يبدو أن الموسم السياسي الاستثنائي الذي عاشته بلادنا منذ بداية الربيع العربي يشارف اليوم على دخول أهم مراحله ، فمع تزايد الوعي السياسي لدى المواطن المغربي بأهمية المرحلة ، و أهمية الانتخابات و التغيير عبر صناديق الاقتراع، و نتائجها و تأثيراتها على مجريات الأمور فيما بعد ، فالمجالس المنتخبة بعدة مدن مغربية من الشمال للجنوب و مرورا بالوسط كانت على موعد مع التاريخ في 04 شتنبر 2015 ، حيث عبر المغاربة بكثافة عن ثقتهم في حزب العدالة و التنمية و تبوئه الصدارة والأغلبية في أغلب المدن المغربية المتوسطة و الكبيرة ، فالمواطن المغربي بهذه المحطة الانتخابية أبان عن وعي سياسي كبير أظهر الحجم الحقيقي لبعض أطراف المشهد السياسي .
لكن و مع اقتراب موعد الاستحقاقات التشريعية المقبلة المزمع تنظيمها في 07 أكتوبر المقبل ، ظهر جليا أن الأهمية السياسية التي تمثلها هذه الانتخابات تتجاوز الأبعاد القانونية والإجرائية التي يمكن أن تصاحب هذه العملية ، والنجاح فيها سياسيًّا سيؤكد لا محالة على صلابة الإصلاحات السياسية التي تم ضخها في البنية السياسية للدولة منذ عام 2011 ، كما يعني نجاح هذه العملية على مستوى الخارج أن هنالك تجربة سياسية ولدت في سياق صعب و معقد بفعل الهزات التي أحدثتها الثورات في المنطقة العربية ، تمتلك دينامية قادرة على العمل بنجاعة والتحول إلى نموذج سياسي يصلح للقياس عليه عربيا.
فطبيعي أن الأرقام التي يتم تداولها إعلاميًّا حول شعبية رئيس الحكومة و حزب العدالة و التنمية ، وكان أهمها استطلاع الرأي الذي قامت به مجلتا ''ليكونوميست'' و ''تيلكيل'' خلق لدى المعارضة ردود أفعال لا تبدو أنها محسوبة دائمًا ، ودفعها ذلك إلى الرفع من وتيرة وحجم تحركاتها لمواكبة وتيرة تحرك الاغلبية في هذه المرحلة ، وبالتالي فهي تستخدم أساليب إستنساخ رديئة جعلتها تظهر بمظهر سلبي أمام المواطنين و المهتمين بالشأن السياسي .
والواقع أن الباحث في رمزية النتائج المحصل عليها بعد استحقاقات 04 شتنبر لابد له وأن يقف عند نقطة مهمة للغاية ، وهي كيف استطاع العدالة والتنمية مضاعفة مقاعده ثلاث مرات و بات يشكل محور المشهد السياسي لبلدنا ، على الرغم من قيادته للحكومة طيلة الخمس سنوات الماضية ؟؟؟، حيث عزز الحزب رصيده السياسي بل وسَّعه إلى فضاء انتخابي أرحب جعله يتصدر المشهد السياسي بعد الإنتخابات الجماعية ، و من هنا يبرز السؤال الجوهري في الموضوع ، لماذا صوت المغاربة على العدالة والتنمية و خاصة في الحواضر الكبرى مركز الطبقة المتوسطة ؟ هل تفهّم المغاربة أسباب القرارات التي إتخذتها حكومة العدالة و التنمية ؟ وهل وصل الشعب المغربي فعلا إلى هذا المستوى من الوعي حتى أصبح يستوعب الإصلاحات البنيوية التي تتم على المدى البعيد؟ وهل يا ترى أضحى الخبز اليومي والمطلب المعيشي أقل إلحاحا بالنسبة للمواطن البسيط من المصالح الاقتصادية بعيدة المدى للبلاد؟
أسئلة و أخرى تجعل المتتبع للشأن السياسي يقف مبهورا حائرا أمام هذا الشعب الذكي الذي آمن بالإصلاح في ظل الإستقرار و ما فتئ يعبر عن ذكائه من محطة إنتخابية لأخرى ، فرغم التشويش و الإعلام الموجه و صحافة الكذب و البهتان ، يبقى صامدا في وجه كل هذه الإرهاصات و يبين بالدليل القاطع أن العدالة و التنمية هو خياره الوحيد و الأوحد ، و يوم 07 أكتوبر بحول الله سيكون يوما فاصلا بين الجد و اللعب ، فالمغاربة بفطرتهم يستطيعون التمييز بين الغث و السمين ، و لديهم من الفطنة ما يجعلهم ممانعين لأي تيار يرغب في جر المغرب لمستنقعات لا تتماشى مع ثقافتنا و هويتنا المغربية الضاربة في الزمن.
إذن و بعدما أعطى الشعب المغربي الدليل على أن إختياراته الثابتة و الواضحة في المرحلة المقبلة ، إنتقل أهل الهندسة الإنتخابية لمرحلة جديدة تنبني أساسا على التبخيس الممنهج للعمل السياسي و السياسيين و ضرب صورتهم أمام الرأي العام حتى ينفر المغاربة من السياسة ، و فتح الباب أمام تفشي كل ضروب التيئيس و الإحباط ليتركوا الصناديق فارغة ليسهل إخراج الصورة المرغوبة منها ، فمثل هذه الممارسات ليست طارئة ولا معزولة بل هي ظاهرة سلبية أبتلي بها المغرب نتيجة سياسات وممارسات وفرت الإمكانيات لمجموعة من الوصوليين والانتفاعيين للانقضاض على المشهد السياسي المغربي بهدف تحويله إلى سوق نخاسة خاضعة لمنطق الريع والامتيازات والفساد ، لكن التجربة الحكومية الحالية وقفت بالمرصاد لكل هذا و جعلته أوهام المرحلة .. ليس إلا ، و أصبح الشعب على دراية بكل ما يخطط له في دهاليز مهندسي المرحلة ، وأعطت البرهان للمغاربة بأن الصندوق يمكن أن يحدث التغيير حيث قامت الحكومة الحالية بإنجازات إقتصادية نوعية و فارقة على مختلف المستوات ، مكنت من إنقاذ مالية الدولة و لامست احتياجات المواطن البسيط ، مما أعطى الدليل على أن الإختيار الديموقراطي هو الحل الوحيد الذي سيمكننا من تحقيق التنمية و يذهب ببلدنا بعيدا في مصاف الدول الديموقراطية .
الكرة الآن في ملعب المواطن الناخب من أجل دعم الإصلاح و إستيعاب حساسية المرحلة المقبلة من أجل أن يحدث التغيير بصوته و يساهم في ترسيخ النموذج الديموقراطي المغربي المتفرد في المنطقة ، و استثمار ما تتيحه الظرفية من إمكانات و تحديات و فرص ، فموعدنا إذن في 07 أكتوبر لتجديد التعاقد السياسي بين أركان الانتقال الديمقراطي تحث يافطة الإصلاح في ظل الاستقرار.
منبر أنفاس