الجمعة 17 مايو 2024
مجتمع

"الموطورطاكسي" وكيف يتحدى المنع بمغازلة مقهوري "الترونسبور"..

 
 
"الموطورطاكسي" وكيف يتحدى المنع بمغازلة مقهوري "الترونسبور"..

يحسبهم الجاهل بسر تواجدهم تشكيلة مقلدة لمتسابقي "الفورميلا وان" وهم ينتظرون فقط طلقة الإنطلاق. والحقيقة أن لهؤلاء فعلا استعداد للذهاب بعيدا، لكن إلى وجهات مختلفة تتحكم في تحديدها رغبات الزبائن بتسعيرة تخضع هي الأخرى إلى طول المسافة وحجم الحمولة إن وجدت. إنهم أصحاب "موطورطاكسي" الذين وكما يدل لقبهم يقومون بدور مزدوج، الأمر الذي يعتبره البعض خرقا صارخا لتشريعات وقوانين السير، فيما يراه المعنيين بالأمر وثلة من المواطنين قيمة مضافة فرضت نفسها كمنعش لساحة النقل الوطني، خاصة أمام عجز السلطات عن إيجاد الحلول الواقعية لمعضلة المواصلات. "أنفاس بريس" تجولت بين شتى مواقع الحضور المكثف لهذا النوع من وسائل النقل بالدار البيضاء، كما جالست رجال ونساء محتكين بكواليس محنة "الترونسبور". وذلك لتنقل تفاصيل الرحلة المغامرة إلى عالم تؤلفه دراجات "شينوية"، قدمت لتتحدى مدونة سير بمرجعية "سويدية"، والحصيلة ظاهرة ذات مواصفات "مغربية".

"يالاه تلاح مع الناس الملاح"، إنها العبارة التي ختم بها عبد الكبير مكالمة تلقاها من زبون له بداخل سوق الجملة للخضر والفواكه، يستفسر من خلالها المتصل إن كان هذا السائق على مقربة من باب السوق أم في مكان بعيد يستوجب منه البحث عن مقل آخر. يقول عبد الكبير، البالغ 52 سنة، "لكل واحد من بين هؤلاء زبائن محددين لا يركبون مع غيرهم إلا في حالة الضرورة القصوى، ولو تطلب منهم الأمر الانتظار قليلا إلى حين قدومهم من رحلة ما". ويضيف، أن هذا لا يعني كون موضوع امتلاك زبائن معينين محسوم بصفة قطعية، بل من الممكن أن يستعين زبون ما بخدمة سائق متفرغ حالة غياب الشخص المرغوب فيه".

وبينما كانت أسئلة أخرى تتوجه له، ألقى عبد الكبير يده بشكل مفاجئ إلى خلف دراجته ليفك "الكاسك" عن رباطه ويشغل المحرك في سرعة متناهية، وكأنه يبعث دعوة تأجيل ما تبقى من حديث إلى حين عودته. فالزبون يقترب، وبالتالي لا مجال لتقديم أي شيء على مهمة حمله إلى إلى وجهته.

تركنا الرجلان وهما يخترقان شارع "الشجر" في تجاه شارع "الجولان" حيث يود طالب الخدمة الذاب لنقصد سائقا آخر كان يتقدم نحو إحدى بائعات الشاي و"الخبز بالبيض مسلوق"، مما أوحى لنا بإمكانية مجالسته لمدة أطول. وفعلا ذلك ما حصل، إذ أول ما بدأ به العربي كلامه هو: "أنا بعدا ملي شعلت هاد ماركيز مانخدم حتى نكملو، واخا يجي مدير المارشي يبغي يركب نقوليه مامساليش".

فتح هذا التعليق الساخر للعربي بابا أوسع عن طبيعة شخصيته المرحة واستعداده للإفصاح عن كل ما يخص مجال اشتغاله. فكانت البداية بأن أسر لنا عن الشنآن الذي يلف علاقته المتوترة هذه الأيام بزوجته على خلفية وشاية إحدى معارفها التي نقلت لها عن سوء نية، بحسبه، تفسير رؤيتها له وهو يردف امرأة على دراجته. والواقع، يوضح العربي، أن تلك السيدة ليست إلا "كليانة فالمارشي كتبغي تركب معايا حيث ماكنجريش فالطريق ومعقول"، لكن كيف يمكن "أن تقنع هاد المرأة عندي وهي غير ودينة وحدة اللي سمعتها تصدقها". وعقب أن دخن ثلاث سجائر وهو  يروي حالته الخاصة تلك بملامح تغلب عليها الصرامة والجدية، سرعان ماعاد لقفشاته وهو يقول: "اسمح لي جيتي تسولني صدقت دايرك بحال قضاء الأسرة". ما اعتبره مجالسنا، ربما، خروجا عن الموضوع كان على العكس من ذلك صلب الوجه الآخر للموضوع، بل المحرك لحكايات أخرى من سجل الذكريات المؤلمة لمعشر سائقي "موطورطاكسي"، والذين كما استرجع أحدهم، وهو مصطفى، البالغ 39 سنة، عاش واقعة من أسوأ ما صادفه أثناء مسيرة عمله حين أوقفه شرطيان للمرور وهو يحمل خلفه زبونة، ثلاثة أيام قبل عيد الأضحى، كانت ترغب في التنقل من سوق الغنم "لاربعا" إلى مسكنها بحي جوادي.

وبمجرد أن "وصلنا إلى شارع النيل قرب حمام الفن أي على بعد مسافة قصيرة من حيها تفاجأت بالبوليس وقفوني، وملي مالقاو حتى علاقة عائلية بيننا سيفطوني بتهمة الفساد". وعلى الرغم من جسامة المشاكل والمخاطر التي تحف بهذا المضمار سواء للسائق وزبونه أو زبونته، فإن الفئة الأخيرة تبرر إقدامها على هذا الصنف من الوسائل بفشل نظيراتها القانونية في تلبية حاجيات المواطن. ولا يعقل، يستغرب حمودة، خضار بسوق "الجامع الكبير"، أن تهيء للشخص ظروف نقل آمنة وكافية ومتوفرة في كل وقت، ويعوضها من تلقاء ذاته بأخرى غير شرعية. بل هذه الأخيرة، يتوقع حمودة، أن تنقرض تدريجيا وبصفة طبيعية. ولعل من الدوافع الأخرى التي تقف وراء إخلاص بعض المواطنين لخيار "موطورطاكسي"  قيمة المقابل التي تصل أحيانا إلى 50 في المئة كنسبة أقل من باقي الوسائل الأخرى. وحسب ما أفاد به عمر، البالغ 43 سنة، فإن "التراجي مثلا بين المارشي وسيدي عثمان كنديرو بـ3 دراهم، ول السالمية بـ3 دراهم ونصف، وحي النور ب3ـ دراهم، ولشارع الجولان ب2 دراهم، ولحي جوادي بـ4 دراهم ونفس الثمن لشارع القدس".

موروكومول" و "تريبورطور"

"موروكومول بلاصة، موروكومول غادي دابا"، نداء لا يمكن أن تسمعه إلا من لدن سائقي "موطورطاكسي"، فهم الوحيدين الذين عاينتهم "الوطن الآن" يوم الأحد الماضي يحتكرون خط مركز الحي الحسني موروكومول، في وقت رفعت جميع الوسائل الأخرى يدها عن تقديم تلك الخدمة باستثناء طبعا سيارات الأجرة الصغيرة التي يعتبر معظم المواطنين تسعيرتها بمثابة "كابل كهربائي" يبعدهم حتى عن مجرد التفكير في ركوبها.

ولذلك كان يبدو المشهد معبرا وهو مؤثت بشبان يضعون أيديهم في أيدي صديقاتهم دون أن يتركوا شيئا للصدفة في الاعتناء بأناقتهم "جيل على الشعر، تسريحة التشويكة، عقيق في الأنف، عطر مدوي.."، وكل ذلك ليتوج بالصعود مثنى مثنى إلى قلب "موطور طاكسي" في تجاه المتجر الكبير، وكما علق على ذلك أحد المارة وهو يلمح تلك الصورة الناطقة "ليت الشباب يعود يوما.. مع هاد التريبورطور تفجيجية وترنضيفة".

وعلى هذا الأساس ساهم "موروكومول" في رفع أسهم "موطورطاكسي"، وقادته تعريفة 5 دراهم التي حددها أصحابه وقبلها زبناؤه إلى هزم أي منافس محتمل على مدار أيام الأسبوع، بما فيها اليومين الأخيرين منه واللذين يشهدان ظهور وسائل أخرى تعرض آلياتها لربط الموقعين ولو مؤقتا. لكن رغم كل تلك المزاحمة الظرفية يخرج "موطورطاكسي" من الصراع كاسبا للرهان كرقم يصعب تجاوزه في معادلة النقل بهذا المحور على الأقل، وكفاعل مسلح بأكثر الشعارات تخطيطا على ظهر دراجاته "على جناح السلامة...عين الحسود فيها عود".