الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد المرابط: "الشعب الريفي"  في مسيرة  الجمهوريين بباريس ،يدين معتقلي الحراك

محمد المرابط: "الشعب الريفي"  في مسيرة  الجمهوريين بباريس ،يدين معتقلي الحراك محمد المرابط

في ظاهرها كما في باطنها،كانت مسيرة باريس لجمهوريي الحراك بأوروبا في31 مارس 2018، قد فسخت الالتزام بقضية المعتقلين، رغم ركوبها الشكلي عليها، لتطرح بشكل مباشر مسألة تمايز "الشعب الريفي" عن "الشعب المغربي"،ليتوج أحد أمازيغيي الجزائر هذا التمايز في كلمته،بالتأكيد على أن "الشعب الريفي" ينبغي أن تكون له"دولة". وبهذا تكون هذه المسيرة قد أدانت معتقلي الحراك بأقصى العقوبات، على أرضية صكوك المتابعات، بدون أدنى تعديل.

هذه الخلاصة، وهي تجهض كل المساعي للحل السياسي لملف الحراك، تحيلني على بدايات هذا الحراك، لما راهن قادته على الخارج فورطهم الخارج، وما زال يورطهم إلى اليوم، وخصوصا لما تركوا ظهرهم مكشوفا من خلال إعلان الحرب على ما أسموه ب"الدكاكين السياسية"، و"الجمعيات الممخزنة"، لتكريس الاستبداد، إما من معتقد الفوضوية السياسية،أو من إرادة تعبيد الطريق للفتح الجمهوري ضد "اليسار العروبي". بحيث لن يبق للمعتقلين اليوم من خيارات،سوى مواجهة إدانة هذه المسيرة لهم،أو قبولها. وللوعي بدلالة التناص فإن مصطلح "الحراك"، هو مستوحى من"الحراك الجنوبي" في اليمن، وهو في سياقه، ذو مضمون انفصالي.

لقد بلورت مسيرة باريس، مفهومي"الوطن الريفي"و"الشعب الريفي". وزاد الأستاذ البوشتاوي،التهديد باللجوء إلى"القانون الدولي لحماية الشعوب الأصلية". هذا بالإضافة إلى التعريض المباشر بالملك في كلمة يوبا الغديوي، وحتى قبل المسيرة فعل نفس الشيء كما بلال عزوز، وفي شعارات المسيرة، ناهيك عن تعاهد أيدي البوشتاوي وعزوز ويوبا ومصطفى ورغي ومحمد أورياش، وهم ينهون هذه المسيرة بقسم الحراك، وبهذه القطيعة في المضمون، وذلك لإعدام كل الأمل في إعمال صلاحيات الملك، لطي هذا الملف، في إطار من التوافق بين المجتمع والدولة.

ما حصل يوم المسيرة، يستدعي استحضار ما حصل قبلها.فرغم أن الجمهوريين سطوا على فكرة تنظيم مسيرة باريس، وهي من بين فقرات برنامج العمل للقاء الأوروبي للجن دعم الحراك بفرانكفورت، فقد سارعت مجموعة العمل المنبثقة عن هذا اللقاء، إلى إصدار بيان يدعو لهذه المسيرة، مع التنبيه إلى ضرورة الالتزام مستقبلا بتوحيد الأشكال النضالية،"من خلال التنسيق والتشاور عوض الانفراد بالقرار"، مع التأكيد على إرادة "حماية" الحراك، "من كل اختراق أو استغلال لصالح أجندات غير حراكية".فماذا سيفعل الآن محمد أكريم وسعيد العمراني وعبد الغني اعبابو، مع خروج الجمهوريين في هذه المسيرة عن سقف مطالب الحراك، وقبلها لما تساءل يوبا: هل يمكن التمسك بالملف المطلبي،ليفتح باب التصعيد، ولما اعتبر بوجيبار أن الملف المطلبي لا يعنيه،ليرميه "إلى مزبلة التاريخ"؟

ويظهر لي من خلال المتابعة،أن الوافيRifi Dumar،من مجموعة لقاء فرانكفورت، كان واضحا منذ البداية،فناهض مسيرة باريس، من منطلق وجود الجمهوريين المغاربة ومولاي هشام في خلفية المشهد، بدليل محاولة تهريب المسيرة بعد انتهائها إلى Betz،تحت شعار،إسقاط النظام، علما أن فكرة الوقفة بجوار الإقامة الملكية كانت من وحي هؤلاء، وسعوا في طبعتها الأولى والثانية إلى الحصول على ترخيصها.لكن إثارة الوافي لما أعلنه أحد هؤلاء،حمل بوجيبار والورغي من التبرؤ منهم مخافة أن يؤثر ذلك سلبا على المسيرة.وبعدها تبرأ منهم نوفل المتوكل.كما أن عثمان من لجنة دعم الحراك بباريس اعتبر أن هذه المسيرة تخدم أجندات لا علاقة لها بالحراك،وستعطي المشروعية للأحكام على المعتقلين. بل وأكثر من هذا اعتبر أن مولاي هشام مول أصحاب هذه المسيرة.

سديم حراك الريف بأوروبا وفخاخه الملغومة،يطرح مسألة الفرز الوظيفي بجدية.ولعل نقطة البدء في ذلك سيمثلها مؤتمر لجن فيدرالية فرنسا لدعم الحراك باستراسبورغ يومي31 مارس،وفاتح أبريل 2018، في أفق المؤتمر الأوروبي المرتقب بباريس في ماي 2018. لكن تحكم جمهوريي حراك الريف في الشارع، سيجعل مهمة الديموقراطيين في بناء "تنظيم" بالدياسبورا-ملتزم بمطالب الحراك بالداخل-في غاية الصعوبة.

وفي تقديري أن تغييب المخزن لقواعد السياسة في معالجة ملف الحراك، يخدم موازين القوى لصالح الجمهوريين.كما أن تطابق ظاهر وباطن هؤلاء في تجاوز الملف المطلبي للحراك، يخدم في إطار التغذية الراجعة تصلب المخزن مع المبادرات المدنية في ملف الحراك،وربما يخدم أبعد من ذلك، منزلقات المساس بالاختيار الديموقراطي للبلاد،عبر التضييق على الحريات العامة.

وهذا الأمر يدفعنا من جهة، إلى التأكيد أن المغرب في حاجة إلى تعاقدات جديدة تضبط إيقاع تدافعه الداخلي. وهذا يحتاج إلى إصلاحات سياسية تسترشد بما نبه إليه صاحب الأمر، من كون "لا ديموقراطية بدون ديموقراطيين".كما يدفعنا من جهة أخرى إلى لفت انتباه المعتقلين وعائلاتهم إلى الانشغال بما يفيد في خلق جبهة داخلية تنحت بقواعد السياسة مع الدولة، أفقا للتجاوز الواعي لعوائق الفهم المتبادل للآخر.وهذا من شانه أن يعيد الأمور إلى نصابها. فهل يلتقط ابتداء ناصر واعزي أحمد الزفزافي، مقاصد الكلام لمصلحة الريف وأهله، ولمصلحة الوطن أيضا،بمؤسساته ورموزه ورمزياته؟