الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

الحبيب المالكي: الفهم الخاطئ للإسلام أبرز ما عصف بمجتمعاتنا نحو التطرف

الحبيب المالكي: الفهم الخاطئ للإسلام أبرز ما عصف بمجتمعاتنا نحو التطرف الحبيب المالكي

على هامش المؤتمر الثالث والعشرين للاتحاد البرلماني العربي، أجرى الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، لقاء صحفيا بالقاهرة مع قناة On Live Tv المصرية ضمن برنامج "نقطة تماس"، وهو برنامج حواري يتناول الشأن العربي والدولي والقضايا المرتبط بمصر، يشرف عليه ويعده الإعلامي يوسف الحسيني.

++ دعني أسألك، السيد الرئيس، أولا عن أهمية وجود مصر والمغرب جنبا إلى جنب في حالة لو صح التعبير أن نسميها قطبية في علاج مشاكل المنطقة أو في حل بعض الملفات الشائكة...؟

الحبيب المالكي: أولا لا بد من التذكير بالعمق التاريخي للعلاقات الثنائية بين المملكة المغربية وجمهورية مصر العربية، علاقات تمتد منذ مرحلة طويلة جدا وحاسمة في تاريخ المغرب بدءا بالكفاح من أجل الاستقلال، حيث كان عدد من القادة التاريخيين، قادة الحركة الوطنية المغربية، قد استوطنوا القاهرة وكانت هذه الأخيرة بمثابة منبر للدفاع عن قضية الشعب المغربي ومساندته في قضيته الوطنية من أجل الحصول على الاستقلال.

وأذكركم كذلك بأن التكوين الفني للمغاربة على مستوى الأغنية والسينما وكل ما له علاقة بالإنتاج الفني، دائما كان ينهل من المدرسة المصرية بجميع مكوناتها وأبعادها، لذلك ما نعيشه اليوم هو امتداد لما عشناه في العقود الأخيرة. هذا بالإضافة إلى كل الثوابت المشتركة على مستوى السياسة الخارجية للبلدين، كالدفاع عن أمن واستقرار ووحدة الشعوب العربية .

ما يميز مصر والمغرب وما يجمعهما أيضا هو انشغالهما بقضايا المنطقة العربية، خصوصا في ظل التوتر الذي يعرفه عدد من البلدان العربية المجاورة، والمغرب كما مصر كان دائما سباقا وحريصا على اعتماد سياسة التوازن حتى يساهم في إيجاد حلول عادلة ومنصفة لتوفير الحد الأدنى من الشروط، والحفاظ على وحدة كلمة الشعوب العربية ووحدة الصف العربي.

فالحوار بين البلدين مستمر، رغم تذبذب الأوضاع في المناطق المجاورة وتأثيرها المباشر وغير المباشر على استمرار وتطور هذا الحوار الذي يعتمد في أساسه على مثل هذه اللقاءات التي تشرفت بها بدءا بحفاوة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ثم رئيس مجلس الوزراء، ووزير الخارجية والوزير المكلف بالعلاقات في مجلس النواب. كل هذه الدعوات واللقاءات المصحوبة بمجموعة من النقاشات التي تصب في الصالح العام جعلتني أشعر - كما أشرت في البداية - أن حميمية العلاقات عميقة وثابتة، وأن هناك تطابقا في الرؤية والحلم بوحدة الصف العربي، والعمل من أجل نصرة القضية الفلسطينة، ومناهضة الإرهاب، ذلك الخطر اليومي الخارج عن المنطق والشرعية الدولية وتعاليم ديننا الحنيف.

++ سأستوقفك قليلا من أجل توضيح بعض الأمور وتحليلها، فأنا أتحدث الآن مع رئيس البرلمان المغربي، ولكن أيضا مع رجل سياسي قادم من عباءة اليسار والاشتراكية، ويعي جيدا كيفية التفكير التقدمي والبعد عن كل ما هو غير إنساني.

السيد الرئيس، ما الذي يدفع بالمنطقة نحو حافة التطرف والإرهاب في نظرك؟

الحبيب المالكي: قضية الإرهاب أصبحت ظاهرة "معولمة" مع الأسف الشديد، جذورها مرتبطة بأسباب مختلفة في نظري، داخلية وأخرى خارجية. ومن أسبابها الداخلية مثلا العجز عن فتح المجال لإدماج الشباب، وهناك سبب ثان يتجلى في الفهم الخاطئ للدين الإسلامي، دين الوسطية والاعتدال، ودين الانفتاح والتسامح والقبول بالآخر المختلف، هذا الفهم الخاطئ والتمرد ضد القيم الإنسانية، هو ما عصف بمجتمعاتنا ودفع بها نحو العنف والغلو والتطرف.

ومن ثم لا بد من إيجاد حلول جذرية. وأنا أعتقد أن من أهم الحلول وأولاها هو إشراك الشباب، وزرع الثقة لديه في المستقبل، وفي السياسات العمومية التي ينبغي أن تهدف إلى الحفاظ على كرامته وتوفير الشروط ليصبح فاعلا ومؤثرا في القرار، حتى يشعر ويطمئن إلى أن مستقبله ليس غيبيا أو خارجا عن منطق العقل. ينبغي على الشباب أن يؤمن بأن المستقبل يوجد على أرض وطنه، بين أهله، حتى يسهم في بناء وتشييد مجتمع الغد. إذا استطعنا أن نقوم بذلك كمسؤولين سياسيين على جميع المستويات، فأنا متأكد بأن الشباب عوض أن يكون مادة سهلة للتطرف سيصبح مادة قوية، متينة من أجل بناء المستقبل.

++ هل الحلول بهذا الشكل تصبح حلولا في الإطار السياسي والاقتصادي أو قد تسبقها الحلول الفكرية مثلا. أسألك الآن وأنا أستحضر أن المغرب هو الدولة العربية الوحيدة التي جمعت الشمال بالجنوب منذ دولة المرابطين في المغرب والأندلس، الدولة الوحيدة التي تطل على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي. فأنتم كمغاربة لكم خصوصية مختلفة عن كل الشعوب العربية، فالمغرب كما نعلم جميعا هو أرض الفلسفة والفنون، أرض البحر المتوسط، أوروبا وإفريقيا وفي مرحلة ما شكل من ذلك أو أجزاء من ذلك دولة واحدة. هل تعتقد بأن هناك حلا مغربيا لمسألة التطرف والإرهاب، حل فكري إن صح التعبير؟

الحبيب المالكي: لقد اخترنا، منذ البداية، ما يسمى بالتعددية السياسية، والتعددية الثقافية، وأفق التسامح والتساكن بين الديانات، كما المجتمع المصري تماما في تعدده وتسامحه، إذ تعيش المسيحية واليهودية والإسلام جنبا إلى جنب، بالإضافة إلى ممارسات دينية أخرى مرتبطة بقرون بعيدة جدا.

هذا الغنى في التنوع ينبغي التشبث به والحفاظ عليه والدفاع عنه بكل ما أوتينا من قوة ووعي وحرص.

التاريخ يعلمنا دائما أن الحفاظ على التعددية كان عنصرا مساعدا في الحفاظ على استمرارية المجتمعات والدول والمؤسسات، هذا ما ميز المغرب مع مد وجزر حسب تاريخه، منذ بداية الاستقلال، أي منذ سنة 1956، إلى يومنا هذا. وهذا ما يترجمه الآخرون بالاستثناء المغربي.

كما أن هناك معطى مؤسساتيا تاريخيا سياسيا دينيا هاما جدا وهو المؤسسة الملكية، باعتبارها عنصرا محوريا في الحفاظ على الاستقرار، واستمرارية الدولة، وعنصر رئيسي في كل ما له علاقة بالمراجعة والنقد والتجديد كذلك وتدبر الشأن الديني ووضع القواعد والخطوط الحمراء. والتشبث بالدين الإسلامي في عمقه الوسطي كدين وسطي متسامح ومنفتح على الآخر كيفما كان رأيه، وكيفما كانت ديانته، مما يجعل المغرب يتميز بخصوصيات متعددة، لكن لكل بلد ولكل مجتمع خصوصيته وعبقريته، كل الشعوب لها عبقرية معينة، وعبقرية الشعب المصري وتاريخ مصر هو جزء كبير من تاريخنا، كمغاربة عرب. إذا ضعفت مصر ضعف الوطن العربي، وإذا تقوت مصر، تقوى الوطن العربي.

++ هل تعتقد، السيد الرئيس، أن الشعوب العربية في علاقتها مع بعضها، هي على ما يرام، أم انه قد أصبحت هناك على مدار السنين شوائب بسبب السياسة أحيانا، وبسبب استقطابات فكرية أحايين أخرى، مما أدى إلى وجود هذه المشاهد المؤسفة والمحزنة في العراق واليمن وسوريا وليبيا..؟

الحبيب المالكي: أنا أعتقد بأن هناك تراجعا فكريا في مجالات مختلفة، حتى لقد بات بإمكاننا وصفه بالتصحر الفكري في المجال السياسي، وفي مجالات متعددة مرتبطة بأنظمتنا التربوية والتكوينية التي لم تعد لها القدرة على مواكبة كل تطورات العصر. دعني أقول لك بكل صراحة إن ممارسة السياسة بدون فكر تؤدي إلى الطريق المسدود، فالفكر اجتهاد وإنتاج وتجديد ومساءلة، وضده هو الدوغمائية والتطرف، والاعتقاد بامتلاك الحقيقة، إذ ليست هناك حقيقة مطلقة في عالمنا اليوم، كل شيء نسبي، والإيمان بالنسبية والعمل في ظلها يساعد على التعلم والإنصات ويربي فينا التواضع في السلوك وحسن التدبير. فما أحوجنا اليوم إلى فكر مجدد، ما أحوجنا إليه اليوم نحن العرب في كل المجالات.