الاثنين 16 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي:كيف نحرر تحليلنا من الميكانيكية ومن الجبرية السياسية ؟

مصطفى المنوزي:كيف نحرر تحليلنا من الميكانيكية ومن الجبرية السياسية ؟

أعتقد أن أكبر مغامرة سياسية هي أن يتوقف زمننا السياسي عند النقد /نقد ميكانيكي لعلاقة اليسار الذي اختار « النضال » المؤسساتي وتقييم مدى تبعيته للنظام السياسي ام لا ، والحال أن استراتيجية النضال الديمقراطي تقتضي الايمان بضرورة استثمار كل القنوات الممكنة التي تخول التواصل والاحتكاك بالجماهير ، ولا أعتقد أن اليسار اختار العمل المؤسساتي لأجل تغيير النظام من الداخل ، فضعف البنيات التنظيمية وتراجع « المد التقدمي » في العالم هو ما دفع إلى عدم ترك الفضاء العمومي مغلقا على ذاته ومحتكرا من قبل التحالف الطبقي الواسع / الحاكم ، وبالتالي لا نجد في الأدبيات رهان قوى اليسار على التغيير من الداخل ، بل العكس هو الطاغي في التصورات أي الرهان على « الشارع » وأغلبها لا يملك ولو امتداد بسيط في المنظمات الجماهيرية غير الفئوية ، وقد بينت تداعيات الحراك الفبرايري الارتجال والتجريبية التي حكمت السلوكات والتحالفات ، والأمر لا يحتاج إلى نقد ذاتي بل الى مراجعة نقدية أعمق ، بالمعنى الذي يعني تفكيك الموروث الثقافي ، وتحيين وساءل ومنهجية التحليل من أجل إعادة بناء تصورات جديدة متحررة من رواسب وتمثلات الماضي ، المؤسسة على مجرد انفعالات وردود الفعل الذاتية ، لذلك أقر بأنه هناك توافق موضوعي بالنتيجة وأخطاء في الممارسة ولكن أنزه كافة قوى اليسار عن امكانية أو واقعية تبعيتها للنظام ، وإلا سنكون ، والحالة هاته ، مضطرين لشرعنة الفزر الاجتماعي الحاصل والوضع السياسي كأمر واقع ، وكتحصيل حاصل ، وهذا استنتاج يأباه التحليل المادي الجدلي،فلنترك جسور الالتقائية وفرص التقاطع تأخذ مجراها التلقائي / الطبيعي .
ولنأخذ العبرة من تاريخ مؤسساتنا ووقائعنا الاجتماعية ، فليس يتولى مهام الخبرة والاستشارة السياسية والتأريخ والتوثيق الوطني سوى أغلب أطر المنظمات الجماهيرية والنقابية والهيئات الوطنية والديموقراطية ، بنفس وطني وأفق ديموقراطي ، ولا يعقل التسليم بالمطلق على أن التدبير السلمي والعقلاني للصراع السياسي والاجتماعي هو بمثابة استسلام أو إذعان ، فللنظام السياسي قاعدته الاجتماعية ، وفية له مذهبيا وتشريعيا ، من المؤسسات الأمنية والعسكرية إلى كافة القنوات الثقافية والدينية والتربوية والقانونية والمؤسسات الإدارية والمالية والاقتصادية ، الخاصة والعمومية ، ليبقى السؤال هل لا زالت الديموقراطية التمثيلية صالحة لخلق فرص التداول على السلطة ، في حدود التدبير المفوض ، والمساهمة في صناعة القرار السياسي والأمني والمالي ، أم إنه لا مناص من تأهيل المقتضيات الدستورية والتشريعية لتفعيل حقيقي وشفاف للديموقراطية التشاركية ..؟