الخميس 9 مايو 2024
كتاب الرأي

حيمري البشير: ويبقى التواصل رغم بعد المسافة التي تفصل بيننا

حيمري البشير: ويبقى التواصل رغم بعد المسافة التي تفصل بيننا

في وقت مبكّر  عند الفجر يرن الهاتف ليحمل لي صوت غير غريب علي ،صوت مناضل شرس مثقف كبير ،جلس يستعد لتناول وجبة العشاء ،السابعة مساءا عندهم والخامسة فجرا عندنا ،المسافة حوالي خمسة وعشرون ألف كلم ،والرحلة تستغرق أربعة وعشرون ساعة ،ومع ذلك يتشبث بعرى الصداقة التي جمعتنا والنقاشات السياسية التي كنّا أحد أعمدتها وحلقاتها في المغرب وخارج المغرب ،في مصر شخصية إسمها زغلول له تاريخ وفي المغرب كذلك مناضل  اعتقدت في بادئ الأمر أنه لقب بنفس الإسم تيمنا بتاريخ سعد زغلول المصري ،لكنه كان حقيقة.

سعيد زغلول المغربي منذ عرفته كان مناضلا مثقفا شرسا ،ينطق بالحكمة ،يستمع لمحاوره في النقاش ،كان محبا للنكتة وللقصص الطريفة ،حافظا للتاريخ الذي يفتخر به الشرفاء والغير المدون ،يختلف عن التاريخ الرسمي ،ذاكرة لأحداث تحتاج للتدوين حتى تعرف الأجيال القادمة حقيقة النضال الذي قاده العديد من الشرفاء ،منهم من قضى نحبه وغادر الدنيا في صمت ،وبقيت قضية الديمقراطية والوطن الحر غصة في حلقه  لأنه لم يستطع تحقيق الحلم الذي كان يراوده  ويناضل من أجله سعيد وأنا وذاك  الذي يحمل هم المستضعفين في كل مكان من أبناء الشعب المغربي في أعالي جبال الأطلس وفي دروب مدينة الدارالبيضاء ،والذين يحملون ذكريات عن فترات الإعتقال و السجون ،وطرق التعذيب الرهيبة ،وصيحات الشهداء الذين ذهبوا ضحايا من أجل أن تكون لي ولَك ولكل مغربي الحق في التعبير الحر عن مواقفه.

مكالمة سعيد زغلول المغربي جعلتني أسترجع ذكريات وحلقات النضال المشترك التي جمعتنا لسنوات في زمن  غير بعيد من سنوات الرصاص ،التي شملت العديد منا ،كان حديث صديقي مطول ،تناولنا فيه مقتل محسن فكري واستمرار المخزن في إخفاء الحقيقة والتستر  لإخفاء الجريمة التي حضرها شهود كثر ،المخزن الذي خرج ببيان ينفي التهمة الموجهة إليه ويكذب كل من حضر الجريمة وصور المشهد وشاهده الملايين من أبناء المغرب والعالم ،الذين أبعدوا التهمة ،أشعلوا نار الفتنة وصبوا الزيت فيها أججوها عِوَض أن يتحملوا مسؤوليتهم ويحاسبوا  كل من تسبب في إزهاق روح بشرية كانت تكسب قوت يومها بكرامة وعزة نفس وليس حاملة لسيوف تقطع  بها الطريق وتسلب الناس أرزاقهم ،صديقي سعيد آلمه الحدث واستمرار المخزن في إخفاء الحقيقة

حدثني وبمرارة عن قصة مطالبة أبنائه من أم أجنبية بجواز سفر مغربي وهما المزدادين في فرنسا  ،وسلسلة الإجراءات التي طالبوه بها موظفو إحدى القنصليات في شمال فرنسا ،عندما أراد إنجاز دفتر الحالة المدنية لتسجيل ولداه الراشدين من أجل الحصول على الجواز المغربي الذي أسرا عليه حتى يحسان  بالهوية المغربية

طالباه بالذهاب إلى مسقط رأسه وإنجاز الحالة المدنية هناك ،ضاربين عبر الحائط مبدأ تقريب الإدارة من المواطن وتبسيط المساطر الإدارية وخدمة مغاربة العالم من أجل الحفاظ على الهوية المغربية ،قلت له بمرارة ،أبنائي بعد مدة اقتنعوا بأن لاشيئ تغير في المغرب وأن البيروقراطية ضاربة أطنابها في الإدارة المغربية بالداخل والخارج  وأنك لا تستطيع إنجاز أبسط الوثائق دون رشوة ،وأن غالبية الجيل المزداد في أروبا فقد هويته المغربية وبعد سنوات قليلة سيخسر المغرب ثروة لا تعوض ،

قلت له هم على حق لأن الحكومات المتعاقبة ضحكت على مغاربة العالم ولم تحقق انتظاراتهم وتطلعاتهم في المشاركة السياسية لتدبير مشاكل الهجرة ،توقف حديثي معه لأن مائدة طعام العشاء عنده على بعد خمسة وعشرين ألف كلم مني  كانت جاهزة فودعته مع أمل التواصل معه كلما تتاح الفرصة لذلك.