في إطار تتبع "أنفاس بريس" لآراء وقراءات فعاليات مختلفة للمشهد السياسي في المغرب في أفق الإنتخابات التشريعية المقبلة نعرض الورقة التالية لـ "سعيد زريوح" عضو الحزب الإشتراكي الموحد بسلا عنوانها: "اليسار الإسلامي أوفي التعسف على العقل" طرح فيها اجتهاد من يقول من اليسار أن معركة إسقاط " التحكم " هي رديف بناء ديموقراطية حقيقية في سياقنا المغربي وأنها أم المعارك وما دونها يجب أن يصبح في حكم المؤجل.
ولأن "الإسلاميين" هم من يرفعون راية هذه المعركة وهم من يمتلكون إمكانيات خوضها وهم من تبين ثباتهم على هذا النهج، فمن واجب الديمقراطيين أن يعلنوا اصطفافهم إلى جانبهم ويرافعون من أجل شراكة اسلامية يسارية!! و حول شرعية هذا الطرح يتساءل زريوح هل يقبل اليسار أن يتحالف مع حزب يقود حكومة تريد أن تذبح المرفق العام وتعتبر التعليم والصحة عبئا على الدولة؟ وهل أعلن اليسار ردته الطبقية؟ وتنصل عن مهمته الأولى في البحث الدائم عن فهم طبيعة البنى الاجتماعية المحلية قصد تغييرها وليس من أجل تغيير جوهر مشروعه العقلاني والتقدمي المناقض لكل ما هو رجعي وماضوي !؟هذا بعض ما ناقشه زريوح في ورقته التي نعرضها كالتالي:
"هل يجب على كل ديموقراطي- التزاما وممارسة- أن يدعم تجربة العدالة والتنمية؟ وهل هناك ما يستدعي تأجيل أي اختلاف مع هذا الحزب حتى إشعار آخر؟ أسئلة من هذا النوع وحتى إن كانت تبدو ساذجة فهي في نظرنا في غاية الأهمية اعتبارا لكون بعض محاولات الإجابة التي تروج في "سوق صناعة الرأي" تنطوي على انزلاقات خطيرة وصلت حد إعادة تعريف مفهوم الديمقراطية واليسار بما يخدم المصالح المادية و/أو اللامادية لبعض "النخب".
مند البداية، دعونا نذكر بقاعدة لن يختلف عليها كل من أعلن انتماءه لعقيدة الديمقراطية ولو لمقاصد قد تكون مخالفة لغايات هذه العقيدة. فأن تكون ديموقراطيا، فذلك يعني أن هويتك هي في تعارض مطلق مع كل من يشرعن الإنقلاب على إرادة الشعب ومع كل من يبارك حاكما مستبدا ولو كانت غاياته هي رفاه الأمة. في سياقنا نحن المغاربة، الدفاع مثلا على حق حزب العدالة والتنمية في ترؤسه للحكومة كلما قررت أغلبية المغاربة ذلك يعتبر بمثابة فرض عين على كل من أعلن انتسابه لعائلة الديمقراطيين ولو اختلف حد التنافر أيديولوجيا وفكريا مع هذا الحزب.
ولكن هل هذا يعني أن حزب العدالة والتنمية يدين لكل ديموقراطي بدعم تجربته الحكومية والمساهمة في تأمين شروط استمرارها؟
يذهب بعض "المجتهدين" العابرين لحدود الأحزاب والتيارات الفكرية إلى اعتبار أن معركة إسقاط "التحكم" هي رديف بناء ديموقراطية حقيقية في سياقنا المغربي وأنها أم المعارك وما دونها يجب أن يصبح في حكم المؤجل. ولأن "الإسلاميين" هم من يرفعون راية هذه المعركة وهم من يمتلكون إمكانيات خوضها وهم من تبين ثباتهم على هذا النهج، فمن واجب الديمقراطيين أن يعلنوا اصطفافهم إلى جانبهم.
هذا الاجتهاد وبشكل مفارق يكثر إنتاجه واستهلاكه في فلك اليسار تحديدا. ذلك أن بعض الأقلام ترافع من أجل شراكة يسارية-إسلامية استنادا إلى حجج من قبيل كون معركة مناهضة الإستبداد كانت شأنا يساريا بامتياز وكون خصوصية مجتمعنا ونظامنا السياسي وطبيعة موازين القوى تجعل من استحضار التناقضات المذهبية في هذه المرحلة نوعا من العمى الأيديولوجي يقود إلى الخلط ما بين الصراع الرئيسي والثانوي.
وبشكل مباشر أو بطرق ملتوية يسجن أصحابنا "المجتهدون" كل من يطرح سؤال الديمقراطية في ثنائية هم بالخطاب معارضون لها وبالممارسة مكرسون لها. ذلك أنك إذا لم تنافح عن شراكة الإسلامي واليساري فأنت بالإرادة أو بقلة النباهة تصبح خادما "للتحكم" وآلياته.
لكن في رحلة البحث عن مصوغات اجتهادهم يسقط أصحابنا في أخطاء قاتلة تجعل من سعيهم الحثيث إدخال اليسار إلى بيت المحافظة والماضوية هذيانا ليس إلا. من ذلك مثلا أن البعض قال أن قضايا اللغة والإعدام والحريات الفردية...ه ي لاحقة على قضية الديمقراطية ومن شأن استحضارها في المرحلة أن يأجل تقويض الإستبداد!
لنترك جانبا هذه القضايا والذي قد يذهب البعض حد اعتبارها هامشية بالنسبة لليسار. ولكن دعونا بالمقابل نطرح بعض الأسئلة التي هي من صميم هوية اليسار وتاريخه:
فهل يقبل اليسار أن يتحالف مع حزب يقود حكومة تريد أن تذبح المرفق العام وتعتبر التعليم والصحة عبئا على الدولة؟ وهل يجوز لليسار أن يدعم حكومة أسست لهشاشة الموظفين الصغار من خلال التوظيف بالعقدة؟ وهل يتجرأ اليسار على عقد شراكة مع حكومة ألغت دعم المواد الأساسية دون حماية بديلة للفئات الفقيرة؟ وهل كان اليسار يوما يعتبر الاستقواء على المضربين والنقابات من مهامه؟ ومتى كان اليسار مدافعا عن إصلاح نظام التقاعد يدفع ثمنه المنخرطون؟ ومتى كان اليسار يحارب الإستبداد ويركع لرأسه؟ وهل تقاطع اليسار يوما مع وصفات المؤسسات المالية النيولبرالية؟
صحيح أن جزءا كبيرا من اليسار وفي سياق مراجعاته الفكرية استبطن بدون رجعة الديمقراطية بمفهومها الليبرالي، ولكنه بالمقابل لم يعلن أبدا ردته عن خلفيته الطبقية وانتصاره لقضايا المستغلين. وعكس المذاهب الدينية والطائفية والقومية لم يستدع اليسار مفهوم الخصوصية ليتنكر لقيمه الكونية بامتياز. كان اليسار فعلا ودوما يحاول فهم طبيعة البنى الاجتماعية المحلية قصد تغييرها وليس من أجل تغيير جوهر مشروعه والذي هو بالتعريف مشروعا عقلانيا وتقدميا ومناقضا لكل ما هو رجعي وماضوي.
فهم اليسار للطبيعة الاستبدادية للنظام السياسي المغربي هو سابق على المستخرجات المبتذلة لتجربة "الإسلاميين" من قبيل "التحكم والعفاريت والتماسيح " ومعركته مع الإستبداد كانت طاحنة وما زالت، وقد خاضها ضده بالوكالة بعض من اكتشفوا، بشكل متأخر، في حمى دفاعهم عن مصالح عشيرتهم، سلطة لا تقبل إلا بالخدام وليس بمن يصنعون الرأي ويقاتلون من أجل استقلاليته.
والخلاصة أن تمفصل الديمقراطية مع العدالة الاجتماعية وقيم العقل والعلم في مشروع اليسار تجعل من كل "اجتهاد" يبتغي ممارسة السياسة بمنظور براغماتي ومن موقع يساري وفي تحلل من اكراهات الانسجام الفكري قفزة في الهواء نخشى على أصحابها من تبعات السقوط الذي يتبعها".