مع اقتراب نهاية ولايته التي عرفت فشلا كبيرا في معالجة القضايا السياسية والاجتماعية الكبرى وتحقيق الثروة بالبلاد ومحاربة الفساد، يحاول رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران وحوارييه، تقديم نفسه للمواطنين باعتباره "واحدا من الأسماء الوازنة المنحدرة في الحركة الوطنية"، أمثال:عبد الله إبراهيم، وبلافريج وعبد الرحمن اليوسفي ويعتة وبوعبيد، وبالادعاء أن فترة حكمه تشبه من حيث الصيت البصمة التي تركها رجالات الدولة الخالدين الكبار المذكورين أعلاه.
"أنفاس بريس"، وفي إطار رصدها لوجهة نظر متخصصين تنشر ورقة للأستاذ أنس لمشيشي،الأستاذ في العلوم السياسية أنس المشيش بجامعة محمد بن عبد الله بفاس..
" المشهد السياسي المغربي حاليا مأزوم جدا، والأحزاب السياسية التي كانت لها جذورها في المجتمع وامتدادها ورصيدها التاريخي وأخص بالذكر الإتحاد الوطني للقوات الشعبي الذي تحول إلى الإتحاد الاشتراكي وأيضا حزب الاستقلال، تركت فراغا بالمشهد السياسي، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى فشل حكومة التناوب التوافقي التي قادها (الشخصية الكاريزمية عبد الرحمن اليوسفي)، وقد تجلت هذه المسألة في 2002 وخلال فترة ما سُميَّ بالخروج عن المنهجية الديموقراطية، وعرفت هذه الفترة بالذات نكسة للمجتمع المغربي في انتظاراته، لأنها تزامنت مع محطة مهمة ونقلة نوعية في تاريخ المشهد السياسي المغربي بتوافق مع الملك الحسن الثاني والزعيم عبد الرحمن اليوسفي وكانت مرتبطة بمرحلة جديدة وهي (الانتقال السلس للسلطة من الملك الحسن الثاني للملك محمد السادس)، وقد تم هذا الانتقال للتناوب بدستور ما قبل التناوب أو بدستور لا يسمح بالتناوب ودون حتى التفاوض على مشروع مجتمعي بين المعارضة التي كان لها امتدادها في الشارع، وبين النظام الملكي، كان التوقيع على ورق (على بياض).
توالت الأحداث واتسم الوضع بالترقب والانتظار، إلى غاية ما سُمِّيَّ بالربيع العربي، وبروز حركة 20 فبراير، التي بدون شك ركب عليها حزب العدالة والتنمية، إذ ركب هذا الحزب على الأحداث واستفاد من نتاج حركة 20 فبراير، وكانت مرحلة أخرى حاسمة في المشهد السياسي وفي جرأة النظام السياسي المغربي، الذي أبان عن رغبته في الانتقال الديمقراطي وخير دليل أن خطاب الملك في 9 مارس 2011 كان قويا جدا، وجاء بعد خرجة 20 فبراير والتي كانت )الخرجة( بمثابة إنذار حاسم، لأنها لم تشمل فقط تحالف العدل والإحسان بل أيضا اليسار (الراديكالي) وضمت أيضا سلفيين وكانت إشارة قوية للمخزن أو النظام السياسي، فاستطاع الحزب أن يلتف على مطالب الحركة وبعد ذلك في مرحلة لاحقة فعل الذين هندسوا لدستور 2011 ما أرادوا، إذ حافظوا على بنية السلطة كما هي، من خلال تفكيك الفصل 19 من الدستور إلى الفصل 41 والفصل 42، باعتبار أن الملك أمير المؤمنين ورئيس الدولة.
المشهد السياسي الحزبي يعرف حاليا رداءة خطيرة جدا، إذ بعد فوز حزب العدالة والتنمية،بعد حراك 20 فبراير، كانت المرحلة مجرد قفزة توافقية بين الكتلة الناخبة باعتبارها جديدة لم تجرب بعد والنظام السياسي باعتبار أن الحزب صاغ خطابا كبيرا، لمحاربة الفساد. واعتقد أن الملفات الكبرى لم يتوفق فيها عبد الإله بنكيران، أو بالأحرى لم تتوفق حكومة عبد الله بنكيران ولم تطبق الشعارات الكبرى التي حملتها أو ادعت أنها تحملها، وكانت متطابقة مع مطالب حركة 20 فبراير، ونشير إلى ملف الفساد وقضايا أخرى متعلقة بالإدارة والتعليم والصحة والقضاء. دون ذلك يمكن الحديث عن ملفات تبقى تقنية لا تستحق هذه الهالة التي يتم الترويج لها، ليس هناك إنجاز عظيم بل هناك انتكاسة على مستوى مجموعة من الحقوق. وأعتقد أنه لا يمكن التلويح بإصلاح التقاعد وصندوق المقاصة في دولة تتجه نحو مسار الدولة الصاعدة. إذن في المشهد السياسي المغربي برداءته يصعب اليوم أن نتحدث عن شخصيات كاريزمية كـالأستاذ عبد الرحمن اليوسفي أو علي يعتة أو عبد الرحيم بوعبيد، حين كان الخطاب السياسي في أوجه، فحتى خلال النزاع والخصومات كان طابع النبل مميزا للمشهد السياسي في تلك الفترة. اليوم نلاحظ التردي والرداءة على مستوى الخطاب السياسي من خلال مجموعة من أمناء الأحزاب - حتى أكون دقيقا في المقاربة - : من طرف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة بن كيران وأيضا الأمين العام لحزب الاستقلال، وحتى بعض الأمناء العامين الآخرين طبعوا المشهد السياسي بخطاب رديء..
أعتقد أن الخطاب السياسي الذي رصدناه خلال مرحلة مابين 2011 و2016 - وهذا ما نبه إليه الملك في خطاب العرش هذا العام -، ميزته رداءة الخطاب السياسي وكانت هذه المسألة على حساب مؤسسات الدولة، وتبرز معها أسئلة مهمة : هل كنا نحتاج الانتظار من محاضرة بروكسيل للأستاذ عبد الرحمن اليوسفي حين قال : "كنا في الحكم والحكم كان في مكان آخر"، أي انتظار 15 سنة أخرى حتى يأتي الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة عبد الإله بن كيران ليقول أن هناك دولتان، دولة يرأسها الملك ودولة أخرى لا ندري من يرأسها !! ؟؟.
هل كان علينا أن ننتظر 15 سنة، لنعيد تكرار نفس الجملة الشهيرة التي قالها الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، أم كان على الحكومة الجديدة أخذ العبرة وأن تملك الجرأة السياسية كما تعهد رئيس الحكومة في مجموعة من الخطابات !!؟؟.
عدم بروز أمناء عامين لأحزاب بكاريزما وفكر عميق قادرين على حمل قضايا مهمة، مرتبط أيضا بعدم تجديد النخب داخل الأحزاب السياسية، والمؤشر على ذلك هو أن نفس الوجوه هي الموجودة حالية على رأس اللوائح الانتخابية."