Friday 16 May 2025
سياسة

بورتريه: بنكيران وعد المغاربة بالمستحيل وفشل في إنجاز الممكن..!!

بورتريه: بنكيران وعد المغاربة بالمستحيل وفشل في إنجاز الممكن..!!

أولا - الصمت بعدة لغات:

في المسافة بين صمت السياسة وسياسة الصمت، يقف عبد الإله بنكيران ليقول لنا: هنا حدودي لا أتجاوزها.

إنه لا يفتر عن الكلام. غير أنه يصمت بعدة لغات. وما بين كلام يوازي الصمت، وصمت يبلغ حد الجهارة، تصبح السياسة مفتاحا للمناورة، ويغدو المنصب غاية.

هنا تكمن محنة بنكيران: كيف يصمت في أوج كلامه؟ وكيف يتكلم في عز صمته؟

والحل دائما جاهز: أن يقول كل شيء ولا شيء في الوقت نفسه..!!

هذا الحل يقتضي مهارة خاصة في تبني خطاب شعبوي يشحن بطارية الآمال بهواء الكلمات. ورئيس الحكومة -ما شاء الله- ضليع في الاحتكام إلى هذه المهارة.

ثانيا - الإحباط ظل للسياسة:

بنكيران طراز وحده في السياسة. إنه يقود العمل الحكومي غير المتجانس بنفس الطريقة التي يقود بها حزبه العدالة والتنمية: أمل يسبقه إحباط، وإحباط يلحقه أمل.

في المحصلة: وحده الإحباط ظل للسياسة. وكل الوعود ممنوعة من الصرف. بيد أن رئيس الحكومة لا يزال مصرا على إقناع المغاربة بأنهم يعيشون زمن الأمل، وهو نفسه فقد هذا الأمل..!!

ما من غرابة، لأن الطبيعة الشخصية لبنكيران هي نفسها طبيعته السياسية. الفرق الدرجة لا في النوع.

إنه لا يمارس السياسة باعتباره رئيساً لحكومة المغاربة. بل يمارسها بحسبانه زعيما للعدالة والتنمية. لذلك الحكومة عنده هي الحزب. والحزب عنده هو الحكومة.

إنه يسير بسرعة كبيرة. لكن بواسطة الكلام لا الإنجاز. لذلك نلمس -ويلمس هو أيضا- أن أي خطوة يخطوها إلى الأمام تعقبها خطوتين إلى الوراء. بيد أن الكلام سائر لا يتوقف..!

ثالثا - الذاكرة في مواجهة النسيان:

يدرك بنكيران أن هامش التحرك أمامه واسعا. غير أنه يدمن الانتظار. ويعرف أن له اختصاصات دستورية. بيد أنه يفضل الركون إلى التعليمات.

هل لأنه يعلم أكثر من غيره أن رئيس الحكومة في المغرب هو مجرد "منفذ" للسياسات العمومية التي تصاغ داخل المؤسسة الملكية..!؟

أم لأنه مرت إلى حد يجعله يقنع بحمل عصا مايسترو الجوقة دون أن يحركها على إيقاع النغمات السياسية..؟!

في حالتيه معا: رئيس الحكومة يتقن الانحناء السياسي أمام عواصف المخزن. ويرغم ذاكرته على نسيان ما قاله للمغاربة إبان الحملة الانتخابية: "إذا أحسست  بأن أحدا ما يفرض علي ما لا أقبل، سأترك الجمل بما حمل...".

ما أصعب إشهار الذاكرة في مواجهة النسيان، حين يكون الثمن منصب رئاسة الحكومة..!!

رابعا - من المعارضة إلى الحكم:

مثل أي رئيس حكومة سابق، نجح بنكيران في التخفف من أعباء قناعاته، ليساير وضعا هو فيه مجبر على أن يكون خيطا في نسيج ما هو معمم وموروث.لذلك يردد رئيس الحكومة -في قرارة قلقه- كل صباح وهو ذاهب إلى مكتبه، المثل الشعبي: "للي ضربتو يديه ما يبكي".

ويردد كل مساء وهو يغادر مكتبه مثلا شعبيا مغايرا: "أح على غدا.. أما اليوم عدا".

ما بين 20 يوليوز 2008، تاريخ انتخابه أمينا عاما للعدالة والتنمية، و29 نونبر 2011، تاريخ تعيينه رئيساً للحكومة، تدرب بنكيران على المقارنة بين امتيازات زعيم المعارضة، ومزايا ماسترو العمل الحكومي.

وخلال المائة يوم فقط، أدرك كل مواطن "تفرج" على الخرجات الإعلامية لرئيس الحكومة، أن بنكيران وقع وثيقة الطلاق مع عارض يعارض معارضة، وارتبط أبديا بامتياز مع حكم يحكم حكومة..!!

فهل ستنطبق قولة عبد الله العروي حول عبد الرحمن اليوسفي على عبد الإله بنكيران: "ليس المهم كيف دخل إلى الحكومة. المهم كيف سيخرج من الحكومة"..؟؟!!

خامسا - غيوم اليأس في سماء الوطن:

يوم دخل إلى دار المخزن، قال بنكيران للمغاربة: "لكم الشكر لأنكم غرستمونا في قلوبكم بالمحبة وأخرجتمونا نخلة باسقة تسر الناظرين."

ويوم سيغادر مقر رئاسة الحكومة، سيقول بنكيران للمغاربة: "اغفروا لنا أيها المواطنون.. فنحن لم نكن في الحكم، بل كنا بالقرب منه فقط.."..!!

كان زعيم البيجيدي قويا حين وظف خطابه الشعبي ليزرع بذور الأمل في نفوس المغاربة. وها هو الآن يستعمل دهاءه السياسي ليخفي تبدد الشعور بالتغيير لدى الناس.

ومهما تساقطت أمطار التغييب السياسي، لن يتمكن بنكيران من إزالة غيوم اليأس المتراكمة في سماء البلاد وقلوب العباد..!!

سادسا - السياسة ورطة كبيرة:

وعد بنكيران المغاربة الذين أجلسوه على مقعد رئاسة الحكومة، بالمستحيل. لكنه لم ينجز لهم حتى الممكن. فأصبح الشعور بخيبة الأمل الآفة التي يقتسمها كل المغاربة منذ سنة 2011 ..!!

كان يظن أن رياح التغيير قد تهب وفق ما تشتهيه المرحلة العصيبة.. ثم جاءه اليقين من داخل مطبخ القرار السياسي. وأبى أن يصدق أن السياسة في المغرب غير مسموح لها أن تغادر الكلام إلى الفعل..!!

سابعا - لست وحدي مطيعا:

قال بنكيران عن نفسه في الماضي:لست وحدي اتحاديا.

ويقول عن نفسه في الحاضر:لست وحدي إخوانيا.

وسيقول عن نفسه في المستقبل:لست وحدي منفذا.

ثامنا - تدنيس طهارة الصمت:

في إحدى خرجاته الإعلامية، التي يكون فيها التنكيت حاضرا بقوة، وضع بنكيران كفه على فمه وقال: "راه وحد الكلمة خايبة في فمي خليوني ساكت..".

يبدو أن السي بنكيران لا يجد لحظة من زمن ضغوطات العمل، ليقرأ قولة صامويل بيكيت الرائعة: "لابد من تدنيس الصمت".