الخميس 28 مارس 2024
سياسة

الجيل الجديد لأبناء الصحراء سلاح المغرب لمواجهة الجزائر والبوليزاريو

الجيل الجديد لأبناء الصحراء سلاح المغرب لمواجهة الجزائر والبوليزاريو الملك محمد السادس والرئيس الجزائري بوتفليقة

بعد أن حدد الملك محمد السادس ثغرات بعض المنظمات الحقوقية الدولية ومحاولتها توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء لما كان باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، يتعين استغلال الموقف الملكي لتحيين المعطيات حول ملف الصحراء خاصة وأن الملف عمر لمدة قاربت 43 سنة دون أن يطوى نهائيا على الصعيد الأممي.

فقضية الصحراء مرت بثلاث مراحل أساسية، وهي:

 المرحلة الأولى:

ترتبط ببداية الاستقلال حينما وقع إجهاض جيش التحرير. هذا الأخير الذي كان يحمل كذلك بذور فشله لما كان يعرفه من تناقضات داخلية مرتبطة برهانات داخلية: القصر وحلفائه، حزب الاستقلال، الاتحاد الوطني والصراع الدائر بعد الاستقلال من أجل اقتسام السلطة وإثبات كل طرف لذاته، خاصة القصر والحركة الوطنية بعيدا عن هم استكمال تحرير التراب.

 المرحلة الثانية:

تبدأ هذه المرحلة مع نهاية الستينات، وبداية السبعينات من القرن 20، لما أخلفت الدولة مرة أخرى موعدها مع الصحراء، بعدم تبني سياسة واضحة ودعم الشباب المتعلم في تحركاته من أجل خوض معركة التحرير. إذ وجد هؤلاء الشباب أنفسهم وحيدين. وكانت للدولة والأحزاب آنذاك أولويات أخرى لم تأخذ طموحات هؤلاء الشباب بعين الاعتبار، فبحثوا عن رحاب أخرى احتضنتهم، بعد أن تعرضت تحركاتهم للتضييق، بل القمع والسجن والإهانة بطانطان.

 المرحلة الثالثة:

يتم التأريخ لها مع أواسط السبعينيات من القرن 20 عبر السياسة التي اتبعتها الدولة بعد استرجاع الصحراء والتي كانت سياسة قمعية أمنية.. وحصار عانت منه المنطقة كثيرا وكانت لها نتائج كارثية على مستوى علاقة الساكنة بالدولة وأحيانا تكريس مواقف متطرفة، خاصة أن الطرف الآخر (بوليساريو) استغل هذا الوضع كي يضمن انتشار أفكاره في المنطقة.

 المرحلة الرابعة:

هي التي نعيشها حاليا والتي تتميز بعدم مسايرة السلطات العمومية للتحولات السوسيو ديمغرافية بالصحراء. فهذه المنطقة التي تمثل حوالي 40 في المائة من مساحة المغرب تعرف اليوم جيلا جديدا له متطلباته وآماله وانتظاراته. وبدل أن تصاحب الدولة هذا التحول السوسيو ديمغرافي استمرت في التعامل مع نفس النخب وبنفس الأساليب. وهي معاملة تذكرنا بالصدمة التي عاشتها الدول الأوروبية التي استفاقت ذات يوم على وجود جيل ثان وجيل ثالث من أبناء المهاجرين بالضواحي دون أن تستحضر مشاكلهم وأحلامهم وتطلعاتهم لترجمتها في سياسات عمومية واعية، مع فارق أن آباءهم كانوا مجرد مهاجرين «يمشون مع الحايط»، بينما الجيل الثاني والثالث هم أبناء دول المهجر لكونهم يحملون جنسيات هذه الدول.

نفس الشيء وقع في الصحراء، حيث ظلت الدولة لعقود تتعامل مع الجيل الأول من المغاربة بالأقاليم الجنوبية إلى أن تم صفعها بتقرير صادم للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي رسم صورة سوداوية لنمط التنمية خلال 38 سنة، وهو النمط الذي أقصى أجيالا من الشباب.

ما العمل إذن؟

الجواب يقتضي أولا: البحث عن سبل التواصل مع الجيل الجديد من أبناء الصحراء لتجفيف المنابع التي تغرف منها الجزائر والبوليزاريو الأتباع والأنصار. خاصة وأنهما (أي الجزائر والبوليزاريو) أصبحتا مرتاحتين من المواجهة المسلحة مع المغرب. إذ ما الداعي لتستعمل الجزائروالبوليزاريو السلاح وهما تتوفران على ورقة الجيل الجديد داخل الصحراء تحركه كيفما شاءت؟!

الجواب يقتضي ثانيا: أيضا أن يقوم المغرب بتفعيل مبادرة الحكم الذاتي حتى لا تصبح هي الأخرى في طي النسيان. ما الذي ينتظره المغرب لتنزيل المبادرة خاصة وأن المؤشرات حول المشاركة الانتخابية في الأقاليم الجنوبية تكون دوما مرتفعة مقارنة مع باقي التراب الوطني.

الجواب يقتضي ثالثا: تطويع الأذن المغربية بمختلف المناطق باللهجة الحسانية لتستأنس بها عبر بث أغاني الفنانين الصحراويين في التلفزة والإذاعة الوطنية والإذاعات الخاصة. إذ لا يعقل تعيين رئيس قطب عمومي دون أن يكون مدركا لحجم الرهانات المطروحة بالبلاد. فأغنية قد تهز دولة كما قد تهدئ مجتمعا. فلماذا يرفض مسؤولو التلفزة والراديو بث الأغاني الحسانية؟

الجواب يقتضي رابعا: إطلاق أسماء الرموز الصحراوية المنحدرة (من كلميم إلى لكركارات) على شوارع وساحات المدن المغربية، علما أن الصحراء تعج بالعلماء ورجال الفقه والشعراء والمقاومين والوطنيين والفنانين، وبدل أن نحتفي بهم في شوارعنا يتم إجبارنا على التعايش مع شوارع تحمل أسماء الخونة أو أسماء استعمارية ما زالت مدننا «مطلية بها».. (يا للعار!).

الجواب يقتضي خامسا: تنويع العرض الجامعي لأبناء الصحراء بدل إجبارهم على قطع 1800 أو 2200 كلم للتسجيل في كليات أكادير أو الرباط أو فاس، وذلك ببناء الكليات والمعاهد ذات تخصصات متعددة (حقوق، آداب، علوم، طب، تسيير المقاولات، إلخ...) في الأقاليم الجنوبية.

الجواب يقتضي سادسا: أن يعزز المغرب من اختراقه للجزائر ولتندوف لنسج العلاقات مع الحلفاء والأتباع والجمعيات هناك للتشويش على الخصم الذي يتوفر على سجل حقوقي أكثر قتامة من المغرب واستغلال ذلك لحشد التعبئة في الخارج لإنهاك الجزائر والبوليزاريو.

فبالأمس انزلق أوباما ومرر عبر إدارته مسودة لمجلس الأمن تروم توسيع صلاحيات المينورسو لمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء، وتدخل الملك وتم تصحيح الوضع؛ والبارحة انزلق الأمين العام الأممي هو الآخر وتدخل مرة أخرى الملك وتم تدارك ذلك.

فإذا كان الملك يتدخل كل مرة، لماذا نحتاج إذن إلى رئيس حكومة و38 وزيرا وإلى 35 حزبا وإلى 395 نائبا برلمانيا و270 مستشارا بالغرفة الثانية، وكل هؤلاء يبتلعون سنويا ما مجموعه 1300 مليار سنتيم كأجور وتعويضات ومنح الدعم وسيارات ومحروقات.. أي أن هؤلاء يبتلعون 6500 مليار سنتيم كأجور وامتيازات بدون أن نلمس لوجودهم بصمة تذكر.. علما أن مجموع ما رصدته وكالة تنمية الجنوب للمنطقة خلال خمسة أعوام لم يتجاوز 700 مليار سنتيم (أي ما يمثل عشر ما «لهفته» جيوب الوزراء والسياسيين).

إن كان الأمر كذلك، فلنشطب عليهم ونخصص المبلغ (6500 مليار) لتنمية الصحراء بما يوفر التنمية والشغل والرفاهية لسكانها وزوارها، وبما يوفر الظروف لتجفيف منابيع الانفصال والاحتقان ولكسب قلوب أبناء الجيل الجديد من الصحراويين.

من أرشيف أسبوعية "الوطن الآن"