الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

حميد عبقري: حزب العدالة والتنمية يشتغل بثنائية المؤمن والكافر في ملف بوعشرين

حميد عبقري: حزب العدالة والتنمية يشتغل بثنائية المؤمن والكافر في ملف بوعشرين حميد عبقري

في سياق محاكمة توفيق بوعشرين، مدير نشر «أخبار اليوم»، المتابع بتهم الاتجار بالبشر، والتي لا علاقة لها (التهم) بالممارسة الصحفية، إلا أن انخراط حزب العدالة والتنمية في محاولات تسييس الملف، يطرح أكثر من سؤال.

في هذا الحوار مع حميد عبقري، المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، يفكك هذا الأخير عددا من الأسئلة حول هذا الموضوع.

+ كيف تفسر هذا الاستنفار العام الذي أعلنه حزب العدالة والتنمية في الدفاع عن توفيق بوعشرين، مقابل التشكيك في تصريحات الضحايا ووصفهن بأبشع النعوت؟

- الأمر لا يتعلق بحزب العدالة والتنمية، لكن الحركات الإسلامية، باعتبار أن هذا الحزب هو امتداد لحركة الإخوان المسلمين بالمغرب وينهل من نفس المرجعية، وفي المغرب كما في المشرق تتعامل هذه التيارات بمنطق ثنائية المؤمن والكافر، وما يمثلانه من ثنائية الخير والشر. وبما أن بوعشرين محسوب بشكل من الأشكال على تيار من تيارات الحركة الإسلامية، وكان طالبا إسلاميا، وبالتالي فهو منهم وهم منه، ولاحظ كيف أن نفس الاستنفار أعلنه الحزب في الدفاع عن طارق رمضان حفيد حسن البنا. والمفارقة أنهما معا متابعان بتهم الجنس والاغتصاب، يعني يكفي أن يكون لك قاسم مشترك في الخلفية والمرجعية الدينية ولا يهم التهمة التي تتابع من أجلها. فحتى لو توبع أردوغان التركي بتهم الإبادة البشرية، فستجدهم يساندونه بشكل أعمى بدعوى أنه منهم.

وإذا رجعنا للتاريخ، سنجد نفس الأمر عندما كان صهر حسن البنا في أربعينيات القرن الماضي وخلال الاعتقالات التي شهدتها مصر، يختلي بزوجات وبنات معتقلي «الإخوان المسلمين»، ووقعت فضائح جنسية، ووصل الأمر للقيادة، باعتبار صهر البنا كان عضوا في مكتب إرشاد الجماعة، وتم التغاضي عن ذلك، لكن مع توالي هذه الفضائح، انشق تيار من داخل السجن عن الحركة الأم، بمعنى أن خطيئة الجنس تلاحق الحركات الإسلامية منذ النشأة. من هنا نفهم أن منطق انصر أخاك ظالما أو مظلوما تتخذه هذه الحركات معيارا في تعاملها مع أفرادها، وبالتالي فمن العادي، عندها، أن تكون هناك محاولات تسييس كل الملفات المعروضة أمام القضاء، مهما كانت طبيعتها الجنائية، فقط لأن طرفها عضو حالي أو سابق في الحركة الإسلامية.

طارق رمضان، وقبل ذلك واقعة الفقيهين بنحماد والنجار، وحاليا بوعشرين، هي أمثلة لملفات جرمية تتعلق بالجنس والاغتصاب والعلاقة غير الشرعية، لكن الحركات الإسلامية انبرت للدفاع عنهم، رغم أن التهم ثقيلة. أنا لا أدين توفيق بوعشرين، فهو بريء إلى أن تثبت إدانته، لكن هناك قرائن مادية وتصريحات ستلقي ظلالها على الحكم القضائي النهائي. كما لا أبرئ الضحايا ولا أتهجم عليهن.. لكن ما لا أستسيغه هو أنه لو قام شخص لا يتقاسمون معه هذه الخلفية الدينية، بأقل من تهم الاتجار بالبشر والاغتصاب، فإنه مدان من البداية، وإلا كيف يمكن تفسير تهجمهم على ضحايا بوعشرين؟ الجواب، لأنهن لا يتقاسمن معهم نفس المرجعية، وهذا ما يفسر الخروج غير الموفق لأحمد الريسوني، الذي يقدم بالفقيه المقاصدي للحركات الإسلامية! انظر كيف تعاملوا بمنطق الجنة والنار في وفاة عالم الفيزياء البريطاني «ستيفن هوكينغ»، وكيف شدد «الشيخ حماد القباج»، الذي كان ضمن مرشحي «العدالة والتنمية» بمراكش على أن مصيره هو النار، لأنه كافر، مهما قدم للبشرية من خدمات، لقد أصبح القباج يمارس علينا الألوهية، وبالتالي فثنائية «الكفر والإيمان» هي خطيرة وينبغي الانتباه إليها والاحتياط منها، ولنا في النموذج المصري خير دليل على مآلاتها على المجتمع والدولة..

+ هناك تجلي واضح لحزب العدالة والتنمية في تسييس ملف بوعشرين من خلال الحضور القوي والدفاع المستميت لحامي الدين، نائب رئيس المجلس الوطني عن بوعشرين، هل نحن أمام مصير مشترك وخلفية دينية؟

- القضاء هو الكفيل بإدانة بوعشرين وحامي الدين أو تبرئتهما، مع أن كليهما متابع بقضايا ثقيلة، الأول الاتجار بالبشر والاغتصاب، والثاني إزهاق روح بشرية ضمن جرائم التصفية السياسية، وأنزه الدين الإسلامي الحنيف عن كل هذا التلاعب به من قبل الحركات الإسلامية، بل هناك تسييس للدين، بل حتى ثنائية المؤمن والكافر عند هؤلاء لا علاقة لها بالدين. ففي الوقت الذي ينبغي ان يكون التمييز في البشر على أساس، المجتهد والكسول، المستغل والمستغل، الديمقراطي والمستبد، العادل والظالم.. تلجأ هذه الحركات الإسلامية للتمييز بين المسلمين أنفسهم، ببساطة لأن التوجه السياسي هو الغالب على الخلفية الدينية.

انظر كيف يتعاملون مع أبو حفص، الذي له مواقف متقدمة من عدة قضايا آخرها الإرث، هو بالنسبة لهم كافر، مهما كانت خلفيته، فقط لأنه لا يساير توجههم السياسي. نحن أمام جماعة دينية بمنظر سياسي غالب، وما أود التنبيه له، هو استحضار تصريحات قواعد هذه الحركات الإسلامية مادام أنها تشكل أغلبية مؤثرة. فالقيادة قد تتحفظ وقد تلجأ للتقية، لكن المواقف المتطرفة تكون من القواعد، وهذا لا يبرئ القيادة، وكأننا امام لعبة توزيع الأدوار، قم بجولة بسيطة عبر حسابات ما يسمى «الجيش الإلكتروني» لهذه الجماعات الإسلامية ستجد التطرف بعينه، وهي الاكثر انتشارا في الأحياء السكنية والقرى والأكثر قربا من الشعب.. في المساجد ودور الشباب والمؤسسات التعليمية ومؤسسات الدولة.. انظر كيف يتحركون وكيف يحاكمون فلانا ويبرؤون فلانا، ويشكلون قوة ضغط وتأثير.. ورغم تبرؤ بنكيران في تصريح سابق منهم، فهم يشكلون حطب هذه الحركات الإسلامية ووقودها.. ولنا مثال التصريحات التي أدين بسببها اعضاء من حزب العدالة والتنمية بعد مقتل السفير الروسي في تركيا، فهذه التصريحات هي المؤشر الحقيقي وليس تصريحات الزعماء والقادة.

+ الأمر لم يقف عند حدود الدفاع عن بوعشرين، بل قام حامي الدين بما يمثله من مركز تنظيمي ومسؤول في حزب العدالة والتنمية بالحديث عن معسكر الخير الداعم لبوعشرين ومعسكر الشر الداعم للضحايا، أي خطورة يمثل هذا التقسيم؟

- هو تنزيل لما قلته لك في البداية، الإيمان والكفر، فهي الخلفية المحددة لهم في التعامل مع أي قضية تعترضهم. إن حامي الدين باستعماله لمصطلح المعسكر، أو الريسوني باستعماله لمصطلح التحالف في قضية بوعشرين، يريدان تحويل المغرب لمعسكرات متقاتلة، وكان الأولى هو تكريس الحديث عن الرأي والرأي الآخر والاختلاف والحوار. لقد أصبحنا أمام تصريحات هؤلاء أمام مفاهيم جديدة ذات خلفية إيديولوجية خطيرة ترمز إلى الميليشيات والسلاح والحرب والاقتتال، ومعروف التوجهات الأيديولوجية التي تحمله وتمارسه على الأرض.. إن بوعشرين وغيره ممن تدافعون عنهم لا يمثلون الطهارة أو أنهم فوق البشر، كما أن الآخرين لا يمثلون الرذيلة والظلم والمؤامرة... المحكمة وحدها من ستحكم في الملف، بما توفر لها من قرائن مادية بعيدا عن أي خلفية سياسية مزعومة.