في إطار فتح النقاش مع فعاليات مختلفة حول المشهد السياسي بالمغرب في افق الإنتخابات التشريعية المقبلة اتصلت " أنفاس بريس ب" عبد اللطيف قيلش "عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي الموحد الذي وافانا بورقة تساءل فيها إلى أين يسير المغرب في محطة 7 أكتوبر القادمة ؟ وبدأ تحليله بحكمة للفيلسوف جورج سنتيانا " إن الأمم التي لا تقرأ تاريخها معرضة لإعادة إنتاجه ... لغير صالحها " كما عرض كيف تمكنت حكومة بنكيران من تمرير أسوا الاجراءات التي استهدفت بها ضرب القدرة الشرائية لفئات عريضة من الشعب وكيف تميزت هذه الحكومة ببؤس في خطابها" الهروبي" المتملص من المسؤولية وبين قيلش أن المغاربة تواقون لمواجهة المشروعين الأصولي الديني والأصولي المخزني بمشروع ديمقراطي حداثي في إطار فدرالية اليسار، وهكذا نقرأ في الورقة:
في 7 أكتوبر 2016، سيكون لنا موعد مع الانتخابات التشريعية. لا شك أن الإستحقاقات من الناحية النظرية هي لحظة سياسية للتباري والتنافس الحزبي، هي لحظة لتقييم الحصيلة الحكومية ، هي لحظة للمحاسبة السياسية ، هي لحظة للتعبير عن موقف الناخبين بتعدد إتجاهاتهم من الواقع القائم وتطلعاتهم نحو المستقبل.هي لحظة لرسم أفق المغرب. هذا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية، فالذاكرة المغربية تؤرخ لتاريخ الإنتخابات كتاريخ للفساد والإفساد، محطات الإستحقاقات شكلت لحظات لتحرك أجهزة الدولة وأدواتها للتزوير وصناعة الخرائط السياسية، ووضع المعيقات أمام البناء الديمقراطي وإجهاض تطلعات المغاربة لمؤسسات تلعب أدوارها وتؤدي وظائفها بشكل طبيعي . فما هو سياق الإنتخابات اليوم ورهاناتها ؟ .
الإنتخابات والحكومة الحالية :
تمكنت الحكومة الحالية من تمرير أسوء إجراءات وقرارات إستهدفت ضرب القدرة الشرائية وضرب المكتسبات والحقوق.فكل ما راكمه الشعب المغربي رغم محدوديته وإنتزعته الطبقة العاملة وعموم الأجراء من خلال النضالات والكفاحات، تمكنت هذه الحكومة من الإجهاز عليه.يتعلق الأمر بإلغاء صندوق المقاصة الخاص بدعم المواد الأساسية، وتمرير مخطط التقاعد المشؤوم رغم الإحتجاجات المتعددة للحركة النقابية التي طالبت بمناقشة هذا الملف في الحوارالإجتماعي ضمن رؤية شمولية لصناديق التقاعد، وضمن مقاربة شمولية للملف المطلبي. تمكنت الحكومة أيضا من تعطيل الحوارالإجتماعي وتهميشه، واتخاذ القرارات بشكل أحادي. في سابقة أيضا، أقدمت الحكومة على إجراء الإقتطاع من أجور المضربين في خرق سافر للدستور الذي يضمن حق الإضراب. ضمن مسلسل تفكيك الخدمة العمومية وتفويتها للخواص، صدر مرسوم فصل التوظيف عن التكوين في قطاع التربية والتعليم. في نفس الإطارتم إحداث كلية الطب الخاصة، ولولا الحركة الإحتجاجية القوية للطلبة الأطباء لتم تمرير المرسوم الهادف إلى إنتاج العطالة في صفوف هذه الفئة. تمكنت الحكومة أيضا من تمريرمرسوم التوظيف بالعقدة، وهي بصدد تمريرقانون الإضراب الرامي إلى تجريد الشغيلة المغربية من سلاح النضال من خلال وضع مجموعة من القيود.
أما في مجال الحريات، فقد عرف المغرب ردة ، تمثلت في عودة تجريم الحق النقابي من خلال المحاكمات ومختلف أشكال التضييق ، أما المسيرات والمظاهرات الإحتجاجية السلمية فقد ووجهت بقمع همجي بربري. ولعل ما تعرض له الأساتذة المتدربون سيظل موشوما في ذاكرة المغاربة.
لقد نجحت الحكومة في تمرير إملاءات صندوق النقد الدولي ونجحت في تدمير الخدمة العمومية، ونجحت في الإنتقام من الشغيلة المغربية هذه دواعي كافية لممارسة التصويت العقابي كدلالة على رفض كل الإجراءت والقرارات غير الإجتماعية وغير الشعبية والجائرة والظالمة في حق الموظفين والموظفات . إن إنتخابات 07 أكتوبر ينبغي تحويلها إلى محطة نضالية من خلال مضمون التصويت.
الإنتخابات والسياسة
إتسمت السياسة في زمن الحكومة الحالية بالبؤس والرداءة ، تجسد ذلك في الخطاب الذي لم يرق إلى مستوى النقاش السياسي المتمحور حول الأفكار والبرامج والمشاريع المجتمعية .لقد تم تسويق خطاب شعبوي قدم نفسه كضحية لمؤامرة مدبرة وطغيان الشخصنة . اتسم الخطاب أيضا بإزدواجية التلميح والإشارة من جهة والإعلان العلني عن تجنب الصدام مع الملك ، والبحث عن ذرائع للتخلي عن الإختصاصات الدستورية، وتقديم رئيس الحكومة كموظف دون صلاحيات . لقد تم السقوط في خطاب هروبي متملص من المسؤولية السياسية. كما إتسم خطاب رئيس الحكومة بتحقير وتبخيس النساء في العديد من المحطات، كاشفا بذلك عن الموقف الدوني المعادي للمرأة، مجسدا بذلك حقيقة الفكر الماضوي الداعي إلى العودة إلى الأزمنة البائدة .
الإنتخابات والدولة
للدولة مسؤولية تاريخية في إفساد الإنتخابات وصناعة الخرائط السياسية ، وتفريخ أحزاب عبر الولادة القيسرية ، وضرب الحصار على الأحزاب الديمقراطية واليسارية بمختلف الأشكال، بالقمع المباشر ومختلف أشكال التضييق والحصار الإعلامي والمالي، ضمن مخطط إضعافها وتدميرها وإفراغ التعددية من مضمونها. منطق البلقنة والتحكم والمس بسيادة القرار والإحتواء والتدجين طبع الحياة السياسية والحزبية ، وهو المنطق الذي فوت على المغرب فرص وضع الأسس الدستورية والمؤسساتية السياسية للقيام بالإصلاح الشامل ، لفتح أفق ديمقراطي للمغرب عبر الملكية البرلمانية.
إن إستخلاص الدروس والعبر التاريخية الوطنية والإقليمية والدولية ، تؤكد معادلة قوة الدولة من قوة المجتمع ، وقوة المجتمع من قوة تنظيماته القوية بهياكلها وأفكارها ومشاريعها والمستقلة في قراراتها . رغم أن مناخ اللإنتخابات النزيهة والحرة ، يستوجب تنقية الأجواء بإطلاق سراح كل معتقلي الرأي والإحتجاجات السلمية ، والإستجابة للمطالب الإجتماعية والمادية للطبقة العاملة وعموم الأجراء وفتح حوار إجتماعي تفاوضي مع الحركة النقابية، والتسجيل الأتوماتيكي في اللوائح الإنتخابية عبر البطاقة الوطنية، وفتح نقاش حول التقطيع الإنتخابي ونظام الإقتراع ...وهو ما تجاهلته الدولة. رغم ذلك، فالدولة مطالبة بالسهرعلى ضمان نزاهة الإنتخابات بمواجهة كل أشكال إفساد العملية من مال ورشاوي مختلفة ، وعدم السكوت عن الخروقات مهما كانت طبيعتها ومهما كان مصدرها.
الإنتخابات وفدرالية اليسار الديمقراطي
كل الوقائع المتتالية برهنت بالملموس أن أطروحة فدرالية اليسار الديمقراطي، والمواقف المعبر عنها في مختلف المحطات، كانت صائبة .
ليس قدر المغاربة أن يختاروا بين المشروع المخزني أو المشروع الأصولي الديني . المغاربة مطالبون بأن يواجهوا المشروعين بالمشروع الديمقراطي الحداثي، المغاربة تواقون إلا فصل حقيقي للسلط ، تواقون إلى العدالة الإجتماعية والحرية والكرامة والمساواة والمناصفة . المغاربة يتطلعون إلى تعليم ديمقراطي شعبي جيد يضمن حق الأبناء والبنات في التربية، ويضمن التوزيع العادل للمعرفة ، المغاربة يتطلعون إلى خدمة عمومية جيدة (الصحة، النقل والحق في الشغل..) .المغاربة يتطلعون إلى مغرب الحريات العامة والفردية وثقافة التسامح والإختلاف ، وثقافة النزاهة والشفافية. المغاربة ينشدون مغرب التنمية المستدامة ...
إن فدرالية اليسار الديمقراطي تقدم عرضا سياسيا يمنح الأمل للمغاربة في مغرب أخر ممكن، إن فدرالية اليسار تخوض هذه الإنتخابات لمواجهة البؤس والإنحطاط والرداءة السياسية ، مواجهة ما تسرب إلى السياسة من ثلوث من أجل أن تستعيد السياسة نبلها . الحاجة اليوم ملحة لتخليص المغاربة مما أضحى لصيقا بالسياسة من إرتزاق و إنتهازية ووصولية وترقي إجتماعية ...
الإنتخابات لحظة للرفع من مستوى النقاش السياسي، لحظة للرفع من مستوى الوعي السياسي، لحظة لإشاعة ثقافة التباري والتنافس، لحظة لفضح الفساد، لحظة لإبرازان الديمقراطية هي السبيل لمعالجة المعضلات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، إنها لحظة للتمرين الديمقراطي والبرهنة على أن العبث في السياسة هو عبث بالوطن.
خاتمة
إن انتخابات 07 أكتوبر تطرح سؤالا جوهريا وعميقا، يتعلق الأمر بالأثر في النضال الديمقراطي. سؤال الرابح والخاسر يستلزم سؤال ماذا يربح المغرب الممكن، المغرب المأمول، مغرب الديمقراطية والعدالة الإجتماعية. يقول المفكر الفرنسي " بيير فيلار " : " أن تفكر سياسيا بشكل جيد ، فعليك أن تقرأ تاريخيا بشكل جيد ". نحن في حاجة إلى قراءة تجاربنا التاريخية ، قراءة نقدية جريئة لنطرح السؤال الحارق : إلى أين يسير المغرب ؟