة المعتقلين وبالتوافق -في السلطة- مع الدولة لا غير. فمنطق التعاقدات أبلغ في التمكين في الأرض من نزوع الصفقات. وعلى ناصر أولا أن يزكي رسالة والده. وعلى الله قصد السبيل!