الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد فردوس: في الحاجة إلى برجوازية وطنية قلبها وكبدها على الوطن

أحمد فردوس: في الحاجة إلى برجوازية وطنية قلبها وكبدها على الوطن أحمد فردوس

مصروفنا الشهري لا يسمح لنا باقتناء مادة الحليب، أو شراء الماء المعدني، وقد نقتنص فرصة تذوق طعم هاتين المادتين بسخاء أثناء المرض، بعطف من أفراد العائلة خلال عياداتهم لنا، أما فيما يخص البنزين فلم أفكر يوما في استعمال دراجة نارية أو شراء سيارة للعائلة بسبب قلة المال. ومع ذلك لا بد لي أن أساهم في النقاش العمومي حول ملف المقاطعة لبعض المواد الاستهلاكية.

سلوك المقاطعة للمنتوجات الاستهلاكية الغالية الثمن ممارسة نضالية حضارية وراقية، في ظل تواطؤ الحكومة مع الباطرونا ومافيا الريع بمختلف تمظهراته (انت عندك سلعتك وأنا عندي فلوسي سمح لي.. هاذ الشي غالي... الله يخلف... الله يعمر). وسأبدأ بسؤال أولي على اعتبار أنني أشكك في مصداقية دعوة المقاطعة التي هيجت لها أيادي اقترفت جرم تجريد الشعب المغربي من مكتسباته وحقوقه التي ناضل وقدم من أجلها أرواحا طيبة وشهداء ومعتقلين: ألم يكن من الأفضل إن كانت النوايا حسنة، أن نطالب (مثلا) بمقاطعة مادة الحليب التي تنتجها كل الشركات، دون ذكر الماركة التجارية؟ نفس الشيء بالنسبة للمحروقات والمياه المعدنية؟ ليس في ذلك أي عيب.

أعتقد أنه يجب تحديد المسؤوليات والتبعات والخلاصات، ونصارح الشعب من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة من قبيل: من المسؤول عن الزيادات الفاحشة في المواد الاستهلاكية؟ من حرر الأسعار؟ من أجهز على صندوق المقاصة؟ من ألغى أرقى وسيلة للتفاوض في إطار الحوار الاجتماعي؟ من بخس العمل السياسي والنقابي والجمعوي؟ من رفض سن ضريبة على الثروة؟ ومن أطلق مقولة عفا الله عما سلف؟ ومن يتحمل اليوم مسؤولية الحراك الاجتماعي والتراجعات الخطيرة عن المكتسبات الحقوقية؟

لا أحد بطبيعة الحال يمكن له أن ينكر بأن رئيس الحكومة السابق السي بنكيران وصحبه قد ركبوا على صهوة حراك 20 فبراير، وحققوا حلمهم في بسط الحكم والتحكم على الشعب المغربي باسم الدين والأمانة والطهرانية، واستأسدوا بمبايعتهم للمؤسسات المالية المانحة دوليا، وأبانوا عن علو كعبهم كنجباء في قسم صناديق الإملاءات الدولية، وصرفوا نظريات التآمر على المغاربة اقتصاديا. وأرعبوا الدولة بتمددهم الإخواني فتركتهم وشأنهم حتى تمكنوا واستفردوا بمفاصل الدولة وأجهزتها. وسخروا كتائبهم للحرب الكلامية كلما تطلب الأمر ذلك.

إن ديمقراطيتنا المريضة هي سبب تفشي كل علل الانتهازية والوصولية والاتكالية. كما أن الاقتصار والتركيز في توزيع مناصب التحكم داخل مؤسسات الدولة بين المنتسبين لعالم نخب المال والسياسة والدين، هو المرض الخبيث الذي جعل الوطن رهين أيادي الفساد والعبث، بالإضافة إلى أن إنعاش رئة المخزن وطبقة الريع السياسي والاقتصادي والديني بأوكسيجين الرعاية والعناية، هو سبب كل مشاكلنا الداخلية والخارجية. هذه صراحة هي سلسلة منتوج سياسة نخب متهالكة تحتاج إلى المحاسبة الفعلية والمحاكمة العلنية أمام الشعب والوطن لأنها حقيقة هي سبب فشل نموذجنا التنموي كما قال رئيس الدولة.

من المؤكد أن زواج الشيوعيين بعقود نكاح سياسوية إسلاموية، وتواطؤ تقدميين في أحزاب وطنية مع رجعيين بأحزاب من صنيعة المخزن البائد، قد أشعل حرب انتهازية المواقع السياسية، والتدافع الوصولي للمناصب الحكومية. لأن من يحكمنا من الطبقات السياسية المنعم عليها بالمناصب والكراسي، قد استلذوا الغنائم واستطابوا المقام، وألفوا الأرائك وخرير المياه في أفخم الفنادق على حساب المال العام.

هكذا زرعت الألغام، واشتعل فتيل ديناميت المقاطعة للمواد موضوع الغلاء الفاحش، وتم تجييش البعض للانحياز لهذا الطرف دون الآخر، وتعبيد الطريق لطرف على آخر، وإتهام طرف لطرف... هو فعلا سلوك حربي غادر يرفضه الوطنيون المخلصون، والمناضلون الشرفاء داخل الأحزاب التي تحترم نفسها. والتي لا ترضى بتحويل المواطنين لحطب نار الصراع السياسي الانتهازي والوصولي.

نعم من المؤكد أن الطبقة المتوسطة قد نحرها من الوريد إلى الوريد جشع الطبقة السياسية المتاجرة بأسهم الاقتصاد والدين والسياسة، واستعملت لذبحها أياد بوسائل وأجهزة شرعية من داخل مؤسساتنا الوطنية في الوقت الذي كان رئيس الحكومة السي بنكيران يتهرب ويختفي وراء ستار المؤسسة الملكية رغم السلطات التي منحها له دستور 2011 .

لذلك كمواطن مغربي، أرفض اليوم أن يأتي المتأسلمون، كتائب الإسلام السياسي للدفاع عن المواطنات والمواطنين بحجة الغلاء الفاحش في الأسعار، ومازالت أيادي زعيمهم بن كيران ملطخة بمداد الغدر الذي وقع به على تأشيرة قتل ما تبقى من كرامة أبناء الشعب المغربي. لأن قيادييهم في حزب العدالة والتنمية هم من أقوى لوبيات المستثمرين في المغرب في التعليم الحر، وكانوا دائما ضد مقاطعة التعليم الخصوصي، ولا ينتصرون للدفاع عن المدرسة والجامعة العمومية ، بل هم السبب الرئيسي في تحرير أسعار المواد الأساسية.

لمحو الذنوب، وإعادة الثقة بينكم وبين الشعب، اقترح على أثرياء العدالة والتنمية الذين يتحكمون في رقاب الشعب المغربي دينيا وسياسيا واقتصاديا أن يقدموا المثال في الوطنية الصادقة، ويؤكدوا بأن كبدهم على المغرب، من خلال الاعتراف:

ـ أولا بأن سياسة حزبهم كانت سببا في إنتاج الفقر، والزيادة في عدد العاطلين، وتقوية حزب الأثرياء، وتفتيت الطبقة المتوسطة، والإجهاز على مكتسبات الشعب المغربي.

ـ ثم بعد ذلك ينخرطون في حملة التنازل عن الرواتب الإضافية، وتسليم العقارات والأرصدة البنكية لمؤسسات الرعاية الاجتماعية (دور الأطفال والأيتام، والعجزة والمشردين...).

ـ تحويل مؤسسات التعليم الخصوصي التي يملكون إلى مدارس ومراكز صحية ومستشفيات عمومية.

ـ دعوة كتائبهم الشبابية وأجهزتهم الحزبية والدعوية إلى ترجيح العقل والعمل من أجل تحصين الوطن من مخاطر التطرف والإرهاب والعنف.

ـ المصالحة مع الشعب المغربي من خلال ترك المساجد لله ولعب أدوار السياسة بمؤسسات الدولة والإيمان بأن الوطن للجميع.

آخر الكلام: نعم نحن في أمس الحاجة إلى برجوازية وطنية قلبها وكبدها على الوطن. وليس لبورجوازية متعفنة مقيتة تقتات من دماء الشعب ومقدراته الوطنية .