"الفساد هو الخراب". ذلك ما أورده القرطبي نقلا عن العباس بن الفضل، وذلك في معرض تفسيره للآية 205 من سورة البقرة "وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ". هو إذن معنى واحد من المعاني العديدة التي يحفل بها القرآن الكريم حول موضوع الفساد، إلا أن آثاره الوخيمة تتضاعف حين يقترفه رجال دجالون "يقولون ما لا يفعلون"، ويضعون قناع الطهرانية ليعمقوا بذرة الإفساد. إنها حالة بعض "البيجيديين" الذين تقدموا إلى المغاربة في الحملة الانتخابية خلال التشريعيات السابقة (2011) بشعارات محاربة الفساد والريع والاستبداد، لكنهم ما أن استمرأوا الجلوس على الكراسي، وجني ثمار الامتيازات خلال خمس سنوات حتى بلعوا لسانهم، وسكتوا عن كل ملفات الفساد، سواء تلك التي وجدوها معششة في البلاد، أو تلك التي أوجدها مستشاروهم ووزراؤهم وحوارييهم على امتداد المملكة. وإلا لماذا سكتوا عن لوائح المستفيدين من المأذونيات بعد أن أشهروها على الملأ؟ ولماذا سكتوا عن منع مسيرات الأساتذة المتدربين، وسلخ المتظاهرين من أجل الحق في العيش الكريم، والتي قال بشأنها بنكيران "ما فراسيش"، فكذبه وزير الداخلية من داخل قبة البرلمان، مؤكدا أن "تعليمات المنع جرى الاتفاق عليها مع رئيس الحكومة"؟ ولماذا سكتوا عن فضيحة الصناديق؟ ولماذا لم نسمع أي موقف من حزب "العدالة والتنمية"، أو لجن الشفافية والمراقبة داخله إثر الفضائح القانونية والأخلاقية للحبيب الشوباني، المتناسلة إلى اليوم؟... بخلاف ذلك تعودنا أن نرى عبد الإلاه بنكيران لا يخرج لسانه من جحره إلا في الحالات التي تعاكس مصالح المواطنين، تماما كما حدث في ملف الأساتذة المتدربين حين أقسم بأغلظ الإيمان بأنه لن يتراجع عن المرسومين المشؤومين، وحين أقسم مرة ثانية بإغلاق كل إمكانيات التوظيف أمام المغاربة دون أن يمنعه ذلك من توظيف ابنته، ونفس الشيء فعله في ملف الأطباء الداخليين، وفي ملفات ما سماها إجراءات إصلاح صندوقي المقاصة والتقاعد، وإجراء التوظيف بالعقدة... نحن إذن أمام حالة فصامية تستمد داءها من فصامية الحزب المنشطر عقله بين الولاء للمغرب فكرا ووطنا، والولاء للعقيدة الإخوانية، وبين فكر الانقلاب وفكر الديموقراطية، وبين ممارسة التدين كآلية للصلاح في الأرض وبناء الفرد والجماعة، وممارسته كآلية للترهيب مسنودا بعتاة الجهاديين والتكفيريين... لكن الحالة تتجاوز طابعها النفسي – السياسي ليصبح لها بعد عقائدي يخالف الشرع والأخلاق والسياسة كفعل نبيل، ويزاوج بين الخطاب الكاذب والحقيقة الصراح. ألم يدعونا الله عز وجل إلى تجنب النفاق والرياء، الله الذي قال في سورة النساء (الآية 61-62)"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا". مجمل القول إن الفساد طامة كبرى تهدد حاضر البلاد ومستقبلها، والمفسدون كثر وقديمون قدم المغرب المستقل، وينبغي أن يكون هذا واضحا حتي لا يقال إننا ندين فساد جهة دون أخرى، لكن فساد "البيجيدي" أخطر حين يتلفع بخطاب الأخلاق وادعاء الحكامة الرشيدة، ولو كان "البيجيديون" محاربي الفساد حقيقة، ويمنعهم مانع ما من محاربته، فلماذا لا يستقيلون عوض الاختباء وراء حديث التماسيح والعفاريت وآليات التحكم والدولة العميقة. أليس بقاؤهم في السلطة نوعا آخر من الفساد؟ وهم بذلك يرتكبون إثم الإفساد، وإثم السكوت عنه. ألم يقل الله تعالى في سورة الجاثية (الآية 15) "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ". ويقول جل من قائل في سورة البقرة (الآية 286)"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ".
سياسة