ماذا سيفعل رجل يلبس عباءة الداعية بالبرلمان كشيخ الكراهية حماد القباج، إذا لم يكن في نيته تحويل قبة البرلمان إلى "محرقة" لليهود المغاربة؟ فالرجل معروف بكرهه لليهود الذين أوصى بإبادتهم وتشبيههم بالأفعى. القباج القادم إلى البرلمان وهو يحمل "مصباح" العدالة والتنمية الذي أعطاه المفتاح ليغرق مجلس الشعب في الخطاب "الظلامي" و"المتطرف". فمن يأمر بتصفية اليهود، وهو لا يميز بين اليهود المغاربة الذين يتمتعون بكافة حقوق المواطنة والجنسية والانتماء إلى وطن واحد وراية واحد هي الراية المغربية ويقدمون طقوس الولاء والبيعة إلى ملك المغاربة هو محمد السادس بغض النظر عن عقيدتهم الدينية، وبين الصهاينة المحتلين والمستوطنين لفلسطين. بالنسبة لعبد الإله بنكيران هذا سبب كاف ليكون مانعا من موانع ترشيح حماد القباج، حتى لا يصبح ناطقا باسم "التكفيريين" في برلمان يدعو إلى الاعتدال والوسطية في الدين تحت إمارة المؤمنين، المؤسسة التي خولها الدستور ضمان حقوق وحريات الأفراد.
موقف حماد القباج من اليهود ليس وحده ما يصنف الرجل ضمن خانة "التكفيريين"، بل هناك عدة مواقف أشهر فيها تحت غطاء الدين أفكاره المتطرفة، ضد حزب البام (مثلا) الحزب الذي يشكل الفزاعة للبيجيدي، من خلال وصفه بانه حزب يحارب الدين، داعيا أنصاره في الانتخابات السابقة لعام 2015، إلى عدم التصويت عليه مع حزب الاستقلال كذلك ! وفي المقابل وجه الناس إلى التصويت بكثافة على حزب بنكيران، لأنه الأقرب إلى عقيدة المسلمين. أحكام "متطرفة" مثل هذه هي تشجيع على الفتنة وزرع للطائفية الحزبية وتكريس للفاشية الدينية وخارطة طريق للمتطرفين لهدر دماء زعماء هذه الأحزاب التي خرجت عن "الملة".
تجار الدين يملكون الأدوات لغسيل عقول أتباعهم الذين يتحولون إلى حطب لنيران أحقادهم، ومن يشاهد مثلا حماد القباح يتحدث في شريط فيديو، عن الباحث في الحركات الإسلامية سعيد لكحل، يتخيله أحد "المارقين" و"الملحدين" الذي يشكل تهديدا على الدين الإسلامي، مع تكرار نفس الخطاب التحريضي، والمتغير هم "الضحايا"، تارة إلياس العماري الذي يصبح بمنطق القباج التكفيري "إبليس الأبالسة"، وتارة أخرى سعيد لكحل الذي "يمثل -والكلام للقباج- والحزب الذي استضافه (أي الأصالة والمعاصرة) امتداد التوجه الذي يعمق الشرخ الوطني ويرسخ التقاطب بين مكونات المشهد السياسي وبين مكونات المشهد المغربي عموما. وكما يقال الطيور على أشكالها تقع...".
تلاعب خطير وفج بالمفاهيم لشيطنة أفكار "أعدائه" من زاويته الضيقة التي تحشر من يخالفونه حرية الرأي في زمرة "الضالين". فوصف الخصم السياسي بأنه حزب "استئصالي" و"إقصائي" و"تحكّمي" أوصاف لم تعد غريبة عن المشهد السياسي، وهي تشبه المعجم "التهويلي" و"الترهيبي" و"التعميمي" الذي يوظفه عبد الإله بنكيران في خطبه، لذا حين يمتشق رئيس الحكومة لسانه في البرلمان يتخيل نفسه وكأنه يتحدث في ميكروفون "منبر"، ويتخيل مجلس الشعب "زاوية دينية". هذا هو المنطق المشترك بين أصحاب العمامات، التفكير بحدّ السيف وقطع الرقاب وبتر الأذرع.
لا توجد أكثر قوة "تحكّمية" من تجار الدين الذين يتحولون إلى "مجانيق" لقذف الخصوم بالأباطيل والأوهام، وتقديمهم للمغاربة بأنهم "استئصاليون" وجاؤوا لمحاربتهم -هم الإسلاميين- الذين يغارون على عقيدة المغاربة. فحزب "التحكم" الذي يقصد به حماد القبّاج "البّام" جاء من أجل هدف واحد بمنطق القباج هو تطهير المشهد السياسي من "الإسلاميين"، كأن منخرطي حزب "الأصالة والمعاصرة" من كهنوت معبد "بوذا" وليسوا على دين المغاربة. خطاب "التخويف" و"الترهيب" و"التخوين" حماد القباج بارع فيه، لأن المدرسة الوهابية التي تخرج منها هو وأستاذه محمد المغراوي(صاحب الفتوى/الفضبحة الخاصة بتزويج القاصرات)، هي مدرسة الغلو والتطرف في الدين واحتقار المرأة. لذا لا نستغرب من موقف حماد القباج من سيدة مناضلة وحقوقية كعائشة الشنا، أيقونة الأمهات العازبات التي تقطر إنسانية وشهامة. القباج ومن خلال المعيار الأخلاقي الضيق قام بقصفها ووصفها بأنها راعية للفساد والانحراف "ولأبناء الحرام الذين قدموا الى الحياة الدنيوية بممارسات منافية مع الشريعة الإسلامية".
وربّما أن "التذكرة" التي منحها بنكيران للقباج لسفر "المتعة والاستجمام" إلى البرلمان دفعته إلى حذف وإزالة مجموعة من التدوينات والفيديوهات الطافحة بأفكاره المتطرفة كنوع من الدهاء السياسي. فـ"التستر" عن مواقفه السابقة منها قبض ثمنه وهو تعيينه وكيلا للائحة العدالة والتنمية بدائرة كَليز – النخيل بمراكش، وهو ثمن يستحق أن يجعل من "الداعية" رجلا "منافقا" و"كاذبا" و"خبيثا".. ويستحق أن يجعل من الداعية "داهية".
صدق الشيخ المصري عبد اللطيف صغير في فيديو شهير له حين قال "أكبر هزيمة هو أن تتحول عن الحق الذي تعتقده كي تبدأ في اللعب دبلوماسيا"، لذلك حذر هذا الشيخ من أن يتلبّس الداعية بالحزب السياسي، لماذا؟ "الحزب الحزب السياسي يعني أن يلعب السياسة مع خصوم ليسوا شرفاء"، مع افتراض ما قاله الشيخ عبد اللطيف صغير بأن من يعتنقون السياسة ليسوا أهل شرف وحق وإخلاص، مضيفا " والسياسة حيث توجد المصلحة... ليست لها علاقة بالمبادئ والأخلاقيات.. السياسة تتبع المصلحة ولو كانت مع الشيطان.
الداعية لو تكلم معهم بالدين سيكون مصيره الطرد من الحزب لأنه خالف شروط الحزب السياسي وخالف الشروط المتعلقة بالترخيص للحزب السياسي"... مع أن ما يدعو له الشيخ المصري يتطابق مع ذهنية "التحريم" التي يدين بها حماد القباج، البرلماني المنتظر في ثوب "الداعية" والنائب المحتمل الذي سيمثل حزب العدالة والتنمية في "محراب" البرلمان بلسان الخطيب والواعظ والمرشد الديني. فخصوم القباج بعد تقديم ترشيحه رسميا أصبحوا هم خصوم بنكيران وحزب العدالة والتنمية الذي يوصي الناس بأن التصويت عليه واجب شرعا ضد أحزاب "غير شريفة" و"خصوم غير شرفاء" هدفهم محاربة الدين الإسلامي. فالمعركة يختزلها بين "الأنصار" و"الخوارج".. بين "أنصار" الدين الإسلامي و"الخوارج" أعداء الدين الإسلامي، وهذا هو الخطاب الخطير، خطاب المقت والكراهية والتجارة والمساومة بالدين من أجل الحصول على حفنة من الريع.
باسم طهرانية الإسلام ومحاربة "التحكم" سيحجز شيخ الكراهية حماد القباج مقعد "محتملا" في البر لمان ليجعل خصومه في الأحزاب الأخرى "مارقين" وخارجين عن "الملّة" و"الدين"... فهل يوجد أكبر من هذا "التحكّم".. إنه "تحكّم" باسم الدين لـ"التهكّم" على ملايين المغاربة الذين يصدقون الأوهام وأضغاث الأحلام.