الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

إدريس لكريني : اللوائح الوطنية للشباب والنساء وسؤال التمكين

إدريس لكريني : اللوائح الوطنية للشباب والنساء وسؤال التمكين

أمام تزايد المطالب التي قادتها العديد من الفعاليات الحقوقية وهيئات المجتمع المدني والحركات النسائية الداعية لتمكين النساء والشباب؛ بما يعزز حضورهما داخل المجتمع؛ انسجاما مع الإمكانيات والكفاءات التي عبرا عنها في مختلف المجالات والميادين العلمية والعملية؛ وتجاوز الضعف الذي ظل يميز تمثيليتهما داخل مؤسسة البرلمان.. تمّ اعتماد آلية اللوائح الوطنية الخاصة بالشباب والنساء في الانتخابات التشريعية المتعلقة بمجلس النواب؛ كسبيل لتمكين هذه الفئة الهامة داخل المجتمع من الوصول إلى مركز القرار والتأثير في السياسات العمومية والتشريعات القانونية..
إن ترسيخ المشاركة السياسية للشباب والنساء وتجاوز اقترانها بالتصويت إلى التأثير لا يعتبر منّا؛ بقدر ما تدعمه المقتضيات الدستورية التي تؤكد على الديمقراطية التشاركية والمناصفة. وتلعب الإجراءات التي تندرج ضمن آليات التمييز الإيجابي وما يتصل بها من "كوتا" أو "لوائح وطنية ومحلية" أهمية كبرى على هذا الطريق.
غير أن هذه التدابير تظل مرحلية ومؤقتة؛ ومشروطة بالسعي لتحقيق المهام التي أحدثت من أجلها؛ فهي بهذا الشكل تكليف أكثر منها تشريفا؛ وهو الأمر الذي يجعل فعاليتها مشروطة بالمواكبة والتقييم المستمرين؛ وإثراء اللوائح المتصلة بها بكفاءات تسمح بتحقيق أهدافها الاستراتيجية على وجه جيد..
تؤكّد المعطيات الإحصائية بصدد نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدها المغرب منذ الاستقلال؛ إلى صعوبة ولوج الشباب والنساء إلى هذه المؤسسة من خلال آلية الديمقراطية التمثيلية لاعتبارات اجتماعية متصلة بتمثلات المواطن التقليدية والنمطية المتوارثة عن المرأة والشباب.. وأخرى سياسية مرتبطة بأزمة تجدّد النخب التي ظلت تعيش على إيقاعها العديد من الأحزاب السياسية؛ وما يحيط بذلك من هيمنة الأعيان و"الزعامات التاريخية" على المشهد السياسي بشكل عام..
إن اعتماد الآليات المندرجة ضمن التمييز الإيجابي كسبيل لتمكين فئات مظلومة داخل المجتمع من الوصول إلى مراكز القرار؛ هو أسلوب اعتمدته الكثير من الدول؛ بما فيها المتقدّمة منها؛ لتجاوز الصعوبات الواقعية التي تكتنف المشاركة السياسية لهذه الفئات؛ والانتقال من مبدأ تكافؤ الفرص إلى تكافؤ النتائج..
يمكن القول إن ولوج الشباب كما النساء إلى مؤسسة البرلمان؛ لن يكون في صالح هذه الفئة فقط؛ بل إن هذه المؤسسة تظل بدورها بحاجة إلى الكفاءات والخبرات التي راكمتها هذه الفئة الفاعلة داخل المجتمع في مختلف الميادين؛ وهو ما سيدعم حتما تطوير الأداء وتعزيز الجودة..
لقد مكّن اعتماد هذه اللوائح من ولوج مجموعة من النخب الشبابية والنسائية إلى مجلس النواب؛ بما أسهم في خلق دينامية جديدة داخل هذه المؤسسة؛ وأتاح لهذه الفئة فرصة مهمة للتأثير في الواقع؛ عبر آلية التشريع ومخرجات السياسات العمومية..
ينطوي التمكين السياسي للشباب والنساء عبر ولوج مراكز القرار على أهمية كبرى، بالنظر إلى كونه يسمح بمواجهة المعيقات والإكراهات الحقيقية التي تواجه هذه الفئة في مختلف تجلياتها وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والقانونية..
على بعد عدة أيام من موعد انتخابات 7 أكتوبر؛ تجد مجمل الأحزاب السياسية نفسها أمام امتحان جديد لقياس مستوى "ديمقراطيتها" الداخلية؛ خصوصا وأن اللوائح التي رافقت الانتخابات السابقة لم تخل من مشاكل وانتقادات.. تركّزت حول السبل والآليات غير الديمقراطية المعتمدة أحيانا في انتقاء المعنيين بها؛ من حيث غياب الشفافية وعدم استحضار الكفاءة والاستحقاق، بل وصلت هذه الانتقادات إلى حدّ الإقرار بأن هذه الإمكانية الدّاعمة؛ تحوّلت بفعل هذه الاختلالات إلى مجرّد ريع سياسي.. ينبني على الولاءات الضيقة والقرابات؛ بما يفرغها من أية أهمية أو إضافة للمشهد السياسي.
لم يخل إعداد هذه اللوائح من إشكالات برزت داخل مختلف الأحزاب؛ بسبب الآليات والسبل التي يتم اعتمادها في هذا الخصوص؛ والتي غالبا ما تعمق الصراعات والتباعد بين قيادات بعض الأحزاب وشبيباتها.
لم يكن بإمكان الشباب والنساء التواجد بنفس النسب الموجودة حاليا داخل مجلس النواب؛ لولا هذه الإمكانية المرحلية، ومن تمّ فنظام اللائحة المعتمد يشكّل مكسبا مهما؛ ينبغي استثماره على وجه سليم؛ وذلك ببلورة أسلوب حزبي ديمقراطي ينبني على الكفاءة والاستحقاق في اختيار مكوناته؛ ذلك أن الرهان من ورائه ينبغي أن يتجاوز الجانب الكمي والعددي؛ إلى الفعالية والجودة في الأداء، بما يعزز من مشاركة الشباب في الحياة السياسية ويعطيها مدلولا أفضل..