Tuesday 13 May 2025
سياسة

لبلاد مشات: الشعب المغربي بلا معارضة وبلا مثقفين حقيقيين، وبلا سند يحمي ظهره من الظلاميين

لبلاد مشات: الشعب المغربي بلا معارضة وبلا مثقفين حقيقيين، وبلا سند يحمي ظهره من الظلاميين

فداحة تغول الخطاب الأصولي الظلامي في مغرب اليوم لا تساويها سوى فداحة استقالة المثقفين عن الإسهام عن ممارسة دورهم في التنوير، وفي تبديد الظلام الداهم. وتتعمق خطورة هذه المعادلة الصعبة، ونحن نعيش على إيقاع التسخينات التي تسبق الحملة الإنتخابية للاستحقاق التشريعي للسابع من أكتوبر القادم.

هكذا نتصور بشكل عام مسؤولية المثقفين، رجال الفكر والبحث الجامعي والكتاب والفنانين وعموم المشتغلين بحقل الثقافة والفن والإعلام، دون أن نسقط أهمية بعض الأصوات النيرة المحدودة التي تشكل الاستثناء لا القاعدة. وإلا فهل بإمكان مخالفي هذا التصور أن يجيبوا عن أسباب سكوت المثقف عن ضحالة النقاش السياسي الذي تعرفه ساحة التجاذب بين الفاعلين السياسيين، حيث حلت النميمة والمس بالأعراض واعتبارات المصالح والامتيازات محل مجادلة الأطروحات والأفكار ونصرة مشروع التحديث، وحيث ساد منطق الإنبطاح والتبرير محل مواجهة الإرتداد؟ مثلما حصل انقلاب في المفاهيم راديكاليا: السلفية التي كانت مستنيرة كما في عهد علال الفاسي وعبد الله كنون والمختار السوسي وأبي شعيب الدكالي صارت تكفيرية جهادية منادية بقطع الرؤوس ومتلبسة بالدم.

الديموقراطية التي كان رهان النخبة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي صارت تلوى في الإتجاه الذي تريده انتهازية هذا الطرف أو ذاك، فهي الوجه الآخر للإنقلاب على الديموقراطية عند البعض، وهي منطق مسايرة الشرط القادم بلا حس نقدي عند البعض الآخر. ولحق الإنقلاب كل المفاهيم الأخرى من الحداثة إلى الليبرالية إلى التنوير إلى فكرة التقدم، حيث صار العقل يغتال في اليوم الواحد أكثر من مرة بعد أن كان هو الذي ينير طريق السياسيين كما في زمن قريب أيام محمد عابد الجابري وعبد الكبير الخطيبي وعبد الله العروي وعبد اللطيف اللعبي....

الإنقلاب مس كذلك الأدوار والوظائف إذ صرنا نجد أصواتا منتمية إلى اليسار تبشر بصحوة "الأصوليين"، وبأحقيتهم في إدارة الشأن الحكومي لمرة ثانية، كما صرنا نرى أصواتا محسوبة على ما يعتبرونه "إسلاما معتدلا" تنادي بعودة زمن السلف الصالح وقيام دولة الخلافة الإسلامية وإقامة الحدود.

ونتيجة ذلك أن الظلاميين صاروا وحدهم هم الذين يشغلون المشهد بتحويل المساجد إلى بيوت لنشر الفكر الوهابي والإخواني، وبالتأويلات الدينية المغرضة كما في فتاوى إرضاع الكبير والاستعانة بـ"خيزو" لتبريد الشهوة الجنسية، أو كما في تصريحات تشبيه المرأة بثريا الدار أو تزويج الطفلة ذي تسع سنوات... فيما تراجع المثقفون إلى الوراء في شبه موت مطلق. وهو الوضع الذي صار ينطبق عليه القول المأثور "الساكت عن الحق شيطان أخرس".

ولأن فساد المثقفين من فساد النخبة، فقد صار الشعب الفقير بلا معارضة وبلا يسار حقيقي، وبلا سند يحمي ظهره، بل مستقبله من عبث العابثين.

لأجل ذلك نعتبر أن تاريخ السابع من أكتوبر الذي نريده لحظة نهضة في مشهدنا السياسي قد يكون مهددا باجتياح الأصوليين بمختلف تلويناتهم الإخوانية والجهادية التكفيرية، خاصة بعد تأكد انتهاء دور الأحزاب التقليدية، وثبوت حقيقة ضآلة اليسار وانحساره. واستمرار تخاذل المثقف سيكون عاملا مضاعفا لاستئساد فكر الظلام. لذلك نأمل أن تكون ربع الساعة الأخيرة التي تفصلنا عن ذلك الاستحقاق التشريعي لحظة جديدة يستعيد فيها المثقف دوره التنويري في فضح زيف الخطاب الأصولي، وزيف التأويلات المسيئة للدين، وزيف تحريف المفاهيم واغتيال العقل.

مسؤولية المثقف اليوم قائمة، واستمرار الإستقالة والغياب يضاعف من طابعها التاريخي المضر بنماء الدولة والمجتمع.