الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد المرابط: محاكمات معتقلي حراك الريف في صلب النقاش المجتمعي، فهل يتجاوب القضاء؟!

محمد المرابط: محاكمات معتقلي حراك الريف في صلب النقاش المجتمعي، فهل يتجاوب القضاء؟! محمد المرابط

لقد طالبت ولمرتين، عقب إثارة الأستاذ الطرشي في جلسة محاكمة الأستاذ جلول لمسألة "الحكم الذاتي"، الأستاذين عبد الوهاب تدموري وسعد الدين العثماني، بالنزول إلى معترك النقاش السياسي، لمساعدة العدالة لاعتبارات حقوقية وأخلاقية. الأول باعتباره المنسق العام لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب الذي ينتمي إليه الأستاذ جلول، وهو الإطار الذي أعلى من مفهوم "الأوطونوميات"، في الحكامة الترابية للبلاد. والثاني باعتباره أحد قادة ما أسميه بـ "أصولية المخزن"، التي تسعى للانقلاب على مضمون ووظيفية مرجعية إمارة المؤمنين. فقد سبق أن حرض الريفيين على طلب "الحكم الذاتي"، فكان أن جعل أبناء الريف في حكم المطاردة المخزنية، في حين ينعم هو وحزبه بريع المؤلفة قلوبهم. لذا من الواجب الأخلاقي أن يسارع لرأب الصدع في انزياح الدلالات في هذا المفهوم.

يظهر لحد الآن أن التدموري التقط الرسالة، وبادر إلى تبيان محدودية مفهومي "الحكم الذاتي" و"الشعب الريفي"، لاستيعاب حقائق التاريخ المغربي ضمن الحداثة السياسية، من خلال مقال: "في رحاب السجالات حول: الشعب الريفي والشعب الصحراوي والحكم الذاتي والانفصال والجمهورية". وما "يشفع" للتدموري فيما نختلف معه فيه، هو سعيه للاجتهاد، بطرح الجغرافيا الوطنية ضمن أحكام التاريخ والسوسيولوجيا في المغرب، لتجاوز كل أوجه التنميطات الجاهزة. ولا تهم التفاصيل بعد ذلك كثيرا، ضمن هذا الإطار الكلي الجامع.

بقي أن ننتظر مساهمة العثماني، لتخليص ذمته الشخصية والحزبية أولا، وللانتصار ثانيا لأفق متطلبات تماسك اللحمة الوطنية بحكم مسؤوليته كرئيس للحكومة، لأن القضاء في حاجة إلى مساهمة تعبيرات المجتمع والدولة لإقرار العدالة في ملف حراك الريف، خصوصا في عهد غذى آمال المغاربة في العزة والكرامة، والإنصاف والمصالحة.

انتظارنا للعثماني، لتوضيح مفهوم سبق أن غذى الالتباسات حوله، وكان له ضحايا، سيكون ذا مغزى في مزج كيمياء مرحلة مغايرة، لمرحلة أحداث 1984 بالشمال، حيث لا نخفي الرغبة في أن تكون مرحلة اليوم متميزة، في ثقافة معالجة الإشكالات العامة، عن مرحلة سنوات الرصاص.

أكيد أننا في عهد جديد، رفع المشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي، وأنجز خطوة العدالة الانتقالية من خلال الإنصاف والمصالحة، وجسد هذا المنجز مؤسساتيا في آلية المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كما جسده عبر الالتزام بمرجعية القيم الكونية لحقوق الإنسان، في دستور 2011. لذلك لا يمكن أن أتصور أحكاما في ملف الحراك، تطاول تلك التي صدرت سنة 1984، بصرف النظر عن "تكييفات" المتابعات، والتي سبق أن طالبت بإعادة النظر فيها على ضوء خطابات صاحب الأمر/ أمير المؤمنين، علما أن ثقل أحكام الثمانينيات، تحكم فيه إقحام المرحوم الحسن الثاني لشخصه في الموضوع، فأصبح طرفا فيه، حتى بالانزياح من رصد مضامين مناشير محدودة، إلى وعيد أهل الشمال بأكمله، فنزل الجيش بدباباته إلى الشارع. كل هذا أثر سلبا على مضمون المحاكمات.

أما في حالتنا اليوم، فنجد صاحب الأمر، على الحياد الإيجابي، لم يغضب لشخصه، رغم الاستفزازات التي تستهدفه. وانتصر للحراك في جوانبه الإيجابية، وكان ثوريا في انتقاد الأوضاع. وأبان عن حكمة في التصرف، فبقي بذلك في موقع الحكم الذي يستظل به الجميع. وهذا معطى في غاية الأهمية، لمناشدة العمق الإنساني للملك أولا، ومناشدة موقعه المؤسساتي كحكم ثانيا، ناهيك عن تعدد المبادرات المدنية، والمواكبات النقدية لأخطاء المخزن والحراك على حد سواء. ولعل هذه الدينامية المتكاملة مفيدة لمخرج مغاير.

ويبقى في تقديري على ناصر الزفزافي التحلي بالشجاعة اللازمة في ممارسة النقد الذاتي -بدل المصادرة على شهادة والده فيه بالاندفاع- لتيسير سبل الحل السياسي لملف الحراك. كما يبقى على اعزي أحمد الزفزافي أن يراهن في تحركاته على الداخل، عوض التركيز على الخارج. فأوروبا من خلال الأطراف المتحركة في ملف الحراك، ستوظفه ليس لإطلاق سراح المعتقلين، بل لضمان مصالحها  في معادلاتها الداخلية هناك، ولضمان مصالح الاتحاد الأوروبي مع المغرب.

ولتحصيل الحس السياسي/ سلطة الملاءمة للقضاء، من منطلق التغذية الراجعة مع النقاش العمومي، أشير إلى أن حراك الريف رغم مشروعيته ملفه المطلبي، فإنه قد شابته خائنة الأعين في التباساته، وملامح "الزيغ" الأمني والقضائي في مقاربته، وحسابات سياسية مخزنية خاطئة، ينبغي هي الأخرى استحضارها في مداخل تخفيف الأحكام، مما يستوجب مسحة من التريث القضائي بقدر متطلبات معرفة الحقيقة. ولتركير الانتباه في هذا الباب، تنبغي الإشارة إلى أن الضغط الإعلامي الذي تم على الجمهوريين باعتبار سقوطهم بعدميتهم في إدانة المعتقلين، حملهم على إعلان الانسحاب من الحراك، لتأكيد أن قسوة الأحكام المنتظرة، لا علاقة لها بذلك. وفي هذا باب لتأمل قواعد السياسة في الموضوع.

ويبقى خارج هذا التحليل، الأمل على عفو صاحب الأمر، وذلك من منطلق الحرص على آصرة التجاوب مع نبض المجتمع، وكذا صيانة مسلسل مصالحة الدولة مع الريف الذي دشنه بنفسه، والذي لا يسمح بتاتا بالعودة إلى الوراء!