الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

أحداف: المغرب دشن مرحلة استقلال السلطة القضائية، ولجوء بوعشرين إلى المحامين الأجانب يسيء إلى قضيته

أحداف: المغرب دشن مرحلة استقلال السلطة القضائية، ولجوء بوعشرين إلى المحامين الأجانب يسيء إلى قضيته محمد أحداف

يرى محمد أحداف، أستاذ العلوم الجنائية بكلية الحقوق بمكناس، أن بيان المحامي الإنجليزي رودني ديكسون يعكس جهلا فادحا بقانون الإجراءات الجنائية، ومليئا بأخطاء قانونية.. كما يتطرق إلى الخلط الذي وقع فيه بين الدفاع والحكم من خلال إشارته إلى أن الدعوى القضائية ضد توفيق بوعشرين لا تستند على أي دليل مادي.. مؤكدا أن تدويل القضية باللجوء إلى المحامين الأجانب يسيء إلى قضية بوعشرين، علما أن المغرب دشن مرحلة لا رجعة فيها، وهي استقلال السلطة القضائية، وأنه لا شيء يمكنه أن يلوي ذراع القضاء المغربي.

+ ما هو تعلقيك على البيان الأخير الصادر عن محامي توفيق بوعشرين البريطاني روندي ديكسون، علما أن البعض ذهب إلى كون من صاغه غير مدرك بمجريات القضية؟

- أسجل أن بيان المحامي الإنجليزي، كأستاذ لقانون المسطرة الجنائية، يعكس جهلا فادحا بقانون الإجراءات الجنائية المعمول به ببلادنا، ولعلم هذا الإنجليزي فإن قانون المسطرة الجنائية المغربي مطابق لقانون المسطرة الجنائية الفرنسي، وسوف أبرز مظاهر هذا الجهل.

جهل المحامي الإنجليزي بقانون المسطرة الجنائية الذي يحاكم به السيد توفيق بوعشرين، والذي يفترض أن هذا المحامي سوف يلجأ إلى بنوده وفصوله للحصول على براءة موكله.. والبيان الذي أصدره هذا المحامي مليء بأخطاء قانونية لا يرتكبها طالب مبتدئ في كلية الحقوق. في النقطة الخامسة من بيانه يكتب أن السيد توفيق بوعشرين معتقل حاليا في سجن عين برجة في غياب أمر بالقبض أو الحبس الاحتياطي، وأنه لم يتم تقديم أي أمر بالإيداع عن طريق قاضي التحقيق والمدعون لم يأخذوا قرارا بفتح التحقيق تحت إشراف قاضي مستقل. وبالتالي، يضيف في بيانه، السيد توفيق بوعشرين معتقل بشكل تعسفي وغير قانوني. لاحظ معي أن هذا الاستنتاج هو من الخطورة بمكان، فهو مبني على جهل فاضح وفادح بأبسط مبادئ قانون المسطرة الجنائية، والمشكل هو أنه سيتم تدويل مثل هذه المعلومات بطريقة تلحق أبلغ الضرر ببلادنا. وسوف أبرز ما يلي: أولا، لا يمكن من الناحية المسطرية إيداع الشخص بالسجن دون أن يتم الإدلاء لمدير هذه المؤسسة السجنية بأمر بالإيداع موقع من ممثل النيابة العامة. فإذن على هذا المحامي أن يراجع مقتضيات المادة 73 والمادة 74 من قانون المسطرة الجنائية لكي يمحو مظاهر جهله وأميته، ولكي يعرف أن السيد وكيل الملك أو الوكيل العام للملك يمكنه إذا ما قرر متابعة المتهم في حالة اعتقال أن يصدر أمرا بالإيداع بالسجن، وهذا الأمر موجه إلى مدير المؤسسة السجنية، والذي يعتبر سندا قانونيا لحرمان المتهم من حريته لغاية إحالته على جلسة المحاكمة. وقد وردت في بيان المحامي الإنجليزي مغالطة على قدر كبير من الخطورة تحدث عنها العديد من محاميي هيئة دفاع توفيق بوعشرين.. وهذه المغالطة هي السعي إلى إقناع الرأي العام بأن السيد الوكيل العام للملك أخطأ حينما لم يقدم ملتمسا بإجراء التحقيق موجه الى السيد قاضي التحقيق.. وهذا الكلام قيل من طرف محامو السيد توفيق بوعشرين وأعيد كتابته في بيان المحامي البريطاني. ولا بأس أيضا أن أوضح هذه المغالطة: السيد الوكيل العام ليس مجبرا على تقديم ملتمس لقاضي التحقيق إلا في الأحوال الأربعة الآتية بصريحة نص المادة في قانون المسطرة الجنائية: إذا كانت الجناية معاقب عليها بالإعدام، أو إذا كانت الجناية معاقب عليها بالمؤبد، أو إذا كانت الجناية معاقب عليها بالسجن لمدة 30 سنة، أو إذا كانت تتعلق بحدث قاصر.. وما عدا هذه الحالات يكون التحقيق الإعدادي اختياريا والجهة الوحيدة المخولة قانونا لسلوك مسطرة المتابعة في حالة اعتقال أو الإحالة على السيد قاضي التحقيق، هو السيد الوكيل العام للملك.. ولا أحد من شراح قانون المسطرة الجنائية في بلادنا يقول بذلك. فإذن حينما يأتي محامي بريطاني ويقول بأن المدعين العامين يرفضون عرض السيد توفيق بوعشرين على قاضي مستقل، نقول له نحن لا نطبق القانون البريطاني، بل قانون المسطرة الجنائية، وكان من الأجدر به أن يخضع إلى دورة تكوينية سريعة من طرف أحد أساتذة كلية الحقوق في قانون الإجراءات الجنائية لكي يميز، على الأقل، بين صلاحيات الوكيل العام للملك، ومتى يمكنه أن يتابع في حالة اعتقال، ومتى يمكنه أن يقدم ملتمسا بإجراء تحقيق.

من ناحية ثانية، أشير أن المحامي البريطاني خلط بين الدفاع والحكم، وأجاز لنفسه أن يتقمص دور القاضي، وأشار في بيانه إلى أن الدعوى القضائية ضد السيد توفيق بوعشرين لا تستند على أي دليل مادي، ومعروف في أبجديات المحاكمات الجنائية أن مثل هذه الدفوع يجب أن تقدم في جلسة الأحكام وللمحكمة وحدها فقط أن تقرر في حكم أو في قرار معلل يخضع لرقابة محكمة النقض في إدانتها أو في تبرئتها للمتهم على ما يعرض أمام أنظارها من وقائع ومن قرائن ومن حجج ومن أدلة للقول ببراءة المتهم أو بإدانته بما ينسب له، والمحامي يخلط بين الأمرين، هو يصدر صك براءة لشخص قبل أن يحاكم.

+ وماذا عن خوض المحامي البريطاني في أمور وحيثيات يفترض طرحها في جلسة الحكم، من قبيل التشكيك في مصدر الفيديوهات المنسوبة لتوفيق بوعشرين؟

- هذه الأمور ينبغي أن تناقش في جلسة الأحكام، ما الغاية من إشاعة مثل هذه الأقوال؟ أعتقد أن هذا يضر بموكله أكثر من كونها تساهم في الدفاع عنه. هذا الكلام مكانه الطبيعي في جلسة المحاكمة، حينما ننتهي من تقديم الدفوع الشكلية ونمر إلى مناقشة الجوهر، آنذاك يمكن لنا أن نقارع الحجة بالحجة والدليل بالدليل، والسماح بالمواجهات. صحيح أن النيابة العامة سوف تسعى بكل ثقلها الى إثبات التهم الموجهة إلى السيد توفيق بوعشرين، ولكن من حق هيئة الدفاع أن تنزل بثقلها ووسائل إثباتها لإقناع الهيئة الحاكمة بحججها وأدلتها.. والخصومة الجنائية، كما نقول دائما، هي مبارزة بين حجج سلطة الاتهام وبين حجج المتهم ودفاعه. وأعتقد أن التلويح بمثل هذه البيانات هي من الأمور التي لا تخدم مصلحة الموكل، ومناقشة المصدر المجهول للفيديوهات والتشكيك في حجج النيابة العامة مكانه الطبيعي في جلسة المحاكمة.. فقانون المسطرة الجنائية (المادة 287 وما يليها) يقول إن المحكمة تبني مقرر الإدانة بناء على حجج تعرض وتناقش حضوريا وعلنيا في جلسة الأحكام. إذن حينما سنمر إلى استعراض حجة بحجة، دليل بدليل على هيئة الدفاع أن تقوم بتفنيد هذه الحجج وبهدمها للدفاع عن براءة موكلها.

+ وما الغاية من إصدار مثل هذه البيانات؟ هل لممارسة الضغط على هيئة الحكم؟

- أعتقد أن هذا مسلسل نعاني منه منذ سنوات طويلة، وموقفي لا يختلف عن موقف شرفاء هذا البلد.. فالعديد من التقارير الدولية الصادرة ضد المغرب مبنية على مغالطات من قبيل ما يقع الآن، أن السيد توفيق بوعشرين معتقل دون سند قانوني.. ما هذا الهراء؟ هذا جنون؟ السيد الوكيل العام للملك أصدر أمرا بالإيداع في السجن، وكان على المحامي البريطاني أن يعرف طبيعة الإجراءات في قانون المسطرة الجنائية المغربي، لأنه لا يمكن أن يودع شخص في مؤسسة سجنية ما لم يتم الإدلاء لمدير هذه المؤسسة السجنية بأمر رسمي موقع من طرف ممثل الحق العام بإيداعه داخل هذه المؤسسة. فالسجن ليس فندقا.. وأؤكد كأستاذ لقانون المسطرة الجنائية أنني لست ضد السيد توفيق بوعشرين، بل أنا بصدد تحليل البيان الصادر عن محاميه من زاوية قانونية صرفة مدققة. في النقطة العاشرة من بيان هذا المحامي يقول إن السيدة عفاف براني تم تقديمها كمشتكية أكدت أنها تعرضت لتزوير أقوالها، والحال أن هذا المحامي كان بإمكانه الاطلاع على الفيديو الذي عرضه السيد الوكيل العام على أنظار الصحافة، والذي يؤكد واقعة أن ضابط الشرطة القضائية من الفرقة الوطنية الذي استمع إلى تصريحاتها مكنها من المحضر لقراءته قبل توقيعه، طبقا لما تقضي به المسطرة الجنائية، والتي تلزم ضابط الشرطة القضائية بأن يمكن المصرح من قراءة المحضر قبل توقيعه، وإن كان لا يحسن القراءة على الضابط أن يقرأ المحضر وأن يشير في أسفله إلى أنه قرأ عليه ووافق عليه.

+ البيان أشار أيضا إلى تراجع بعض المشتكيات عن شكايتهن وركز على وجود مشتكيتين فقط، ما رأيك في هذا الدفع؟

- المشكل من هذه الزاوية يصبح أكثر تعقيدا، لأن الشخص الذي يدلي بأقوال في وثيقة رسمية ويوقع عليها تم يأتي لاحقا ويتراجع عنها، نكون من الناحية القانونية المدققة إزاء جناية التزوير، لأن إحدى صور التزوير في القانون الجنائي المغربي هي تضمين مقرر رسمي معطيات غير صحيحة. فإذن هؤلاء المصرحات ينتقلن من إطار قانوني أقل صرامة إلى جناية التزوير الأكثر صرامة.. أضف إلى ذلك أن هذا الأمر يشكل جريمة الإدلاء ببيانات كاذبة للضابطة القضائية وتضليل العدالة، وهي الجرائم المعاقب عليها في إطار القانون الجنائي. وأعتقد في عملية حساب الربح والخسارة أنه من الأفضل البقاء في هذا الإطار.. والشريط الذي عرضه السيد الوكيل العام يؤكد بما لا يدع مجال للشك أن المصرحات قرأن المحاضر.

+ ما ردك على ما جاء في نفس البيان بخصوص تعرض هيئة دفاع بوعشرين للضغط من أجل التراجع عن التكفل بالملف؟

- من الصعب جدا الإدلاء بمثل هذه التصريحات، فكمحامي ينبغي عليه أن يقدم ما يفيد في كون هذه الهيئة تتعرض لضغوط.. فمن السهل أن تقول ما تريده وما يروقك، ولكن الأصعب هو أن تثبت كرجل قانون ما تقوله، ونحن نعلم أن رجل القانون منطقه مختلف عن منطق الرجل العادي، ونحن حينما نستعرض واقعة من الوقائع يجب أن نكون محكومين بهاجس الحصول على دليل لإثباتها، كما أشار هذا المحامي إلى أن أحد أعضاء هيئة الدفاع تقدم بشكوى وضعت لدى الوكيل العام لمحكمة النقض ضد السيد بنسامي نجيم الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء وكذا ضد السيد جمال زنوري نائب الوكيل العام، وكانت النتيجة هي رفض الطلب لأن هذه الشكوى قدمت خرقا لما تتطلبه الإجراءات الجنائية المقررة في قانون المسطرة الجنائية.. فإذن هناك العديد من التحركات، والتي غايتها هي الحصول على "فرقعات إعلامية" وعن شحذ الرأي العام بطريقة خاطئة في قضية تعتبر طبيعية وعادية تقع في كل المجتمعات.. لدينا متهم يكفل له الدستور والمواثيق الدولية قرينة البراءة، وأن الشخص المتهم يظل بريئا إلى أن يدان بحكم نهائي، وتكفل له كل الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة، ويتمتع بأوجه الطعن في الأحكام التي سوف تصدر، وكغيره من الناس يجب أن يخضع للقانون ولا شيء غير القانون.. وغير ذلك فهيئة الدفاع تبحث عن تضخيم الملف وتحميله أكثر مما يتحمل. وأعتقد أن بعض الخيارات سوف تسيء إلى السيد توفيق بوعشرين من طرف هيئة دفاعه، وستكون بمثابة صب الزيت على النار في قضيته، أكثر مما ستكون دافعا لخدمة قضيته، وهي البحث عن البراءة. ولو استشرت في قضية بوعشرين لأشرت إليه بعدم اللجوء إلى المحامين الأجانب، فربما أن هناك وهما من الأوهام أن تدويل القضية يمكنها أن تدفع بممارسة نوع من الضغط على المغرب، الذي قطع مع مرحلة ودشن مرحلة لا رجعة فيها، وهي استقلال السلطة القضائية، وأن لا شيء يمكنه أن يلوي ذراع القضاء المغربي، وأن ما يمكن أن يثبت براءة السيد توفيق بوعشرين أو إدانته بما ينسب إليه، هي القيمة القانونية للحجج والبراهين التي سوف تعرض أمام هيئة الحكم والتي تتمتع بسلطة تقديرية للقول ببراءته أو بإدانته.