على إثر انتهاء أجل تقديم طلبات القيد ونقل القيد باللوائح الإنتخابية يوم الإثنين 8 غشت، بلغ العدد الإجمالي للطلبات المقدمة حوالي نصف مليون طلبا. 60 % منها سجلت بالوسط الحضري و40 % بالوسط القروي، كما بلغت نسبة الأشخاص المقيدين الجدد الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة حوالي 60 %. هذا وإذا كانت نسبة المشاركة في الإنتخابات الجماعية والجهوية لـ 4 شتنبر2015 قد بلغت 53,67 % فإن الرهان على ارتفاع نسبة المشاركة مطروح بقوة خاصة بعد خطاب العرش الأخير. وذلك لتأكيد مدى اهتمام المواطنين بتدبير الشؤون العامة على صعيد التراب الوطني. وكان الخطاب الملكي واضحا في دعوة الأحزاب السياسية إلى الدفاع عن مشروعها السياسي والإقتصادي والإجتماعي بعيدا عن لغة الخشب المغلف بالسب والتنابز. "أنفاس بريس" اتصلت بالفاعل السياسي فؤاد الجعيدي وطلبت منه تخميناته في أفق الإستحقاقات التشريعية المقبلة، فيما يخص نسب المشاركة وبرامج وحظوظ الأحزاب، فوافانا بالورقة التالية:
هذا العزيز، المدعو المصطفى لبكر والذي أعز فيه دوما نبشه في المواجع.. مرات عديدة، يتصيدني كأرنب للمتاهات الاجتماعية.. ثم يفاجئني ويحاصرني بأسئلة ليست لي، أنا الذي شاءت الأقدار منذ عقد من الزمن، أن أجلس على قارعة طرق السياسة بالمغرب بعدما ضاق صدر (رفيق غير ديمقراطي) بي.. فرماني بالشتائم والخيانات العظمى .. فقررت ابتلاع لساني كما فعل قبلي الراحل شعيب الريفي والذي أباح لي ذات الفاتح من أيار بالقول ما أحلى الفرجة وما أقساها حينما نصير متفرجين وكفى.
أقر أني لست كائنا انتخابيا.. ترشحت في إحدى المرات حصلت على صوت واحد ضحك مني باشا المدينة بأعلى صوت داخل بناية بلدية سطات، وقال لي أنه أشفق من حالي ونضالي. كان الجواب على طرف لساني قلت لو كنت مكانك كباشا حقيقي لما عريت على أسناني ذاك صوت انتزعه رجل شيوعي على الأقل وجد من يضع فيه الثقة بدون رشوة في مثل هذا التنافس الذي أراهن فيه فقط على المساهمة في تطوير وعي المواطنين، علما أن الدائرة التي رشحت بها كنت كمناضل عملت على حل العشرات من القضايا للمواطنات والمواطنين.
السلوك الإنتخابي ببلادنا مجال خصب للدراسة والبحث العلمي، لكن للأسف الشديد كان ينتظر المثقفين بمعاولهم في علم الإجتماع والنفس واللغة والانتروبولوجية والسياسة وعلم الأخلاق.. لتحليل وتفسير هذه الظواهر المرتبطة بالاستحقاقات. لكن المثقفين كان لهم خيار آخر ينتظرون الاشتغال على المجتمع حين توفر لهم الدولة طلبية ومؤدى عنها كما كان الأمر بالنسبة لتقرير الخمسينية. والذي على ضوئه تناسلت الخطابات التي تبشر بالقوى السياسية الجديدة التي لا نعرف لها امتدادات ضمن القوى الوطنية والديمقراطية والنقابية.
إن الرهط السياسي اليوم بالمغرب والذي يفتقر إلى مشروع اجتماعي مدقق له سنده الفكري والإيديولوجي يتبنى ممارسة التنابز بالألقاب والنهش في أعراض بعضهم البعض باسم الديمقراطية والحرية ولم يسبق للمغرب أن وصل فيه الخطاب السياسي إلى هذا التدني الفظيع كما هو الحال اليوم.
يعني الممارسة السياسية في الخمس سنوات الأخيرة تبول عليها المجحوم وتلقت ضربات موجعة من تحت الحزام.
ما الذي يمكن استنتاجه من هذا الوضع؟ إن المشهد السياسي في بلادنا آخذ في طور التشكل، ضمن صيرورة، عرفت مدا وجزرا وانفتاحا وانغلاقا وتحقيق مكاسب وتسجيل تراجعات في ظل دينامية متعثرة.
وفي اعتقادي كان الأمل كبيرا مع حكومة التناوب التوافقي الأولى أن تحدث القطيعة مع مغرب مضى وآخر يلوح في الأفق. لكن قطع الغيار التي تم تركيبها للمحرك الاجتماعي، كانت في جزء كبير منها قوالب اجتماعية مستوردة واستثمر فيها الغليان الشعبي والشبابي. هكذا تعمقت أعطاب الآلة.
الأطراف السياسية والاجتماعية في المجتمع وعلى رأسها القوى الوطنية الديمقراطية ولحسابات تكتيكية لم تؤمن المجتمع بصمام أمان من التحالفات الطبيعية والمنسجمة لإحداث الثورة الوطنية الديمقراطية المنشودة والمطلوبة.
في الضفة الأخرى كان هناك من يراهن على علب التدجين الإيديولوجي لتشكلات اجتماعية متنافرة ويطرح نفسه بديلا وقد تخندق في معسكر مناهضة الفكر اليساري والتقدمي.
وفي نفس الضفة هناك من استفاق على أننا أمة تحتاج الوعظ والإرشاد والجهاد في النفس، أكثر من حاجتنا للمدرسة والمعرفة والعدالة والكرامة والمواطنة والشغل والسكن والصحة.
اليوم نسجل صمتا قاتلا فيما يتعلق بالأفكار والتصورات حول المجتمع الذي نريد والذي لن يكون بالضرورة سوى مجتمعا للعدالة الاجتماعية، وإتاحة الفرص للجميع وعلى قدم المساواة للولوج للمدرسة والجامعة والوظيفة و الاستقرار فيها كانت خاصة أم عمومية..
كما سجلنا تنكرا لمن ذهبوا لصناديق الاقتراع وكان لهم الجزاء بجلدهم بالزيادات والقوانين المجحفة كما حدث مع مشروع التقاعد ومدونة الإضراب والتعاضد.. هنا أنا لا أفهم وبالأخص بالنسبة للطبقة العاملة التي تفيد كل المؤشرات أنها كانت الضحية الأولى للسياسات غير المنصفة.
إن المواقف اليوم مع انتشار التكنولوجيات الجديدة للتواصل ووجود نشطاء على المواقع الاجتماعية، غدا يراكم وبجرأة ودون خطوط حمراء، انتقادات مرة وقاسية لمظاهر الحيف الاجتماعي وسوء التقدير للقرارات واستمرار مظاهر الثراء الفاحش على حساب المال العام..
مظاهر السخط الاجتماعي لدى الشباب باتت تحرج الإعلام الرسمي والحزبي الذي لا يتداول فيها ويتعامل مع الأحداث بانتقائية ولم يعد عنصرا مؤثرا وفاعلا فيها.. اليوم سلطة الفايس بوك تربك وأول ما تربك الصمت والتواطؤ على حقائق لم يعد بالإمكان تحنيطها.
زمن العرافات انتهى.
فنجاننا مقلوب.
فنجاننا دنيا مرعبة.
لم نقرأ أبدا فنجانا يشبه فنجاننا.
ولم نعرف أبدا أحزانا تشبه أحزاننا.