الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المانوزي: في نقد فكر التواطؤ بين الشكل الحداثي والجوهر الاقطاعي

مصطفى المانوزي: في نقد فكر التواطؤ بين الشكل الحداثي والجوهر الاقطاعي

هل هي مصادفة أم صدفة، أن يفتتح نواب الأمة موسهم "الثقافي"، على وزن الأسبوع الثقافي، في نفس اليوم الذي يحتفل فيه الحقوقيون باليوم العالمي للاحتجاج؟ هل هو مكر التاريخ الذي يسترجع نفسه "التيوقراطي" في شكل مسخ ثقافي وبهتان سياسي، في ظل أجواء عاشوراء الحزن والعنف والدماء، المتعايشة في الذوات مع أفراح طفولية، مجسدة في اللعب وطقوس الحبور، وفق ما خططه الفاطميون للتطبيع مع عقدة كربلاء، كما ستطبع العلاقة، يوم الافتتاح البرلماني، بين الشكل الليبرالي والجوهر الاقطاعي، لباس تقليدي موحد وآيات بينات من الذكر الحكيم، وكلمة توجه الأمة، عبر ممثليها، بنفحة تجمع بين العزاء والثناء، وتوحي بأن العناية الإلهية والوصاية الأبوية أنقذت الوطن من فتنة محققة، وتبرر لقانون بقاء الحال على ما كان عليه.. وهلم جرا من عبارات بسط كل أوجه تعليل وفاة الانتقال الديموقراطي، في سياق الإعلان عن حداد عمومي  بمناسبة الإعدام الثاني لكل التعاقدات والتسويات والمكتسبات.

وفي باب الثناء سيتم شكر كل من تعامل بروح رياضية مع تمثل الديموقراطية المغربية، بسقف يختزلها في تعددية حزبية غير نوعية، وفي تنافس انتخابي بين كتلتين محافظتين، وفي ورقة طريق لا تؤمن بحرية المعتقد ومدنية الدولة.. وسيتم التلميح لعواقب الحرب الأهلية بين الأصوليات، هنا وهناك وهنالك، والتي تفاعل معها المثقفون بنداءات ترجح يسارا على شقيقه.. يسار نبيل على يسار "عميل"، وتميز بين مكونات حاملي رسالة التغيير، هو في عمقه تحريض على قتل الأب، دون عمق إبستيمولوجي..

والحال أنه كان حريا، ومن باب تفادي اعتماد ثقافة الجاهز أو إعدام ميت، التركيز على دعم كل مشاريع التحرر والحداثة السياسية ومقتضيات الأمن الانساني والعدالة بجميع توصيفاتها وحمولتها الديموقراطية .

فالثقافة رسالة نبيلة وبنية محورية كأساس ارتكازي في بناء الديموقراطية، والنداء لم يكن ثقافيا، بالمعنى الدلالي المنتج للتفكير الديموقراطي، والذي تفترض فيه المساهمة الواعية بأهمية مكافحة كل أشكال التسلط والتحكم المستندة على الهوية المغلقة والتعصب الفكري والتطرف الديني.

صحيح أن بعض النداءات حذرت من انحياز الدولة، ودعت إلى الاعتدال والتسامح، ولكن التاريخ سيشهد أن بعض مثقفي الأمة تواطؤوا مع بعض مهندسي الدولة من أجل اختزال الديمقراطية في حملة سجالية وصناديق زجاجية، كوسيلة تفرز غاية وحيدة هي تكريس التقليدانية وتأجيل اللحظة الديمقراطية، باستنبات قيمة التسامح كمرادف مسوغ  للإفلات من العقاب، تحفيزا لعقد زواج كاتوليكي بين توأمين للأصولية، يتنافسان حول من يوفر للزمن السياسي كل الشروط السوسيوثقافية لشرعنة استبداد الفساد ومعتقدات الاستحواذ.