تم كثير من التركيز على فدرالية اليسار، خصوصا بعد أن تقدمت بمشروع ثالث، هذا المشروع الذي وجد صدى لدى فئات عريضة من الشعب، ووجد قبولا لدى نخب مغربية.. وكان هناك اعتقاد بأن يكون لهذا المشروع تواجد قوي داخل الساحة السياسية، إلا أن النتائج لم تعكس ذلك الطموح فكانت متواضعة مما يدفع إلى التساؤل، وفي نفس الوقت استعراض مجموعة من العوائق موضوعية وذاتية التي تكون لعبت دورا في تعطيل عجلة اليسار.
لا يزال النظام المغربي غير مستعد للقبول بالملكية البرلمانية، ففدرالية اليسار ترى الحاجة إلى إصلاح دستوري عميق يرفع من منسوب الديمقراطية، وتعتبر هذه من النقط المكلفة لليسار، كما ترى فدرالية اليسار أن الأحزاب تخلت عن الإصلاحات الدستورية التي جاء بها دستور 2011 بالأحرى طرح إصلاح دستوري. وبالتالي لا يمكن لهكذا خطاب أن يصل إلى المؤسسات التشريعية، وهو ما يمكن أن يطرح مشكلة بالنسب للنظام المغربي...
هناك تحالف طبقي سائد في المغرب لن يقبل بوجود فدرالية اليسار لأنه يعتبر الأطروحات التي يأتي بها اليسار على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي تمثل تهديدا لمصالحه... وبالتالي قد تربك البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب، إن رسالة عفا الله عما سلف كانت مهادنة وتطبيع... وهو ما يؤسس لمشروعية الاستمرار في السلطة...
دور الإدارة الترابية في التحكم في العملية الانتخابية ورسم الخرائط وقد أبانت تجربة 7 أكتوبر على الثنائية القطبية التي أريد لها أن تكون، حيث لاحظ المتتبعون قضم مقاعد من أحزب الحركة الوطنية (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي) لصالح تضخيم هذه الثنائية، والدليل كيف تم توظيف المسيرة الاحتجاجية المجهولة لصالح التأكيد على هذه الثنائية... وقد انتبه الاتحاد الاشتراكي إلى أن هناك شيئا ما يتم رسمه في الخفاء...
حاجة النظام المغربي إلى الحفاظ على الوضع الحالي يقوده الحزب الأغلبي بالشكل الذي ظل يتحدث عن الاصلاح في ظل الاستقرار، علما أن اليسار كان فاعلا قويا داخل حركة 20 فبراير التي قدمت رسالة نحو تغيير جوهري... وبالتالي هناك من يسوق نفسه على أنه ضمانة للاستقرار من خلال التركيز على مقولة "الإصلاح في ظل الاستقرار" في مقابل اطراف أخرى توضع خارج هذا السياق.
أن يكون اليسار قوة كبيرة داخل البرلمان أمر غير مرحب به خوفا من تتحول القبة إلى منبر للصراع كما كان الحال في فترة من تاريخ المغرب، وما يمكن أن يكون له من تأثير شعبي وعلى باقي المكونات السياسية نظرا لطبيعة المعارضة التي مارسها اليسار من خلال تجربة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي مثل الإحراج الذي مارسه اليسار على النظام المغربي، وتظل قضية تزمامارت التي طرحها بنسعيد أيت يدر في هذه القبة وما شكلته من إحراج للنظام المغربي رغم كل المفاوضات التي أجراها النظام خلال تلك الفترة للتخلي عن هذا الملف... وسبق لنبيلة منيب أن صرحت بقولها "إن معارضتنا لن تكون مثل المعارضة الحالية"، وهو الأمر الذي جعل النظام المغربي يتخوف من اليسار، علما أن الأصالة والمعاصرة كحزب للأعيان غير قادر ولا تتوفر له مقومات المعارضة سواء السياسية أو الامتداد الشعبي على القيام بمعارضة قوية وبناءة ... وما تجربة حكومة ما بعد2011 إلا أحسن مثال . وبالتالي تموقع الأصالة والمعاصرة في المعارضة ما هو إلا ضوء أخضر للحكومة لفعل ما تريد، أضف إلى ذلك أن العرض الذي طـُرح على اليسار لقيادة الأصالة والمعاصرة في بداية التشكل كمشروع سياسي والذي تم رفضه من طرف مناضلي اليسار الاشتراكي الموحد يعتبر احد النقط للانتقام من اليسار الذي فضل أن يشتغل بمشروعه الخاص، والجميع يعرف من هو الشخص الذي قام بهذه المفاوضات وموقعه داخل الدولة، وقد أكدت فدرالية اليسار على مشروع ثالث متحرر عن المشروعين القائمين من داخل القطبية المفروضة.
الإسلاموية الإخوانية التي وضفت لمحاصرة المد اليساري في فترة من تاريخ المغرب ولا تزال تشتغل على هذه المهمة، والدليل محاولات الإصلاح التي فتحت في عهد حكومة التناوب ووجهت بمقاومة وبالاحتجاج تحت ذرائع شتى وبتنسيق مع المخزن... وتستفيد هذه الحركات الإسلاموية من ادعائها التماهي مع إمارة المؤمنين والدفاع عن الإسلام فيما تقدم صور مغالطة عن اليسار تتمثل في (الإلحاد والدفاع عن المثلية وعدم احترام الشعائر الإسلامية...) وهي أمور لها تأثير عميق في مجتمع محافظ...
إفشال الدينامية النضالية التي كان اليسار يلعب فيها دورا محورا من خلال محاصرة جميع الامتدادات داخل المجتمع المدني المطالبة بالتشغيل أو الحقوق أو العدالة الاجتماعية، وقمع بعنف الحركات الاحتجاجية الاجتماعية وإفراغ وقتل الحوار الاجتماعي إضافة إلى الاقتطاعات الترهيبية من أجور المحتجين... كل هذا من اجل عزل اليسار عن كل الامتدادات الجماهيرية.
منظومة اليسار نفسها مفككة إلى ثلاثة أقطاب رئيسية يسار يعتبر "متمخزنا" ( الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية) وهناك يسار راديكالي مقاطع (النهج الديمقراطي) وفيدرالية اليسار التي تتموقع بين هذين القطبين، وبالتالي حتى من داخل اليسار كل طرف ينتقد الطرف الآخر ولا أحد من هذه اليسارات المتناطحة يقبل بالآخر، ويعتبر أنه هو من يمثل اليسار الحقيقي... هذه التفاوتات والاختلافات تصعب على اليسار الذهاب بعيدا، سيما وأنه على مستوى الطبقات الشعبية لا يمكنها التمييز بين كل هذه الاختلافات داخل اليسار... وكثيرا ما يحاكم يساريون بتجربة الاتحاد الاشتراكي.
بروز تجاوب مع خطاب اليسار، خصوصا بعد أن عبرت نخب مغربية تقبلها لهذا المشروع والتعبير عن دعمه، ويعرف النظام حجم التأثير الثقافي الذي يمكن أن تمارسه داخل المجتمع وعلى الأخص الفئات الشابة والمثقفة. هذا الالتفاف الذي وقع حول شخصية نبيلة منيب كانت له رجة، وربما يعتقد الكثير من الملاحظين والمحللين أنه وقع تحييدا مقصودا لنبيلة منيب ومن داخل فدرالية اليسار هناك شعور بأن الوقائع تؤكد أن شيئا ما حيك ضد الفدرالية...
رغم أن الخطاب الأخير لفدرالية اليسار أصبح ينفذ إلى الطبقات الشعبية التي تصوت من خلال حملة انتخابية ناجحة أكدتها النتائج التي حصلت عليها فدرالية اليسار مقارنة بباقي الفاعلين اليساريين ، إلا أن جزءا من هذا الخطاب يظل معزولا، هذا إذا أضفنا إليه الحصار الإعلامي الذي لا يسمح بالتواصل مع عموم الشعب، فيما الخطاب الشعبوي الذي تمارسه أحزاب أخرى يجد له رواجا داخل تلك الطبقات الشعبية.
الطبقات المتماهية والمتعاطفة مع اليسار أو النخب الثقافية والفنية إما مقاطعة أو معزولة...
على المستوى الدولي الخارجي إشارات من دول للدفع في اتجاه إنجاح ما يسمى ب "الإسلام المعتدل" وما القبول بالسلفية التي كانت مضطهدة إلا جزء من التكتيك لدمجها داخل الفعل السياسي والمؤسساتي...
القبول بأحزاب لا تملك سياسة وطنية اقتصادية تحررية بقدر الارتهان إلى الاقتراض وخدمة المؤسسات المالية الدولية، وما تصريح بنكيران خلال الحملة الانتخابية بالتخلي عن الدعم -البوطا والسكر- إلا رسالة موجهة إلى جهة معلومة... والتي سبق وأن قدمت له استحسانا...
هناك عوامل أخرى ترتبط بالمنظومة الانتخابية التي وضعت منذ زمان وضآلة الدعم الذي تقدمه الدولة لأحزاب، وهو دعم غير منصف يتغيا فرض واقع.. ولقد شاهدنا كيف كان يوفر اللوجستيك لبعض الأحزاب ووسائل النقل والدعاية...