Thursday 15 May 2025
سياسة

نبيل بنعبد الله: بعيدا عن البرغماتية قريبا من الانتهازية

نبيل بنعبد الله: بعيدا عن البرغماتية  قريبا من الانتهازية

قضية نبيل بن عبد الله هي قضية مواقف وليس تصريحات ! فالرجل لم تُعرف له مواقف ثابتة ولا مبادئ راسخة في مجموعة من القضايا والرهانات الكبرى التي تهمُّ الشأن السياسي والحزبي ببلادنا. صحيح أن السياسة هي فن تدبير الاختلاف، وهذا يقتضي بعض المرونة في المواقف وتلطيف بعض المبادئ إن اقتضت العملية السياسية ذلك، لكن هذا لا يعني الارتداد عنها 360 درجة، أو الانقلاب عنها بشكل مفضوح، كما هو الحال في قضية وزير السكنى وسياسة المدينة. فنفس الرجل، هو الذي قال في دجنبر 2011 أن "استقالة مستشار الملك من حزب الأصالة والمعاصرة، ستدفع هذا الحزب نحو احتلال موقعه في الحقل السياسي"، قبل أن تصيبه عدوى التصريحات المجانية من حليفه الحكومي، ويشرع في استخدام عبارات " التحكم" و" الدولة العميقة" في حق خصومه السياسيين، كمن يلوك الثوم بفمه لفائدة حزب العدالة والتنمية. نفس الرجل الذي أذرف الدموع في لقاء حزبه بحضور الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، واصفا إياه بأنه حزب "المعقول بصيغة المحافظ"، وأن حزبه يمثل "المعقول بصيغة الحداثة"، هو نفسه الذي كان رفقة زملائه السابقين في الحزب (سعيد السعدي وإسماعيل العلوي وغيرهم) عرضة للمدفعية الثقيلة من طرف افتتاحية التجديد، لسان حال حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، عندما وصفهم رئيس التحرير آنذاك محمد يتيم بعبارة " اللادينيون"، في وقت ذهب فيه المقرئ أبو زيد أبعد من ذلك عندما طعن في نزاهتهم المالية، إبان وضع مسودة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية. نفس الرجل، هو الذي كان يخوض من داخل أحزاب الكتلة السياسية غمار الانتخابات السابقة، وكان يستعمل ورقة اليسار التقدمي لمداعبة مشاعر المغاربة عند كل استحقاق انتخابي، قبل أن تتفرق به السبل ويصير محافظا أكثر من عبد الإله بنكيران. في ظل هذا الرأي والرأي المضاد، وهذا الموقف ونقيضه، ما الذي تغيّر في السنوات القليلة الماضية؟ هل تغيّر حزب العدالة والتنمية وتراجع عن خلفيته وإيديولوجيته؟ هل هبّت رياح التغيير على حزب الأصالة والمعاصرة؟ أم أن حزب التقدم والاشتراكية تخلى عن مرجعيته التقدمية والاشتراكية؟ للأسف الشديد، الأحزاب هي نفسها، والمرجعيات هي ذاتها، والرهانات بدورها ظلت على حالها، لكن الذي تغير هي مواقف نبيل بن عبد الله ومبادئه. فالرجل الذي اعتاد استعمال عبارة "الواقعية السياسية" في إشارة إلى تدبدب مواقفه من القضايا الكبرى ذات الصلة بالعمل السياسي ببلادنا، تجاوز حدود البرغماتية المسموح بها في علم السياسة، ليصبح عنوانا للسياسي "الحربائي" بالمفهوم القدحي والذميم للكلمة. فالرجل تماهى مع خطاب الشعبوية الجديد، وصار يستلهم منه مفردات تفوح منها رائحة الحزب الأغلبي في الحكومة. والرجل أغرته التحالفات الهجينة وصار "وجل القلب"، يذرف العبرات على أعتاب رئيس الحكومة المنتهية ولايته. والرجل الذي ظل "يناضل" من داخل مدرجات المعاهد الفرنسية، ومن داخل مناصبه الحكومية ومروره الدبلوماسي العابر، هو الذي يتحدث اليوم عن القضايا المصيرية للمواطن! والرجل الذي كان هاجسه الوحيد هو الاستوزار بمقعد حكومي أو مقعدين أو حتى نصف مقعد، هو الذي يتحدث اليوم عن "المعقول بصيغة الحداثة واليسار". إنها بالفعل البرغماتية والواقعية السياسية، لكنها بمقاس ومفهوم نبيل بنعبد الله، التي تعني "النفاق" بمدلوله اللفظي والاصطلاحي، أي تغيير المواقف والتصريحات بشكل كلي بناءً على طلب من يضمن له مناصب حكومية أكثر. كما أنها تعني فيما تعنيه " التملق" و"الانتهازية"، أي الانسياق والتعلق بمن يظن أنه الرابح في الانتخابات المقبلة. هذه هي حال نبيل بنعبد الله، الذي لو تجسّمت الانتهازية السياسية في شخص رجل لكان هو، بقسماته وهيئته ومواقفه المتلوّنة. ومن يدري، ربما يغير مواقفه في الأمد المنظور ! ألم يزعم في تصريحاته الأخيرة أنه ضد من يقف وراء حزب الأصالة والمعاصرة، ثم سرعان ما طلب نشر تصويب في محاولة للتنصل من تصريحاته. إنها قضية مواقف لا تصريحات أسي نبيل بنعبد الله.