وقع عدد كبير من قدماء الفاعلين السياسيين وبعض المقاومين وأعضاء جيش التحرير إلى جانب مثقفين وإعلاميين ، من بينهم خمس مناضلات ، على نداء ايجابي في جملته ، يدعو إلى تخليق الحياة العامة ودمقرطة وسائل تفعيل الدستور وبناء الديموقراطية ، ويبدو آنه يصلح وثيقة مرجعية بالنسبة للشباب حامل مشروع الجيل الصاعد ، فهو يشخص الوضع الاجتماعي والسياسي والثقافي والقيمي حتى ، وينتقد المستوى الذي بلغه إفساد الحياة العامة ، ولكن على مستوى المسؤولية المعنوية والسياسية فيما حصل ، لم يبرز النداء مصدرها وتدرجها وحظوظ كل الفاعلين في المشهد السياسي أو الفضاء العمومي ، فهل يمكن اعتبار النداء بمثابة محاسبة للذات ، أو تقديم نقد ذاتي ، كما تعارفت عليه الثقافة الحزبية التي كانوا روادها ، أم أن في الأمر تبرئة الذمة تجاه ما حصل وما سيترتب عليه من تداعيات ؟
فباستثناء البعض الذي لم تتح له فرصة تدبير الشأن العام من بين الموقعين والموقعات ، وبالنسبة لمن يتحمل اي مسؤولية حزبية ذات صلة مباشرة بصناعة القرار ، فإن بقية الأسماء والشخصيات البارزة ، كان لها الفضل الكبير في المساهمة في هندسة الخرائط السياسية ، ولها الفضل في المشاركة في النضال من أجل تجاوز معوقات بناء البناء الديموقراطي والقضايا المصيرية التي كانت تناقش خارج المؤسسات الدستورية أو ذات العلاقة قانونا ، وذلك يتجلى من خلال عدد المسؤوليات والمناصب التي تبوؤوها خلال الفترة المعروفة إعلاميا بسنوات الرصاص ، والتي لم يشر إليها في النداء كمرحلة مهيكلة للوضع المتردي الذي أقروا به ، فهذا الوضع هو نتيجة ، أما الأسباب فقد تم تصنيعها في مختبر العهد السابق ، كما أن جزء من مشاريع الإصلاح المتعثرة وبذلت فيها مجهودات تمت في بداية العهد الجديد، عهد المفهوم الجديد للسلطة ، ولعل أغلب الموقعين شاركوا أو تابعوا التحولات العميقة التي حصلت على مستوى كيفية ومنهجية معالجة تركة الماضي الأليم ، فقد تمت مساهمتهم في بلورة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، التي أفرزت أرضية توافقية ، يسرت اشتغال ونجاح هيأة الإنصاف والمصالحة ، التي أثمرت تسوية سياسية وطنية ، عنوانها توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، كما ساهموا كفاعلين سياسيين في بلورة تقرير الخمسينية حول التنمية ، فما هو دورنا جميعا في واجب والتزام تفعيل وأجرأة هذه التوصيات ، والتي صادق عليها الملك والتزم بتنفيذها وطالب بدسترتها ؟
إن هذا النداء غني ديموقراطيا ، من حيث كونه يقدم نقدا ذاتيا ، ولكن لم يكن تشاركيا بما يكفي ، حتى يتم تشطير المسؤولية بصفة تضامنية ، حتى لا نقول متساوية ، بغض النظر عن كونه لم يراع قانون المجايلة والتواصل التاريخي لكونه يحمل شباب اليوم مسؤولية و خيبة آمال المجتمع المتعدد والمتنوع في القطع مع الماضي الأسود ، مما يثير السؤال المفتوح : هل بهذه الوصاية يمكن مواجهة تحكم الماضي في الحاضر ومعه المستقبل ؟
كتاب الرأي