الثلاثاء 23 إبريل 2024
فن وثقافة

الشاعر عبد الحق بن رحمون: المثقف اليساري صوت الأغلبية الصامتة عليه أن يتصالح مع ذاته

الشاعر عبد الحق بن رحمون: المثقف اليساري صوت الأغلبية الصامتة عليه أن يتصالح مع ذاته

نعلم أن المثقف الحقيقي المتطلع للتغيير والإصلاح والحداثة، هو الذي يقول (لا) بكل شجاعة ولا تغريه سلطة ولاجاه ولا مال، ولا كرسي مريح هزاز.. والمثقف ظل يمثل دائماً صوت الفرد بصيغة الجمع، أي صوت الأغلبية المقهورة، التي تعاني من الظلم، وتتطلع إلى الاستنجاد من الطغيان والاستبداد. وقد أثبتت التجارب الإنسانية أن ما راكمه جل المفكرين والأدباء من إنتاج معرفي وعلمي وفكري إنساني، كانوا جلهم ينتمون إلى النخبة المتنورة، وتحديداً أسرة اليسار، من خلال انفتاحهم على تجارب وتيارات يسارية عالمية مشهود لها بالتأسيس والريادة.. ولنا في المغرب خير مثال على اليسار المثقف المتفرد الذي من أمثاله طبيب الفكر العربي محمد عابد الجابري، وعبد الكبير الخطيبي وعبد الله العروي.

وعودة إلى السؤال واستحقاقات السابع من أكتوبر، والتي من أهم ما ميزها هو عودة صوت المثقف اليساري إلى الواجهة.. فعلا هذا جميل ويبشر باستيقاظ هذا المثقف الذي انزوى منذ سنوات في عزلته وبرجه العاجي، كما يقال عادة، لكن ما يعاب على عودته من خلال مساندته لفيدرالية اليسار الاشتراكي الموحد في الانتخابات.. للأسف هذه المساندة لم تتعدى الواقع الافتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ولا أظن أن هذا المثقف ذهب يوم الجمعة 7 أكتوبر ليصوت، لأن حزب المقاطعين يعطي فرصة لأحزاب تقليدية لتحتل مواقع مهمة في السلطة. ونتمنى أن تكون هذه المساندة الافتراضية عارضا ليست موضة للتبجح بالصور والبروفايلات بمواقع التواصل الاجتماعية عبر تطبيقات الانتماء الافتراضي.

ولي أمل في أن يعود اليسار إلى الواجهة للمشاركة في القضايا الكبرى ببلادنا، لأن اليسار هو منقذ البشرية من الظلم والقهر، والعبودية، على اعتبار أن المثقف اليساري المغربي، وفي مختلف دول العالم، مبادئه مشتركة في المواقف والتوجهات.. والمثقف اليساري هو أيضا من تنتظره الأغلبية الصامتة للدفاع عن قضاياها ليخرجها من عنق الزجاجة...

لقد كان المثقف اليساري ولا يزال مساندا ومناضلا للقضايا الكبرى التي تعنى بالحرية والنضال من أجل تحقيق مكاسب اجتماعية وحقوقية للطبقة المسحوقة، وليس من الضروري أن يخرج المثقف إلى الشارع لترديد الشعارات وحمل اللافتات، لكن على الأقل أن يظهر ويشارك في الصفوف الأمامية في المظاهرات التي تدعو إلى قيم نبيلة ولها أهداف.. فأغلب المثقفين المغاربة الذي تكبدوا المعاناة والمضايقات في حرية التعبير وخبروا المعتقلات السرية، يناضلون الآن من زوايا مختلفة سواء عبر الكتابة أو الإبداع أو تأسيس منظمات تدافع عن الحريات والمطالب الأساسية للفرد والمجتمع.. بدليل أن الصحافة الوطنية بالمغرب كان تأسيسها من خلال منصة نضالية قبل أن تتحول اليوم إلى مؤسسات ومقاولات إعلامية، وبالتالي فجمعيات المجتمع المدني التي أسسها مثقفون من أسرة اليسار منصتها وواجهتها دائما العمل التطوعي والنضالي.

ويمكن اعتبار يقظة اليسار المغربي في استحقاقات 7 أكتوبر أمرا متميزا، ويدعو إلى التفاؤل، لأن هذه إشارات قوية في أن هناك رغبة لتقوية كل تيارات اليسار وتوحيدها.. وهناك أيضا رغبة ملحة من طرف المثقف للانخراط من جديد في القضايا السياسية والحقوقية، بعد إحباط طال أمده بعد أن تفرخت أحزاب يمينية وصارت مجرد دكاكين انتخابية وصار زعماء مختصون في منح التزكيات للانتهازيين والسماسرة.

فعودة اليسار بشكل جديد وقوي وموحد، ستربح من خلاله بلاده التقدم إلى الأمام لمواصلة بناء المشروع الحداثي المجتمعي.. وهذا هو الحلم الذي انتظرنا.. وأظن أنه سيكون قريبا. ولا يتحقق ذلك إلا من خلال تذويب الجليد وعدم تضخيم الذات، وأن نتجرد من العدمية، والراديكالية، لأن العالم جميل وعلينا أن نتصالح مع واقعنا ومحيطنا من أجل التغيير والبناء.