السبت 20 إبريل 2024
سياسة

أحداف يرصد الأخطاء العشرة التي وقعت فيها المحامية الفرنسية راشيل ليندون في ملف بوعشرين

أحداف يرصد الأخطاء العشرة التي وقعت فيها المحامية الفرنسية راشيل ليندون في ملف بوعشرين الأستاذ محمد أحداف والمحامية الفرنسية راشيل ليندون

مغالطات قانونية جمة تضمنها بلاغ محامية فرنسية تدعى "راشيل ليندون"، عن دفاع توفيق بوعشرين، مدير نشر "اخبار اليوم"، والمتابع بجنايات الاتجار بالبشر، وهو ما جعل محمد أحداف، أستاذ العلوم الجنائية بكلية الحقوق بمكناس،  يصف ما تضمنه هذا البلاغ بأنه ترهات لا تغني ولا تسمن من جوع. فيما يلي ردود أحداف، كما استقتها منه جريدة "انفاس بريس":

"يأتي بلاغ المحامية الفرنسية أياما قليلة بعد بلاغ زميلها البريطاني، ويبدو أن هذه البلاغات من ضمن الخطط المعتمدة في ملف توفيق بوعشرين، وتعكس نزوعا نحو تدويل القضية بطريقة ممنهجة، عنوانها الكبير هو التشكيك في القضاء المغربي، والطعن في حياديته ونزاهته. وفي هذا الإطار تنخرط المحامية الفرنسية ببلاغها، الذي سنبين فيه أخطاءها القانونية الفادحة والفاضحة، التي لا يتصور أن يرتكبها طالب في كلية الحقوق.. إن حرب البيانات يكشف عن جهل فاضح من طرف المحامي الإنجليزي وزميلته الفرنسية بأحكام ومقتضيات قانون المسطرة الجنائية (ق.م.ج). ونعتقد أن كل شخص يحترم نفسه، عندما يدلي في قضية قانونية ببلد ما، عليه أن يكون ذا معرفة بهذا القانون.. وهذا ما لم يتوفر لا في المحامي السابق ولا في المحامية اللاحقة، وبالتالي لا يمكن تصور أن شخصا لم يسبق له أن قرأ كتابا واحدا لأحد الفقهاء المغاربة في (ق.م.ج)، بأن يعلق على قرار أو إجراء مسطري أو موضوعي.. والخطير أن زعم هذه المحامية امتلاكها للحقيقة وإعطاءنا دروسا في مجال خبرناه لأكثر من 27 سنة، والحال أنها الأحوج بتلقي دروس في المسطرة الجنائية..

- الخطأ الاول: تتحدث هذه المحامية الفرنسية باستعلاء شديد، يذكرنا بزمن الغطرسة الاستعمارية، معتقدة امتلاكها ناصية الحقيقة، وهي في الحقيقة لا تملك ذرة من هذه الحقائق، في ادعائها بأن القضاء المغربي أخل بشروط المحاكمة العادلة فيما يتعلق بعدم عرض المتهم بوعشرين على المحكمة داخل أجل معقول، مستشهدة بالعهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، والذي صادق عليه المغرب في منتصف الستينيات من القرن الماضي.. وهذا ما سار عليه دستور المملكة، وهو يتحدث عن الأجل المعقول في التقاضي، ولكن ليس هناك تحديد لهذا الزمن المعقول، سواء في القوانين الدولية أو الوطنية.. ومعلوم أن هذه التفاصيل تترك للممارسة العملية بما لا يمس بشروط المحاكمة العادلة، سواء في الاستعجال أو البطء.. ولا يمكن إسقاط الزمن القضائي في معالجة الملفات في فرنسا على أمريكا أو أنجلترا، ويعود تقدير ذلك لسلطة القضاء، وأنا على استعداد لتمكين هذه المحامية من قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي أدانت القضاء الفرنسي لعدم احترامه للآجال المعقولة للبت في النزاعات المعروضة عليه، والمحامية تعلم أين توجد هذه القرارات التي كانت موضوع دراسة من قبل الفقهاء الفرنسيين.. وآخر القرارات، عندما ألزمت المحكمة الأوروبية المحكمة الفرنسية بتعويض المتهم الذي استغرق أجل محاكمته سنة في جنحة واحدة، بأداء مبلغ 75 ألف أورو.. فعلى هذه المحامية أن تلتفت لانتهاكات قضاء بلدها، قبل انتقاد قضاء بلد آخر.

- الخطأ الثاني: تتحدث المحامية عن اعتقال بوعشرين من قبل فريق يتكون من 40 عنصرا أمنيا. وهذا زعم تم ترويجه من قبل المحامي البريطاني بناء على ما دفع به محامون مغاربة المنتصبون للدفاع عن بوعشرين، وعلينا أن نشير بأن (ق.م.ج) لم يحدد عدد الضباط وأعوان الشرطة القضائية في حالات الاعتقال أو التوقيف لمشتبه فيه.. والقاعدة الفقهية تقول إن كل ما ليس ممنوعا هو مباح.. ومستعد لتمكين المحامية الفرنسية بأشرطة فيديو، وهي متوفرة للعموم، تبين عدد عناصر الشرطة الفرنسية وهي تداهم بيتا من بيوت المهاجرين في ضواحي باريس وبوردو ومارسيليا.. وهي المداهمات التي تنقلها باستمرار عدد من المحطات التلفزيونية الفرنسية، وتظهر أكثر مما طرحته المحامية في قضية بوعشرين، ولا يوجد نص، سواء في قانون الإجراءات الأمريكي أو الكندي يتحدث عن عدد محدد، على سبيل الحصر، لضباط الشرطة وأعوانهم في حالات الاعتقال والتوقيف. وهذا متروك في المغرب لسلطة وكيل الملك أو الوكيل العام للملك، حسب الظروف العامة المتعلقة بخطورة الجرم أو إمكانية تبديد الأدلة الثبوتية، وكذا لحماية الموقوف نفسه.. وعليه فإن اجترار عدد، كثر أو قل، لا يعد خطأ إجرائيا في اعتقال بوعشرين، بقدر ما على دفاعه أن يطرح دفوعات شكلية منتجة ولها أساس قانوني في المسطرة الجنائية.

- الخطأ الثالث: تحاول المحامية الفرنسية إعطاءنا دروسا في معنى التلبس، ومستعد لأن أنسق لها لقاء مع طالب عندي في الكلية، ليعطيها الشرح الوافي للتلبس، لأنه عليها الرجوع للمادة 56 من (ق.م.ج) التي حدد فيها المشرع حالات التلبس الأربعة، وهي تتحدث عن حالتين فقط، تريد التمويه، من خلالهما بأن موكلها ينتفي فيه التلبس، ومعناه عدم وجود مبرر لاعتقاله، ولكنها بهذا التمويه تبين أنها جاهلة ولا تعرف أن المشرع المغربي حدد الحالة الثالثة من حالات التلبس، أي أن يضبط بحوزة الفاعل أدوات أو حجج يستدل منها أنه مرتكب الجريمة.. وهنا تجاوزنا المحدد الزمني في التلبس الذي أثارته المحامية الفرنسية، ونحن الآن نناقش ما تضمنه بلاغها، ولا أدين كما لا أبرئ توفيق بوعشرين، فالقضاء هو المخول لذلك.. وعليه فإن بوعشرين يوجد في الحالة الثالثة للتلبس، كما تحدثت عنها المسطرة الجنائية، وهذا يبين أن هذه المحامية لا تملك قدرا علميا ومعرفيا بقانون أساسي في أي محاكمة، وبالضبط للمادة المنظمة لحالات التلبس.

- الخطأ الرابع: تصف قرار اعتقال بوعشرين بأنه إداري، وهذا قمة الجهل والضحالة، ولو كنت في مكان بوعشرين أو أحد أفراد أسرته، لطلبت انسحابها من الدفاع فورا، فهي غير جديرة بالدفاع عن متهم في قضية شائكة، إذ لا تميز بين القرار الإداري والقرار القضائي.. فالأول يتخذ من قبل سلطة إدارية، ويكون قابلا للطعن أمام القضاء الإداري، والثاني من قبل قضاء النيابة العامة.. والسؤال المطروح: هل النيابة العامة جهاز إداري أم قضائي؟ الجواب واضح في (ق.م.ج)، النيابة العامة جهاز قضائي يترأسه الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، وينوب عنه نوابه، وكلاء الملك في المحاكم الابتدائية والوكلاء العامون للملك في المحاكم الاستئنافية، وكلهم قضاة من القضاء الواقف، وبالتالي فالطبيعة القانونية لقراراتهم هي قرارات قضائية، طبقا للمادتين 49 و73 من (ق.م.ج)، وبالتالي لا يمكن القبول بـ "استعباط" هذه المحامية بأن بوعشرين معتقل بقرار إداري، والحقيقة أنها بهذا التصريح وضعت نفسها في موقف لا تحسد عليه، ويجعلها أضحوكة أمام طلبة كليات الحقوق.

توقيف واعتقال بوعشرين من الصلاحيات القانونية الممنوحة للوكيل العام للملك، وهي صلاحية مجردة، وليست متعلقة بفلان أو علان.. نحن أمام أخطاء قاتلة لهذه المحامية، إذا كانت عن قصد، فتلك طامة وإذا كانت عن جهل، فتلك طامة كبرى.. ومهما يكن، فالعذر أقبح من الزلة القانونية، وكأننا أمام محاولات إشاعة أغلاط يراد منها تمويه الراي العام الوطني والدولي للتشكيك في القضاء المغربي. ثم لماذا، والحال كما تدعيه باعتقال إداري لبوعشرين، لم يتقدم دفاعه بالطعن في قرار اعتقاله أمام القضاء الإداري، بمبرر أنه قرار يتميز بالشطط في استعمال السلطة؟! الجواب أن دفاع بوعشرين يعلم علم اليقين أن قرار الاعتقال قضائي وليس إداريا.

- الخطأ الخامس: إن ما تحاول التمويه به هذه المحامية الفرنسية بادعائها أن اعتقال بوعشرين تم بقرار إداري، هو تغليط الرأي العام بكون موكلها غير معتقل في مؤسسة تابعة للقضاء، بل تابعة لإدارة ما.. وفي كل التشريعات، فإن سلب حريات الأشخاص هو من صميم سلطات القضاء، ولا وجود لسلطة إدارية تملك هذا الحق، وعلى هذه المحامية أن تعلم بأن (ق.م.ج) يعطي الحق للوكيل العام بالإحالة من عدمها على قاضي التحقيق، فالتحقيق يكون إجباريا في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو المؤبد أو 30 سنة، وحالة بوعشرين تفتقد لذلك، وعليه لا يمكن أن يحيله الوكيل العام على قاضي التحقيق، معتبرا بأن القضية جاهزة بتوفر وسائل الإثبات، بالمقابل اتخذ الوكيل العام قرارا بإحالة المتهم على جلسة الأحكام في حالة اعتقال، طبقا للمادة 74 من (ق.م.ج).

- الخطأ السادس: تعود المحامية الفرنسية لتقول بأن قرار الاعتقال لم يصدره قاضي الحكم، وسبق لنا أن بينا بأن الوكيل العام للملك الذي هو قاض أيضا، أصدر أمرا باعتقال المتهم بوعشرين وإحالته على جلسة محدد زمانها ومكانها.. ونتساءل إن كان لزاما علينا، ولسواد عيون المحامية، أن نتغاضى عن كل النصوص المسطرية ونجاريها في ترهاتها القانونية، "باش تبقى على خاطرها"، فهي بهذا تخبط وتخلط بين (ق.م.ج) الفرنسي ونظيره المغربي، لأنه فعلا في فرنسا لا يصدر ممثل النيابة العامة أمرا باعتقال المتهمين ووضعهم في السجن، بل هو من اختصاص قاضي الحريات المحدث من قبل المشرع الفرنسي، بخلفية تؤكد على أن النيابة العامة خصم للمتهم، ولا يجوز للخصم أن يعتقل المتهم، على أن قرار قاضي الحريات قابل للطعن، وهذه الوضعية غير موجودة في قانوننا الوطني لاعتبارات معينة، حيث يقتصر على النيابة العامة وقاضي التحقيق وقضاء الحكم، فهي بهذا الدفع غير المبني على أساس قانوني تريدنا أن نطبق قانونا فرنسيا في محكمة مغربية، وهذا غير ممكن..

- الخطأ السابع: عندما تقول هذه المحامية بأنه لا يمكن الطعن في قرار اعتقال بوعشرين، فهي إما جاهلة أو كاذبة، ولها أن تختار، وإن كنت أجزم أنها جاهلة، لأنه حين يصدر الوكيل العام للملك قرار الاعتقال، ويحال المتهم على جلسة الحكم في حالة اعتقال، ينتقل اختصاص البت في وضعيته القانونية لقاضي الحكم، فلماذا لم تتقدم المحامية، وقبلها المحامون، بملتمس متابعة موكلهم بوعشرين في حالة سراح مؤقت وفق ما يقضي به (ق.م.ج)؟! وهذه هي الإمكانية الوحيدة للطعن في قرار الوكيل العام، وبالتالي فهي تريد إحداث "شوشرة" أكثر من إثارة نقاش قانوني منتج.

- الخطأ الثامن: تدعي المحامية الفرنسية أن النيابة العامة تتوفر على أسلحة لا يتوفر عليها دفاع المتهم. مرة أخرى أتساءل إن كانت هذه السيدة فعلا ممارسة حقا لمهنة المحاماة، أو على الأقل زاولتها عمليا وليس نظريا.. فمن باب المبادئ الأولية التي ندرسها للطلبة في كليات الحقوق، أن الخصومة الجنائية هي مبارزة ومعركة بين المتهم وخصمه، ممثلا في النيابة العامة، وهذا يدرس أيضا في كليات الحقوق بفرنسا، حيث درست هذه المحامية، ومن الطبيعي أن النيابة العامة التي أنجزت البحث التمهيدي وتحرت في وسائل الإثبات وحررت المحاضر، يجعلها طرفا ملما بكل حيثيات الملف.. بالمقابل على دفاع المتهم أن يشحذ كل أسلحته القانونية لدحض التهم وإسقاطها بدءا من إثارة الدفوع الشكلية إلى مناقشة جوهر الدعوى العمومية والاستعانة بشهود النفي.. وهذا هو المعمول به في جميع الأنظمة القضائية. ومن غير المستساغ القول إن المركز القانوني للنيابة العامة أقوى من مركز المتهم ودفاعه، بدليل أن النيابة العامة مفروض عليها تمكين المتهم ودفاعه من جميع المحاضر والتأكد من وسائل الإثبات، بل لا يمكن مناقشة وثيقة أو دليل ليست من ضمن مشتملات الملف المعروض للمحاكمة.

- الخطأ التاسع: هو تاسع ترهات هذه المحامية الفرنسية، عندما تدعي أن بوعشرين يحاكم دون أن يحاط علما بالأعمال المنسوبة إليه ولا بزمان ومكان ارتكابها، فهي مستمرة في غيها وخزعبلاتها عمدا أو عن جهل. إن النص الدستوري يلزم ضابط الشرطة إشعار المشتبه فيه بالأفعال المنسوبة إليه لحظة إيقافه، وهذا ما كرسته التعديلات اللاحقة التي تؤكد على فورية الإشعار بلغة مفهومة لدى المشتبه فيه، وفي كل المحاضر المنجزة يتم التنصيص على عبارة "وقد أشعرناه بطبيعة المنسوب إليه".. وأزيد وأقول، بأنه حين يحال أي متهم على جلسة الحكم، يخبر بالمنسوب إليه، بعد التأكد من هويته وبياناته، وهذا ما حصل مع بوعشرين، بحضور دفاعه ودون ذلك بمحضر الجلسة.. فأي هراء تريد هذه المحامية إقناعنا به؟! كما أنه في الجلسة الأولى يتسلم الدفاع نسخا من المحاضر المفصلة المنجزة والمتضمنة للتهم المنسوبة إلى موكلهم بالزمان والمكان، وقبل ذلك كان المحامون يتخابرون مع المتهم، مما يعني أن الجميع، بما فيهم الرأي العام الوطني والدولي، ومن بينهم المحامية نفسها، على اطلاع تفصيلي بالمنسوب لبوعشرين، وقد سبق للوكيل العام للملك أن أصدر بلاغا يتضمن المنسوب إلى المتهم بوعشرين.. والغريب أن هذه المحامية تؤاخذ النيابة العامة على تكتمها على هذه التهم. ولا تعرف أو تعرف، أنه لزاما على النيابة العامة الالتزام بالسر المهني خلال البحوث الأولية قبل الأمر بالإحالة على المحكمة.. إن المادة 15 من (ق.م.ج)، تنص على إلزامية اتخاذ السرية التامة في المساطر المتعلقة بالبحث والتحقيق مع أي متهم.. والغاية من السرية منع شركائه المحتملين أو الشهود أو الأشخاص الذين يتحوزون وسائل الإثبات من إتلافها أو تبديدها، وبالتالي فغاية السرية مبررة قانونا وواقعيا، لكن عند الإحالة على المحكمة نكون أمام علنية المحاكمة ضمن شروط المحاكمة العادلة.

أما عاشر الأثافي: فأعتبره قلة أدب في حق الشعب المغربي والقضاء المغربي بتهديدنا "بتدخل المجتمع الدولي لإحقاق الحق".. وأنا أتساءل إن كانت فتحت فاها في القضية التي توبع فيها عمر الرداد، وغيرها من القضايا التي تتراكم فيها الأخطاء بمحاكم فرنسا، والقضاء الفرنسي لا يخجل من أخطائه، منذ قضية اليهودي "دريفوس"، لأن جل من لا يخطئ؛ والخطأ القضائي من التصرف البشري.. وفي أمريكا أعدم أشخاص، تبين فيما بعد أنهم أبرياء.. لكن أن تهددنا المحامية الفرنسية باللجوء للمجتمع الدولي في قضية بوعشرين، فإننا نذكرها بأننا دولة مستقلة ذات سيادة، وميثاق الأمم المتحدة يقضي بوجه صريح على أنه لا قانون يحل محل التشريعات الوطنية للدول المستقلة.

كلمتي الأخيرة لهذه المحامية، أنا مستعد، حبا لوطني، أن أعطيك، وأمثالك، دروسا مجانية في المادة القانونية، لأنك ببلاغك بينت على أنك جاهلة بالتشريعات الوطنية والدولية.. وبهذا فأنت تشكلين عبئا ثقيلا على بوعشرين، ولا قيمة مضافة ترجى منك".