بعد كل استحقاق انتخابي خلال هذا العقد الأخير من الألفية الثالثة بدأت الأحزاب التقليدية المعروفة ماضيا بتواجدها القوي في الساحة والخريطة السياسيتين بالمغرب، والتي كانت لها كتلة انتخابية كبيرة وقارة، وها هي اليوم تعيش خريفها السياسي بكل تقلباته، وخيباته...
فها هي اليوم قد فقدت قوتها ومكانتها الاعتبارية والرمزية كأحزاب وطنية لا تقهر، وذلك عبر أماكن كانت بالأمس القريب قلاعا محصنة وصلبة لمترشحيها في كل استحقاق يعرفه الوطن...
وبدأت حاليا، ولا مجال للشك، تعيش الاكتساح الحقيقي بكل أنواعه وأصنافه من طرف هذه الأحزاب الجديدة، والتي كانت بالأمس القريب نكرة داخل المجتمع المغربي، كما كانت تبحث لها عن قدم تواجد وسط الساحة السياسية المغربية، وكانت لا تزال جديدة النشأة والتواجد وليس لها تاريخا كبيرا كحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال مثلا.. فهذان الحزبان اللذان كانا في الماضي القريب، يعتبران دائما من الأحزاب القوية والمتواجدة بشكل فعلي في الساحة السياسية، ويحتلان الصفوف الأولى حتى وقت قريب، كما أن أطر هذين الحزبين كانت دائما تشكل العمود الفقري لأي حكومة وطنية منتظرة وخاصة في عهد الراحل الحسن الثاني حيث كان لحزب الاستقلال المكانة السياسية القوية في أي حكومة مرتقبة تم تشكيلها سوى كانت تكنوقراطية أو سياسية حتى أمست بعض الوجوه السياسية لحزب الاستقلال معروفة على الساحة السياسية المغربية بأسمائها، وبعدها سيلتحق به حزب الاتحاد الاشتراكي في حكومة التناوب خلال التسعينيات من القرن الماضي، وذلك مع الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي وبعدها سيبدأ العد العكسي لتقهقر حزب المهدي من الصفوف الأولى إلى مكانة لا تليق به كحزب وطني قوي له تاريخه الطويل والذهبي في الحياة السياسية المغربية، وذلك بعد استحقاقات 2002 وتشكيل حكومة تكنوقراطية برئاسة السيد عبد المجيد جطو ودخول الحزب في صراعات داخلية امتدت إلى كل أجهزته وهيئاته التنظيمية والتي لم يخرج منها سالما بعد ذلك، حيث كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير.. وتتوالى الرجات الداخلية ما بعد المؤتمر الوطني التاسع للحزب ببوزنيقة وتسلم إدريس لشكر الأمانة العامة للحزب، وخلق جبهة رافضة وتيار داخلي سرعان ما سيظهر للوجود، وينادي بإصلاح وتغيير أشياء كثيرة في الحزب على أكثر من صعيد...
كل هذه الصراعات الأفقية والعمودية حول البحث عن إثبات عناصر بعينها في مواقع القرار في هياكل الحزب التنظيمية، وإهمال أخرى كلها أدت إلى وجود خلافات حادة، بل ستساهم في انشقاقات مؤثرة كان لها وقعها على الحزب في كل الاستحقاقات القادمة فيما بعد، حيث بدأ يبتعد عن المنافسة، بل بدأ يفقد مكانته أمام أحزاب سياسية أخرى ليست لها من التاريخ والمكانة لما في جعبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كحزب الأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري.. والدليل الملموس أمامنا الآن هي النتائج الأخيرة لـ 07 أكتوبر، والتي أثبتت للكل بأن حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي خرجا من الساحة السياسية المغربية بخفي حنين وتركاها للأحزاب الجديدة التي أمست قوة سياسية ضاغطة لها وزنها وقوتها وكتلتها الانتخابية القارة داخل فئات عريضة من المجتمع المغربي.. فمجموع المقاعد التي حصل عليها الاتحاد الاشتراكي بما فيها اللائحة الوطنية هو: 20 مقعدا، أما حزب الاستقلال هو الآخر فلم يتعد 46 مقعدا، أما الاكتساح الكلي فكان لحزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة بـ 125 مقعدا و102 مقعدا لكل منهما.
فالمشاكل التنظيمية والداخلية للحزبين معا قد تتشابه في أكثر من محطة وأكثر من حدث مهم عاشاه حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حتى أمسى المواطن العادي يتنبأ بمكانتهما في الخريطة السياسية المغربية المقبلة قبل خروج النتائج، ورغم أننا قد نخالف المواطن الرأي حتى تظهر نتائج صناديق الاقتراع، لكنها تبقى تنبؤات لها ارتباط بواقع الحزبين معا وما يعيشانه من رجات داخلية وصراعات حول المناصب وتحمل المسؤولية والقيادة..
وكلها معطيات موضوعية جعلت من هذين الحزبين التقليديين في خبر كان، وإحياؤهما من جديد ورجوعهما إلى الساحة السياسة يتطلب منهما نقدا ذاتيا لكل قياديه التقليديين للخروج بخلاصات بناءة تعيد بناء ما تم هدمه وتدميره خلال عقد من الزمن، لكنه لن يكون نقدا بناء إلا بالاعتراف العلني بأن الأحزاب الوطنية التقليدية التي كان لها تواجدها ومكانتها السياسية ورمزيتها داخل المجتمع المغربي لم تبق كما كانت من قبل بل تمت معاقبتها بشكل من الأشكال... لأسباب تاريخية وموضوعية وكانت البداية بعد الربيع العربي، حيث كان للانتقام منها بحصول العدالة والتنمية على حصة الأسد من المقاعد بمجلس النواب خلال سنة 2012 وها هو نفس السيناريو يتكرر مرة ثانية خلال سنة 2016 نهار الجمعة 07 أكتوبر، حيث كانت النتائج صادمة ومقلقة للجميع وإشارة واضحة لكل من كان يمني النفس بأن هذان الحزبان سيلتحقان فعلا بالأحزاب العادية بالخريطة السياسية المغربية...
أما ما بعد الاستحقاقات ليوم الجمعة 07 أكتوبر وتزعم حزب العدالة والتنمية لنتائج الاقتراع، والحصول على ولاية ثانية في تاريخ الحكومات المغربية مع الدستور الجديد لـ 2011 والبحث عن تحالفات مريحة مع حلفاء قدماء أو جدد لحزب بنكيران، واحتمال دخول هذان الحزبان الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال للحكومة المقبلة، رغم الخرجات الإعلامية بعدم التحاق حزب بن بركة بالإسلاميين الجدد الذين أمسوا قوة سياسية ضاغطة وذات تواجد قوي في الساحة السياسية المغربية.. ففي السياسة كما قال عبد الرحيم منار السليمي ليست هناك خطوطا حمراء، فكل شيء وارد اليوم أو غدا، فبالأمس كان لحزب الاستقلال تواجده بالقرب من حزب العدالة والتنمية في الحكومة الأولى بالدستور للجديد2011 وبعد زلزال الربيع العربي، قبل أن تبدأ شطحات شباط مع بنكيران وشد الحبل هنا وهناك لكنها كانت فقاعات في الفضاء ولم تزد حزب العدالة والتنمية إلا تمكنا وتحكما وترسخا في المجتمع لأن القرارات التي تم اتخاذها أضرت بحزب علال الفاسي ولم تنفعه...
فهل سيقبل الحزبان معا بدخولهما الحكومة الاسلامية كأحزاب تقليدية أصبحت في خبر كان، للتغطية عن اخفاقاتهما المتكررة، ونتائجهما الكارثية في كل استحقاق، أمام قواعدهما الحزبية، وحتى لا يدخلان في مرحلة تساؤل واحراج هما في غنى عنها؟
أسئلة سياسية ستتم الإجابة عنها بعد تعيين الملك لرئيس الحكومة الجديدة لسنة 2016 وما ستظهره الأيام القادمة من مستجدات خلال المفاوضات مع أمناء الأحزاب السياسية لقبول أو رفض كذا تحالف مستقبلا.