السبت 23 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عبد العزيز بلحسن: ثورة الزنج، عتمات في تاريخنا العربي/ الإسلامي (2)

عبد العزيز بلحسن: ثورة الزنج، عتمات في تاريخنا العربي/ الإسلامي (2) عزيز بلحسن

أذا كانت ثورة القرامطة قد تشكلت من الفلاحين، فإن ثورة الزنج بدأتها فئة من العبيد الذين استقدمهم العرب من شرق أفريقيا (الحبشة - زنجبار...)، بعد ذلك انضم إليهم العبيد غير الزنوج والأحرار، وقد بدأ التمرد في سنة (255 هجرية/ 862 ميلادية)؛ من جنوب البصرة، وبالخصوص من الحقول والمزارع؛ بسبب ظروف عملهم القاسية. وقد تزعم هذه الحركة علي بن محمد، والذي تضاربت الروايات حول هويته.. لكن الأهم من ذلك هو معرفة هذه الحركة النوعية والفريدة في تاريخ الخلافة الاسلامية، والتي دامت 14 سنة أنهكت فيها الدولة العباسية؛ من خلال معارك طاحنة كانت تنتصر في جلها، خاصة معركة المراكب المشهورة في نهر دجلة .

اتخذت دولة الزنج "المختارة" جنوب البصرة عاصمة لها؛ لتبسط نفوذها في جنوب العراق ومنطقة الخليج حتى الأهواز جنوب غرب فارس .

- أسباب ظهور ثورة الزنج:

يرى رياض حسن ملحم أن من أهم عوامل هذه الثورة تتمثل في ظروف عمل العبيد في جنوب العراق؛ حيث كانوا يعملون تحت لهيب الشمس وضرب السياط، لإزالة الطبقة الملحية لتظهر من تحتها التربة الصالحة للزراعة، ثم ينقلونها إلى حيث تباع في المدن مقابل حفنات من الدقيق؛ فيما كان الأثرياء والمترفون ينعمون في الخيرات. أمام هذه الأوضاع السيئة التي يعيشها الزنوج اقتصاديا واجتماعيا، لم يكن لهم خيار سوى التمرد والثورة لرفع الظلم عنهم.

في كتاب د. فيصل السامر المعنون بـ "ثورة الزنج"، نجد أن ثورة الزنج جاءت بعد 1000 سنة عن ثورة العبيد في روما القديمة. كما أن طه حسين خصص فصلا في كتابه "ألوان"، قارن فيه بين ثورة العبد الأبيض سبارتاكوس ضد روما والعبد الأسود عبد الله بن علي بن محمد الذي قاد ثورة الزنج ضد العباسيين.

في مؤلف حسين مروة "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية"، أهمل الطابع العبودي لثورة الزنج ، مشيرا إلى أن الزنج عبيد مجلوبون من شرق أفريقيا للعمل في حقول ومزارع جنوب العراق .

ويرى عبد الله حنا أن ثورة الزنج أثر من تطور الإقطاع في جنوب العراق، ويتحفظ على تقدمية هذه الحركة التي شارك فيها العبيد والبدو والفلاحون، حيث تحول قادتها إلى إقطاعيين جدد.

ـ أوج دولة الزنج:

 بعد توطيد دعائم الدولة وبناء عاصمة المختارة المحصنة، انتشرت الحركة في بسط نفوذها إلى البصرة وواسط والقادسية، واتجهت شرقا حتى منطقة الأهواز وعمان والبحرين.  وقد امتاز الزنج بالقوة والبأس في الحروب. وكان زعيمهم قدوة لهم في الشجاعة والإخلاص والوفاء. وكان يتقدمهم في المعارك، وفي إحداها خاطب جنده: "أشرككم فيها بيدي وأخاطر معكم فيها بنفسي، وليحط بي جماعة منكم، فإن أحسوا مني غدرا فتكوا بي  .

ـ عوامل الانهيار:

على الرغم من أن ثورة الزنج قد انطلقت من واقع الظلم والاستغلال والاضطهاد الاقتصادي والاجتماعي؛ فيرى الكثير من المؤرخين أن حركة الزنج مارست على خصومها القتل والاغتصاب والسبي، مما سهل إلصاق نعوت بها كالفوضى والانتقام. وهذا ما سهل على الخليفة العباسي حشد الناس ضد ثوار الزنج، وبالتالي القضاء على دولتهم، بعد مقاومة قوية وحصار لعاصمتهم المختارة دام 3 سنوات.

ـ على سبيل الختم:

كان الهدف المعلن لصاحب الزنج ليس القضاء على العبودية وإقامة مجتمع حر، بل تحويل الرقيق إلى سادة وإعطائهم الحق في امتلاك الأراضي والضياع، والسماح لهم بجعل سادتهم بالأمس عبيدا لديهم، وهذا ما سهل انهيار تجربتهم في الحكم.