Thursday 15 May 2025
سياسة

كمال السعيدي :مشروعنا السياسي يختلف عن مشروع الأصولية الدينية والأصولية المخزنية

كمال السعيدي :مشروعنا السياسي يختلف عن مشروع الأصولية الدينية والأصولية المخزنية

في إطار فتح النقاش مع فعاليات مختلفة حول المشهد السياسي بالمغرب في أفق الإنتخابات التشريعية المقبلة، اتصلت "أنفاس بريس" بكمال السعيدي، عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي الموحد، الذي وافانا بورقة يشخص فيها الوضع الحالي لليسار، وهي الورقة التي يرفض فيها دعوة البعض إلى مشاركة اليسارليصطف في القطبية الثنائية اليمينية التي يتقاسمها كل من حزب "البيجيدي" بأصوليته الدينية و"البام" بأصوليته المخزنية. ويعتبر السعيدي أن اليسار قادر على اقتراح مشروع سياسي بديل، وهكذا نقرأ في الورقة ما يلي :
لأن التشخيص أساس العلاج كما يقال، لا بد أولا أن نُقر أن اليسار بعد أن كان قد لعب لسنين عديدة، أدوارا طلائعية على المستويات السياسية و الثقافية في مواجهة محاولات الهيمنة و الاستفراد المخزني بالحكم، عرف بعد ذلك تراجعا كبيرا لأسباب عدة بعضها موضوعي يرتبط بحملات التضييق و القمع الشرس الذي تعرض له اليسار في إطار صراعه مع الحكم و بالرجة الكبيرة التي أصابت المعسكر الإشتراكي بعد سقوط جدار برلين، و بعضها الآخر ذاتي يرتبط بأخطاء و سوء تقدير اليسار نفسه و منها على وجه الخصوص و أساسا الفشل الذي منيت به تجربة التناوب التوافقي، التي انخرط فيها جزء أساسي من اليسار في غياب الضمانات السياسية و الدستورية التي كان من المفروض في حال توفرها، أن تجعل ربما من ذلك التناوب بوابة نحو انتقال ديمقراطي حقيقي يقطع مع تاريخ طويل من الإستبداد المخزني
.. و لكن للأسف انتهى الأمر باليسار إلى حالة من التشرذم و الضعف لا زال يعاني من تبعاتها إلى اليوم، و تنعكس سلبا على شعبيته و على إشعاعه و قوته التنافسية و لياقته الانتخابية .. حتى أصبحت قوى اليمين الديني و الإداري مستفيدة من عدم تكافؤ الفرص التي يوفرها النظام الإنتخابي المغربي، و هي من يحتل الواجهة السياسية حتى أصبح التنافس الإنتخابي من أجل تصدر المشهد يكاد يكون منحسرا في ما بينها ..
اليوم، هناك من يريد انطلاقا من هذا التشخيص السريع، ‪أن يقفز ‬مباشرة إلى تأكيد على أنه قد تحقق للنظام السياسي نوع من القطبية يتزعمها كل من حزب العدالة و التنمية و حزب الأصالة و المعاصرة، و إلى أن هذا المشهد ''المعقلن'' بهذه الطريقة لا يحتمل أكثر من قطبين، و بالتالي ما على باقي الأحزاب السياسية و منها أحزاب اليسار إلا أن تنخرط ضمن هذا القطب اليميني أو ذاك، إما بداعي مواجهة التحكم المخزني أو بداعي مواجهة الخطر الأصولي .. و قد تم استدراج جزءا من اليسار إلى ابتلاع طعم هذا التقابل الزائف بين الأصولية الدينية و الأصولية المخزنية إما بسبب تهافت نخبه على الريع السياسي و امتيازات المنصب الحكومي الذي قد يوفره الإصطفاف خلف أحد الأطراف المؤهلة لقيادة التجربة الحكومية أو بسبب خلل في الحسابات السياسية التي تجعل حزبا يساريا يتناسي أن فوز العدالة والتنمية بالإنتخابات التشريعة سيكون في الواقع انتصارا لأصولية زاحفة و ليس انتصارا للديمقراطية، و تجعل حزبا يساريا آخر يتناسى أن في انتصار الأصالة و المعاصرة هزيمة انتخابية للأصولية و أبدا ليس نصرا للديمقراطية لأن المستفيد منه في هذه المرحلة هو النظام المخزني المتحكم إلى حد كبير في اللعبة الانتخابية، و الذي يمتلك أهم مفاتيح الصراع السياسي، بمعنى أنه في الواقع ستكون هزيمة أصولية بطعم الانتصار للإرادة المخزنية ..
نحن نرفض في الواقع أن يتم الزج باليسار في معارك ليست هي معاركه الحقيقية و نعتبر أن الدعوات المطروحة أو المفروضة عليه من أجل الإصطفاف في إطار هذه الثنائية القطبية الزائفة هي في الواقع دعوات لتحالفات ظرفية من أجل حسم صراعات سياسية أو انتخابية آنية يتم توظيفه فيها ضدا على مصالحه المرحلية و الإستراتيجية و نرفض أيضا أن لا يترك للمغاربة من خيار إلا بين أمرين أحلاهما استبداد مر .. لأننا نقدر أنه لا فرق حقيقي بين الحزب البكر الدي نشأ من رحم إدارة العهد الجديد متدثرا بحداثة مخادعة لتمديد عمر الإستبداد و الحفاظ على الجوهر المحافظ للنظام السياسي و بين الحزب الدي ظل يتذثر بعباءة الدين كي يفرغ الديمقراطية من مضمونها بالتحفظ على أهم أركانها، إلى درجة أن يخرج علينا رئيسه بخطابات دينية توزع التهديد و الوعيد و تؤشر على نزوعاته السلطوية و الإستبدادية .. و نرفض هذه القطبية الزائفة بين الحزبين لأنهما في المحصلة يتبنيان مشروعين متقاربين حتى و إن اختلفت التلاوين و تنوعت العناوين ، حزبان و مشروعان أنيطت بكليهما مهمة عرقلة مشروع آخر حقيقي، يتموضع على مسافة منهما معا و يطرح الأسئلة الحقيقة من قبيل سؤال إعادة توزيع السلطة و الثروة، كما طرحها الشباب لحظة عشرين فبراير و كما طرحته في إطار نظام الملكية البرلمانية، قبل ذلك و لا تزال القوى اليسارية المناضلة و في قلبها الأحزاب المكونة لفيدرالية اليسار الديمقراطي ..
أرى أنه من حقنا بل من واجبنا أن نقدم للمغاربة مشروعا حزبيا و سياسيا بديلا، يختلف جذريا عن الأحزاب الإدارية و مشاريعها التي اثبتت التجربة المغربية فشلها و أسقطت الثورتين التونسية و المصرية على وجه الخصوص نموذجها الجديد سقوطا مدويا بعد أن أوصل تلك البلدان إلى الأزمة و إلى الإنفجار، و يختلف جدريا عن أحزاب الأصولية الدينية و ما تعد به و التي اثبتت التجربة الحكومية الحالية فشلها في الإستجابة لمطالب الشعب المغربي في الحرية و الكرامة و العدالة الإجتماعية و أن مرجعيتها لم تمنعها من إعلان التطبيع مع الفساد من خلال شعار- عفا الله عما سلف -و من تبني سياسات نيو ليبرالية متوحشة و من الخضوع المطلق لتوصيات و إملاءات المؤسسات المالية و النقدية الدولية بما يهدد سيادة البلد و استقراره .. كما أن ما تمخض عنه الوضع في المنطقة العربية بعد الحراك أثبت بالمموس مخاطر توظيف الخطاب الديني في الشأن السياسي على الأمن و على الإستقرار المجتمعي ..
و أعتقد، كذلك، أنه في هكذا أوضاع أصبح من الضروري العمل على تجاوز حالة الأزمة التي وصل إليها اليسار و أنه من الواجب مصالحته مع قواعده الإجتماعية و مع ناخبيه و مع المتعاطفين مع مشروعه، خصوصا من فئة الشباب الواعي و الطبقات الوسطى المتنورة و أعتقد أن بإمكان اليسار الذي ألهم شباب عشرين فبراير و الذي يتوفر على استقلالية قراره السياسي و على قدر محترم من المصداقية و من الوضوح السياسي أن يشكل بديلا موضوعيا و حقيقيا إذا ما استطاع أن يعيد بناء ذاته و تجسيد وحدته على أسس نقدية تجنبه إعادة إنتاج أخطاء الماضي و تعيد الإعتبار لدوره الريادي في مسار التغيير الديمقراطي الذي يهدف إلى بناء ديمقراطية حقيقية سياسية و اجتماعية و يروم تحقيق تنمية مستقلة و مستدامة للخروج من دائرة التخلف ..
و من هذه الزاوية أرى أن فيدرالية اليسار الديمقراطي و التي هي حصيلة مسار وحدوي مفتوح على باقي مكونات اليسار مؤهلة لأن تشكل اللبنة الأساسية في سياق بناء الحزب اليساري الكبير من أجل المساهمة الفعالة في إنجاز تلك المهام التاريخية الكبرى ،و خاصة إذا ما نجحت في أن تجد لها اليوم موطئ قدم ضمن الأحزاب الرئيسية و إذا ما استطاعت من خلال مشاركتها في هذه الانتخابات تحقيق تقدم انتخابي ملموس، يعطي الأمل في إمكانية استنهاض اليسار الديمقراطي و إذا ما تحصلت على شرعية انتخابية معتبرة، تدعم بها مواقفها السياسية الجريئة في مواجهة هذه المشاريع اليمينية التي تتجاذب الساحة الوطنية اليوم ..
على سبيل الخلاصة : لا ينبغي لليسار مهما استشعر الآن في نفسه بعض الضعف أن يفرط في مشروعه و أن يسبح في فلك أحزاب اليمين، فاليسار الحقيقي هو المبادرة المستقلة لا التبعية و هو القدرة على الفعل و على اقتحام الصعاب و مواجهة التحديات لصنع المستحيل، فكيف بالممكن !! .