الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري: العناصر الأساسية في فهم قرار مجلس الأمن                

نوفل البعمري: العناصر الأساسية في فهم قرار مجلس الأمن                 نوفل البعمري:

أصدر مجلس الأمن قراره المتعلق بالصحراء، الذي جاء في إطار سياق دولي متسم بعودة "الحرب الباردة" بين أمريكا و روسيا، تجلت بوضوح في صراع الدولتين بسوريا خاصة الموقف المتباين بينهما من الضربة الأمريكية الأخيرة، و اذا كان لموضوع ملف الصحراء خصوصياته المرتبطة بتطور هذا النزاع المفتعل محليا و داخل أروقة الأمم المتحدة خاصة منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، فإنه لم يستثنى من هذا الصراع الدولي و تأثيراته داخل مجلس الأمن حيث كان من المفترض أن يتم التصويت على مسودة القرار التي أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ أيام سابقة على تاريخ التصويت؛ إذ تم تأجيله بطلب روسي قصد إدخال تعديلات على المسودة المقترحة، و ذلك أنها أرادت أن توضح أنها فاعلة دولية، أساسية في كل الملفات و النزاعات الدولية المعروضة على مجلس الأمن للمناقشة و التصويت، و رغم ذلك فهي لم تقدم تعديلات جوهرية على مضمون المسودة و لم تمس جوهر مشروع القرار بل حافظت على خيطه السياسي الناظم الذي حدد توجهات الملف مستقبلا، بل أن روسيا اليوم عندما عرض المشروع التصويت امتنعت و لم تعارض أو تستعمل حق الفيتو، و هو ما يعني أنها في نهاية المطاف اختارت الوقوف على قدم وساق بين المغرب و الجزائر بفعل المصالح المشتركة التي لديها مع كلا البلدين التجارية مع الجزائر و السياسية و الدبلوماسية مع المغرب، أي أنها حاولت التوفيق  بين مختلف مصالحها التي لها مع كلا البلدين. و هذا الموقف هو نتيجة لاختيارات المغرب الاستراتيجية التي سبق للملك أن حددها سابقا في خطابه بالقمة المغربية/الخليحية أي اعتماد شراكات استراتيجية متنوعة و منفتحة حتى على الدول التي موقفها معادي للوحدة الوطنية المغربية عليه فتصويتها لا يمكن تفسيره على أنه ضد المغرب بل على العكس من ذلك هو لصالح المغرب و يعكس تطور العلاقات المغربية/الروسية.                               

بالإضافة إلى روسيا، الصين كذلك اختارت أن تصوت بالامتناع، و هو اختيار له ما يبرره و لا يعكس أي تغير في موقفها السياسي الداعم للوحدة الوطنية للمغرب، بل هو يعكس قلق ذاتي للصين لأنها تعاني أيضا من مطالب انفصالية بإقليم التيبت، و هو ما جعلها تتخذ هذا الموقف لتعبر عن تحفظها على قرار تمديد مهمة المينورسو لستة أشهر فقط و ليس سنة كاملة كالسابق.                                                                        

هنا لابد أن نطرح سؤال كيف يمكن تقييم و قراءة القرار؟ هل يمكن اعتباره لصالح المغرب و داعم لرؤيته للحل السياسي، أم أنه كما روجت دعاية الجبهة في بلاغها الصادر عقب صدوره أنه انتصار لها؟                      

الجواب على السؤال يحيلنا على البحث في الإشكالية الأساسية التي أطرت هذا القرار و الموضوع الذي تمحور عليه النقاش، على اعتبار أنه في كل سنة كان الملف يجد نفسه أمام موضوع يتمحور حوله القرار و الصراع، سنة 2007 انصب النقاش حول المقترح السياسي المغربي المتمثل في الحكم الذاتي حيث شكل موضوع إشادة دولية بعد أن  تقرر    "دفن" أطروحة استفتاء تقرير المصير باستقالة بيتر فان والسوم، بعده كان موضوع حقوق الإنسان هو البارز و مطلب توسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في المنطقة، و هو المطلب الذي تم إقباره بفعل اعتراف الأمم المتحدة بعمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة وطنية مستقلة معنية بالنهوض و حماية حقوق الإنسان في المغرب و المنطقة بشكل خاص من خلال عمل لجانه الجهوية، هذه السنة الموضوع الذي تمحورت حوله مختلف النقاشات كانت مرتبطة بعد فشل محاولة الجزائر فرض موضوع الثروات الطبيعية الذي اصطدم برغبة أوروبية في تجديد اتفاق الصيد البحري مع المغرب، كان موضوع المنطقة العازلة التي أصدر المغرب منها موقف واضح، و حازم اتجاه مختلف الخروقات التي قامت بها الجبهة، أي أن القرار يجب أن يناقش علاقة بهذا الموضوع، و نطرح سؤال كيف قيم مجلس الأمن موقفه من المنطقة العازلة؟ و المعنى الذي أعطاه للمنطقة العازلة؟ و رؤيته لما قامت به الجبهة، هل اعتبرها خروقات جدية أم تعامل معها بنفس الشكل السلبي الذي تعاطى بها معها الأمين العام للأمم المتحدة؟               

في هذه النقطة يمكن الإشارة قبل الإجابة على السؤال المتعلق بكيفية تعاطي مجلس الأمن مع الموضوع الإشكالي الذي تميزت به دورة هذه السنة، إلى أن القرار أعاد تصحيح مختلف الأخطاء التي"تسربت" لتقرير غوتيريس حيث أنه في تقريره أسقط منه عمدا الدور الذي يقوم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان من خلال لجانه الجهوية و أغفله في تقريره رغم أن مجلس حقوق الإنسان الذي يعتبر هيئة من هيئات الأمم المتحدة اعترف به كمخاطب في المنطقة و أعطاه الصفة "أ" باعتباره أنه يشتغل وفقا لمعايير باريس، حيث أن المغرب و منذ دسترة المجلس سنة 2011 أعطى دورا أكبر له و تفاعل إيجابيا مع مختلف الميكانيزمات الدولية خاصة منها المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان و المفوضية السامية لحقوق الإنسان، حيث أن القرار أنصف المغرب هنا، و اعترف بدور اللجان الجهوية لحقوق الإنسان.

كما أن تقرير غوتيريس قفز على معطى أساسي بشكل متعمد مطلب إحصاء اللاجئين، حيث أن القرار طالب بأن تقوم المفوضية السامية للاجئين بدورها كاملا في المخيمات، و أول دور هو إحصاء ساكنة المخيمات/اللاجئين و الذي يعد هذا المطلب موجه بالأساس للجزائر على اعتبار أنها بلد اللجوء و هي بذلك معنية بتنفيذ هذه التوصية و عدم التهرب من التزاماتها الدولية التي يحددها القانون الدولي لحقوق الإنسان و الإنساني في هذا الباب.                          

بعد هذا التصحيح الذي شمل تقرير غوتيريس و هو يعكس رؤية مجلس الأمن الذي ستلزم الأمين العام في تحركه مستقبلا علاقة بتدبير الملف، جاء القرار علاقة بموضوع هذه السنة " المنطقة العازلة"، واضحا في مواقفه فهو كان واضحا في توصياته المتعلقة بالمنطقة العازلة و احترام اتفاق وقف إطلاق النار و تسميته للجبهة علاقة بهذه التوصيات فهو إدانة لها و اعتراف أممي بأن من خرق الاتفاق و من يهدد السلم هي الجبهة و حدد ماهية المنطقة العازلة و التوصيات سنعيد فقراتها كما جاءت في القرار و هي:

“–أكد من جديد على ضرورة الاحترام الكامل للاتفاقات العسكرية التي تم التوصل إليها مع بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء فيما يتعلق بوقف إطلاق النار وتدعو الأطراف إلى الالتزام التام بهذه الاتفاقات.                   

 -يعرب عن قلقه لوجود جبهة البوليساريو في القطاع العازل بالكركرات ويطالب بانسحابها الفوري.

- يعرب المجلس عن قلقه إزاء إعلان جبهة البوليساريو عن نقل المهام الإدارية إلى بئر لحلو ، وتدعو جبهة البوليساريو إلى الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات مزعزعة للاستقرار".                                                          

    موقف واضح لمجلس الأمن يجيب أولا على ما تم القيام به سابقا من طرف الأمانة العامة للأمم المتحدة التي تلاعبت غير ما مرة بالكلمات خاصة على مستوى المعنى الذي حاولوا من خلاله تحديد ما هي المنطقة العازلة حيث ذهبت لإطلاق تصريحات تشير إلى أن المنطقة العازلة لا تشمل بئر لحلو، من خلال تصريحات الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة التي كانت تهدف إلى خلق خلط مقصود، فعمد هذا القرار إلى وضع النقط على الحروف عندما حدد القرار المنطقة العازلة هي كل ما يوجد شرق الخط الدفاعي الذي أقامه المغرب قبيل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، و أنه وضع لا يجب تغييره بل وجب الحفاظ عليه و ألا يتم القيام بأي تغيير في الوضع على الصعيد الميداني و على نفس الوضع القائم كما هو حاليا، بل القرار ذهب أبعد من ذلك عندما أكد على أن أي تغيير للوضع القائم يعد تهديدا للسلم والأمن في المنطقة، لذلك طالب الجبهة بشكل واضح بعدم القيام بأي أمر و تحرك يزعزع السلم و الاستقرار  في المنطقة و أوصى بعدم نقل أو بناء أية منشآت في المنطقة العازلة بما فيها بئر لحلو.                                        

عليه فالقرار عندما ينتصر لهذه الرؤية هو ينتصر لصوت المغرب بمجلس الأمن، و أن المغرب كان محقا في رد فعله القوي عندما قامت الجبهة بمحاولة نقل منشآتها الوهمية للمنطقة العازلة، و سيكون هذا القرار بفقراته هاته ورقة سيشهرها في وجه الأمانة العامة للأمم المتحدة و الناطق باسمها الذي تلاعب بالكلمات غير ما مرة و حاول خلط الأوراق ضدا على روح اتفاق وقف إطلاق النار و الفلسفة التي حكمته و حكمت قرار وضع المغرب رهن إشارة بعثة المينورسو للمنطقة العازلة لحفظ السلم و لم يكن الأمر تنازل عنها أو عن سيادته عليها.                      

 إذن رؤية و قراءة القرار هي محكومة بهذا المعطى؛ بموقف مجلس الأمن من الصراع الأخير الذي كاد أن يعصف بالأمن و السلم في المنطقة، و هو انتصار لرؤية المغرب الحازمة اتجاه أية محاولة لتغيير الوضع القائم ميدانيا.             

بالعودة لقرار مجلس الأمن، هناك نقطة تمديد بعثة المينورسو لستة أشهر بدل سنة كما المعمول به سابقا، و قد اتجه  الخصوم نحو محاولة طمس حقيقة هذه التوصية و خلفياتها، حيث عمدوا إلى إيهام الرأي العام بالمخيمات على أنها انتصار لهم،لكن الحقيقة البادية من خلالها هي أن مجلس الأمن و هو يصدر هذه التوصية كان محكوما بالمنهج الجديد الذي تأثر برؤية ترامب لعمل مجلس الأمن و الأمم المتحدة ككل، إذ أن الإدارة الأمريكية اليوم التي تعتبر الداعم الأول بميزانية تصل لمليارات الدولارات للأمم المتحدة و من خلالها بعثة المينورسو تريد أن تعيد النظر في طريقة هذا الدعم و صرف هذه الأموال و أنها لا تريد توقيع شيك على بياض للمينورسو بل الدعم الذي ستقدمه مقرونا بدورها و نتيجة عملها خاصة منه حفظ السلم بالمنطقة العازلة.                                               

كما أن تمديد بعثة المينورسو لستة أشهر فقط ليس موجه للمغرب بالأساس، و لا ضاغط عليه قصد الدخول في مفاوضات مباشرة مع الجبهة، بل الموقف واضح و هو نابع من إحساس مجلس الأمن بخطورة الوضع الأمني في المنطقة، و أن ستة أشهر هذه ستكون مناسبة لتقييم الوضع ميدانيا و مدى التزام الجبهة باحترامها لوقف إطلاق النار و عدم قيامها بأي إجراء يهدد السلم في المنطقة العازلة كاملة وفقا للقرار و كما حددها و فسرها- أي المتطقة العازلة- مضمونه؛ و غير معني  بها المغرب و لا بموقفه من كيفية تدبير المفاوضات التي لا يرفضها المغرب مبدئيا بل له وجهة نظر حول كيفية تدبيرها لأنه و كما أكد الملك في خطاب المسيرة الخضراء الأخير  أنها ليست غاية في حد ذاتها كما هي بالنسبة للخصوم ابذي يبحثون من خلال غلى أخذ صورة مع الوفد المغربي لتسويقها أنها انتصار سياسي،بل هي بداية الطريق نحو الوصول للحل السياسي.                                                       

هذه هي العناصر الأساسية،المحددة في قراءة و تفسير هذا القرار الذي أنصف المغرب و أكد على أن الشراكات الاستراتيجية كما حددها الملك أقوى من سياسة استقطاب الأصوات بهدايا تتعلق بشراء السلاح كما تقوم بذلك الجزائر، و أن مضمون هذا القرار بتصوياته هي نتيجة ترافع مغربي و الوضوح الذي عبر عنه الملك مؤخرا في الرسالة القوية التي وجهها لغوتيريس و عكست موقف المغرب الواضح و الصارم من أية محاولة للالتفاف على الوضع الحقيقي في المنطقة أو تقديم قراءات خاطئة حوله كما أن الثقة التي يحظى بها اتجاه الأصدقاء ساهمت في إصدار هذا القرار المتزن.