المنابر مختطفة، وخطبة الجمعة مسيسة، وجمعيات وجماعات دينية تقدم للمصلين خطابا موازيا لخطاب الأزهر والمؤسسات الرسمية يقوم على الحشد والتلقين والاهتمام بقشور الدين ومظاهر التدين،والخطباء يقولون أحاديث ليست أحاديث وإنما هى خرافات لا تليق بمقام الشعب المصرى ولا بثقافته الدينية التى أصبحت مقسمة بين النقاب واللحية وتحريم الديمقراطية والأغانى والعزوف عن الحياة العصرية. هذا ما أكده الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر.
وقال فى حوار مع «الأهرام» إن خطبة الجمعة عند الأئمة الأربعة هى جزء من الصلاة، وهى ذكر لله فقط، فعند أبى حنيفة هى جملة ذكر واحدة مثل الله أكبر أو سبحان الله، أما عند الإمام مالك فهى جملتان مثل اتقوا الله والتزموا بما أمر وانتهوا عما نهى وزجر، وأما بقية الأئمة فقالوا بخمس كلمات تكتمل الخطبة. وأشار إلى ضرورة عدم استخدام المصلين فى إملاء ما يريده الخطيب عليهم مؤكدا أن تلك الممارسات نتج عنها ما وقعنا فيه من فتن، وما نعانيه من مشكلات.. وإلى نص الحوار.
+ هل أنت مع أم ضد مقترح الخطبة المكتوبة؟
-- لست متحدثا عن الشعب، لكن الشعب يجب ان يقول كلمته، وأرجو عدم انفراد النخب بالرأى لأمر يخص الشعب، فخطب الجمعة المستفيد والمضار منها أولا وأخيرا هو الشعب، ويجب ان يكون الحكم للأغلبية وليس للنخب، وعلى النخب ان تستفتى حال الشعب هل أنت كمواطن مضار من خطب الجمعة، فمنذ ظهور الجمعية الشرعية 1912 ظهر فى مصر خطاب دينى مواز للأزهريين حيث كانوا يتحدثون فى خطب الجمعة فى حديث أحادى المعنى حاشد لفكرة بعينها يجمع المؤيدين على رؤية إدارة الجمعية الشرعية وما يقولونه هو الصواب المطلق، ثم ظهرت جمعية أنصار السنة عام 1926 بخطاب دينى حاشد ومواز أيضا لخطاب الأزهر حيث يزعمون أنهم جاءوا لتنقية حياة المسلمين من البدع والخرافات، وتحت هذا العنوان يحشدون المصريين إلى الإسلام الشكلى وان صاحب اللحية هو المتدين ومن ترك الأغانى والموسيقى صار ملتزما وغير ذلك فهو بعيد عن الدين.. وهكذا تحول الدين إلى هذا الخطاب الذى عشناه ثم ظهرت جماعة الإخوان المسلمين 1928 وتحول الخطاب على المنابر إلى خطاب سياسى يزعم أن دستور 1923 ليس شرعيا وإنما الشرعى هو القرآن وان الديمقراطية كفر وان الأحزاب السياسية بدعة وان حياة المصريين التقدمية هى خارجة عن إطار الشرع. والإخوان عندما قدموا مشروعهم عام 2012 أطلقوا عليه المشروع الإسلامى أى احتكروا المشروع للإسلام واليوم مكافأة الخطيب لخطبة الجمعة التى يخطبها فى الأوقاف مبلغ زهيد لكن خطبة الجمعة فى الجمعية الشرعية وأنصار السنة من 500 جنيه إلى 5000 جنيه، وأؤكد أن بعض الأفراد المعروفين فى القيادات السلفية يحصلون على مبالغ ضخمة جدا نظير إلقائهم خطبة الجمعة وهذا منتشر جدا من أجل الترويج لفكرهم على انه الدين وما عداه فليس من الدين، فيجب أن نعطى الحقيقة للشعب وان يتخذ كلمته هل هو مع الخطبة المكتوبة من قبل أساتذة وعلماء أجلاء يشهد لهم أم من خلال أفراد لحشد الناس لاتجاهات وأهداف أخري؟!
+ ما أقوال المذاهب الفقهية الأربعة فى خطبة الجمعة؟
-- قال تعالى فى كتابه العزيز: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ” وتفسير هذه الآية الكريمة يوضح ان صلاة الجمعة ذكر وليست صلاة وعلما بنص القرآن الكريم. والذكر هو ذكر الله عز وجل، أما العلم فيحتاج إلى مناقشة وللعلم أماكن ومحاريب يقوم من خلالها الدارس بتلقى العلم والأستاذ يلقى معلومات للدارسين ولو كان الدارس لا يتمكن من مناقشة أستاذه فهذا يسمى تلقينا وتحشيدا، والعلم فيه إقناع ومناقشة عكس الحشد والتلقين فهل خطبة الجمعة ذكر أم أنها علم فلابد أن نسمح للشعب بأن يناقش خطيبه على المنبر فكل الخطباء يقولون لا يجوز للعلماء مناقشة خطيبهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فإذا جعلنا خطبة الجمعة علما، والعلماء مصرون أن تكون علما، فلابد أن يسمحوا للمصلين بمناقشتهم لكن النص القرآنى يقول أن خطبة الجمعة ذكر، وهنا يجب أن أقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب الجمعة فى المدينة المنورة 10 سنوات وكل سنة فيها 52 خطبة جمعة إذن عدد الجمع التى خطبها الرسول تقريبا 520 خطبة والمفاجأة انه لم يرد لنا من أى كتاب من كتب السنة أى شيء عن هذه الخطب رغم أن الصحابة كانوا أمناء فى نقل كل شيء عن الرسول، فهذا مؤشر أن خطبة الجمعة ذكر وليست علما. وبعض الروايات تقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ سورة من القرآن. والفقيه الأول تاريخيا أبو حنيفة قال إن خطبة الجمعة جملة ذكر واحدة مثل الحمد لله، الله اكبر، سبحان الله، أما الإمام مالك فقال خطبة الجمعة تكتمل بجملتين لا ثالث لهما مثل أنس يقول الخطيب (اتقوا الله وأطيعوه فيما أمر وانتهوا عما نهى وزجر) هكذا اكتملت الخطبة عند الإمام مالك، وباقى الفقهاء قال خطبة الجمعة 5 جمل الأولي: الحمد لله، والثانية: الصلاة على الرسول، والثالثة: اتقوا الله، والرابعة: ذكر آية من القرآن ولو أصغر آية، الخامسة: دعاء للمؤمنين مثل اللهم اغفر للمؤمنين. وتحولت إلى علم منذ عصر الدولة الأموية خاصة الحجاج بن يوسف الثقفي.
+ وهل تتماشى الآراء الفقهية للأئمة الأربعة مع ما تشهده المنابر الآن؟
-- الخطباء يقولون أحاديث ليست أحاديث وإنما هى خرافات ويكفينا المظاهر التى نعيشها هل هذه مصر بلد الأزهر وهل ما نراه حولنا يليق بمقام مصر وهل الشعب المصرى يليق بثقافته الدينية التى أصبحت مقسمة فى النقاب واللحية وتحريم الديمقراطية والأغانى والعزوف عن الحياة الحضرية، والأمر الآخر هل الشعب المصرى راض عن أخلاقيات تعامله سويا أى تعاون الأفراد مع بعضهم البعض، ومن المسئول الذى يدعمنا ويوجهنا إلى الأخلاق، أليس علماء الدين فيجب أن نختلف سويا بل يجب أن يكون الخلاف بأسلوب حضارى فلابد أن نحترم بعضنا البعض، وأدعو الشعب المصرى أن يقول كلمته لماذا سرقت خطبة الجمعة؟ وما هو الحل؟ وهل الشعب مسخر لخدمة الأئمة والفقهاء أم أن الأئمة والخطباء عليهم خدمة الشعب وأن يقدموا للناس العلم أو الذكر ونستقبل مجيء المصلى فيجد المصلى انه يتم حشده لمعلومات، فلو علم الشعب أن خطبة الجمعة ذكر وان الأئمة اختطفوا خطبة الجمعة وأصبحت علما وهى أساسا ذكر بنص كتاب الله وإذا أردنا العلم فيجب أن يكون بعد خطبة الجمعة أو فى أى وقت آخر فالمصلى جاء للصلاة فقط.
+ أليست خطبة الجمعة المكتوبة هى الأسلوب المتبع فى الحرمين الشريفين فلماذا نمنعه فى مصر؟
-- هذا متبع فى بلاد الخليج كلها والحرمين على وجه الخصوص والأئمة الذين يخطبون فيها أساتذة وعلماء أجلاء عاشوا تحت ظل بلادهم والتزموا بأسلوبها. وأقول للخطباء (طفشتوا الناس منكم) فلو كان الخطباء ناجحين لنجحوا فى جذب الناس فى أى وقت، والخطبة موحدة فى دول الخليج منذ 40 سنة فهل عاب عليهم أحد؟ وهل قال أحد إنهم مخالفون للدين أم إنهم محافظون على أوطانهم؟ ونحن عندنا فى مصر عشرات الجمعيات الدينية يصطادون المصلين فى خطبة الجمعة ويتم استخدام خطبة الجمعة للتجنيد والحشد الطائفي، نحن نريد حلا ينحاز للشعب وليس للائمة، فخطبة الجمعة ليست إبداعا بل هى انتهاز واستغلال لاستعراض مهارات الخطيب فهذا ليس إبداعا وباب الإبداع مفتوح من بعد صلاة الجمعة إلى الجمعة التى تليها.