الاثنين 16 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

سفيان الحتاش: الإنتخابات البرلمانية المقبلة.. قراءة في الإحتمال السياسي

سفيان الحتاش: الإنتخابات البرلمانية المقبلة.. قراءة في الإحتمال السياسي

إن أهم ما يميز الانتخابات التشريعية المقبلة هو الصراع والتقاطب السياسي والمناورات السياسية التي دشنها حزب العدالة والتنمية حزب الأصالة والمعاصرة باعتبارهم أقوى حزبين والمرشحين المطروحين لمحطة 7 أكتوبر، حيث خرج رئيس الحكومة مؤخرا بتصريح أكثر راديكالية متحدثا عن وجود دولتين بالمغرب، ”دولة رسمية ودولة القرارات والتعيينات”، وهو بالتأكيد خطاب للمظلومية ولعب دور الضحية  الذي يتقنه حزب بنكيران وإخوانه بالمغرب.

وتنظر الأحزاب السياسية القوية إلى هذه الإنتخابات من زوايا متباينة، تعكس مخاوفها من الإفرازات التي سوف ترافقها وتمس أوزانها وأدوارها في المرحلة المقبلة، وينحصر التنافس للفوز بهذه الانتخابات بين الحزبين الأكثر تأثيرا سياسيا؛ وهما الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، من دون أن نغفل ثقل وزن حزب الاستقلال ومن هنا نطرح السيناريوهات التالية:

أولا: فوز حزب العدالة والتنمية

يعتبر الحزب هذه المحطة رهانا مصيريا يجب الفوز به من أجل إكمال ما يسميه الإصلاحات التي دشنها في الولاية الحالية وتقييم نتائج تدبيره الحكومي، وإذا تمكن من الفوز بهذه المحطة فصورة التحالف بدأت تظهر إلى الوجود، حيث طبع حزب الاستقلال علاقته مع ابن كيران وفك ارتباطه بالأصالة والمعاصرة وتحالفهم شيء وارد. إضافة إلى وجود التقدم والاشتراكية وإعلانهم التحالف ما بعد انتخابات 7 أكتوبر، وهناك فرضية إضافة حزب الأحرار رغم أنه ”يشتغل مع الحكومة في النهار وينام مع البام في الليل”، ومرتكز هذه الفرضية أن حزب الأحرار بمثابة عجلة احتياط و قيادييه الذين ألفوا المقاعد الحكومية.

والحجج التي يمكن الاستناد إليها في تزكية هذا الطرح هي أن "شعبية" العدالة والتنمية مازالت مرتفعة قياسا على نتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة، زيادة على حضوره القوي في المدن، واستقطاب عدد لا بأس به من الأصوات في البوادي لم يسبق له أن وصلها، بفضل الاختراق الذي حقّقه في بنية مؤسسات الدولة، خاصة الأجهزة الثقافية والدينية والتعليمية والإعلامية التي وظفها الحزب لصالح مشروعه الإيديولوجي الأصولي وبفضل وجود الحركة الدعوية والجمعوية الموازية التي تشتغل على بعض الأزمات الاجتماعية وتستغل انسحاب الأحزاب من الساحة الثقافية والفكرية لترسيخ مشروعها الأصولي الإديولوجي الذي يوظف فيه الدين الإسلامي وتحويله إلى قيمة سياسية انتخابية لكي تتمكن الآلة الانتخابية الأصولية من الانقضاض على الجسم الانتخابي المغربي في يوم "غزوة الصناديق" دون أن ننسى هنا عامل سياسي مهم يستفيد منه حزب العدالة والتنمية وهو ضعف المشاركة السياسية التي تعتبر أكبر هدية مجانية للحزب الحاكم الذي يتعامل مع الانتخابات بمنطق " الغاية تبرر الوسيلة" فالغاية هي السلطة والحكم والوسيلة هي "اللعبة الديمقراطية" التي لا يؤمن بها كفلسفة وسلوك.

ثانيا: فوز حزب الأصالة والمعاصرة

الاحتمال الثاني الوارد هو تمكن حزب الأصالة والمعاصرة من الظفر بالمرتبة الأولى في الانتخابات، حيث يطرح نفسه كبديل للعدالة والتنمية، أي أنه يمثل ” البديل السياسي” و مخرجا من الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ورط فيها حزب بنكيران المغاربة، وهذا ما يظهر في طبيعة الخطاب السياسي للحزب.

وفي حال تحقق هذا الاحتمال سيكون التحالف مغايرا للأول باعتبار أن الأصالة والمعاصرة يضع التحالف مع العدالة والتنمية بمثابة خط أحمر، على الرغم من نظرية التحالفات التي تفسر هذه الأخيرة قياسا على درجة الربح والخسارة بين الأحزاب لا على الإيديولوجية والاعتبارات الأخلاقية ولنا مجموعة من الحالات التي تثبت هذه الأطروحة.

إذن، ففي حالة تمكن الأصالة والمعاصرة من الحصول على أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب، سوف يتجه إلى التحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي و الإتحاد الدستوري، إضافة إلى التجمع الوطني للأحرار الذي يعتبر إحدى ورثة G8، وضمن هذا السيناريو يعد إشراك حزب الاستقلال أمرا ممكنا أيضا، لأن تجنب البقاء في المعارضة يجعل الحزب متاحا لأي تحالف حكومي بغض النظر عمن يقوده وهنا يمكن القول ان موقف حزب الاستقلال وقراره يمكن ان يقلب المشهد رأسا على عقب في أي لحظة.

فحزب الأصالة والمعاصرة في خرجات قيادييه يوضح أنه لن يتحالف مع كل من يخالفه في الإيديولوجية السياسية حد التناقض، لكنه يبقي بصفة عامة باب التحالف في الانتخابات المقبلة بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة مفتوحا على كل الاحتمالات إلا مع العدالة والتنمية من وجهة نظرنا.

فما يمكن التأكيد عليه من وجهة نظر شخصية هو أن أحد الإحتمالين يبقى واردا ولئن كان إن حزب العدالة والتنمية يحاول تقوية مواقعه ويستغل نقط ضعف الأحزاب الأخرى التي هي كثيرة لان الأحزاب المغربية بما فيها حزب الأصالة والمعاصرة لم تعي بعد طبيعة الصراع مع الحزب الأصولي فهي بمهاجمته ونقده سياسيا تقوم بتقويته من حيث لا تدري لأن حزب بنكيران يقدم نفسه ضحية مؤامرة كبرى تستهدفه بسبب انتماءه "الإسلامي" و"دفاعه عن الإسلام" ومن هذا المنطلق فهو يتقمص خطاب المظومية أمام العامة والدهماء من أتباعه لدغدغة مشاعر المواطنين البسطاء. وبالتالي فإن الأحزاب الأخرى تجد نفسها في وضعية غير متساوية من حث الحظوظ السياسية التي توفرها العملية الانتخابية فاستعمال واستغلال الدين لأغراض سياسية يجعل كفة حزب بنكيران تميل على كفة كافة الأحزاب الأخرى. لأن هذه القوى السياسية التقليدية المغربية لازالت تعتقد أن مشكلتهم مع الحزب الأصولي هي مشكلة سياسية فقط. ومن هذا المنطلق انبروا إلى مواجهتهم سياسيا وكان تشخيصهم للظاهرة الأصولية أنها إسلام سياسي يستغل الدين لإغراض سياسية، غافلين أو متغافلين أن مشكلتنا مع المشروع الأصولي المتأسلم أعقد وأخطر من هكذا رؤية، لأن هؤلاء لا يستهدفون العمل السياسي والثقافة السياسية الديمقراطية فحسب، بقدر ما يستهدفون الهوية والحضارة المغربية والإنسان والثقافة والكيان المغربي برمته إنها مشكلة هوياتية بنيوية فكرية. فالسيد الريسوني مثلا عندما هاجم مؤسسة البيعة واصفا إياها بالطقوس الكسروية والقيصرية وأخرجها من الملة والهوية المغربية، لم يكن يقم بنقد سياسي لطقوس تقليدية تعيق الحداثة والديمقراطية كما توهم البعض، بقدر ما كان هجومه وغيره من محاربي الإسلام المغربي هو استهداف الهوية الثقافية والدينية والتاريخ والحضارة المغربية وحتى تسخير ثوابت البلاد لخدمة المشروع الأصولي من خلال إعادة إنتاج النموذج الإخواني التركي والمصري.. بالمغرب وذلك عبر استبدال البيعة الشرعية لأمير المؤمنين ببيعة التقاطية وفق الرؤية الأصولية، تفقد هذه المؤسسة خصوصيتها المغربية مما سيشكل انقلابا وتهديدا خطيرا ليس على الوجود السياسي والهيكلي للدولة فحسب ولكن على الكيان الثقافي والروحي والحضاري للأمة والدولة المغربية.