السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

زهور: إلى من يهمه أمر بناء هذا الوطن، العناية بالإنسان أهم من بناء الجدران

زهور: إلى من يهمه أمر بناء هذا الوطن، العناية بالإنسان أهم من بناء الجدران الحسن زهور

أثارت الصور و الفيديوهات الصادمة، التي تظهر بعض الشباب فيها  في وضعية ذئاب بشرية تغتصب بناتنا في وضح النهار و في الأماكن العامة، صدمة شديدة لدى المغاربة، و اتجهت الآراء و المطالبات إلى محاكمة المجرمين و سن قوانين قاسية لردع هذا النوع من الإجرام الغريب عن مجتمعنا المغربي.

فهل سن هذه القوانين يكفي للحد من هذه الظواهر الشاذة؟

و السؤال الأهم هو: من المسؤول عن مثل هذه الممارسات الفظيعة؟ و ما دور و مسؤولية المجتمع المدني في تأطير الشباب و ربطه بقيمه المغربية؟

لن نخوض في الأسباب لتعددها لكنها تشترك في نقطة محورية و هي ابتعادها عن القيم المغربية، الابتعاد يبدأ تأثيره السلبي من الأسرة في تفككها بتفكك القيم المغربية التي كانت قاعدة هذا التماسك الأسري، مرورا بالمدرسة التي ابتعدت عن ترسيخ الثقافة المغربية و قيمها، و مرورا بالإعلام المرئي الذي يعيد إنتاج القيم الأجنبية المصرية أو التركية او اللبنانية او المكسيكية... بدلا من نشر و ترسيخ القيم المغربية عبر تشجيع الإنتاج المغربي بالدارجة و الأمازيغية ( لماذا لا تتم ترجمة الأفلام و المسلسلات الأمازيغية و عرضها في القنوات المغربية: دوزيم، القناة الأولى ... باعتبارها حاملة للقيم المغربية الأصلية الحامية لهوية هذا الوطن).

لكن ما يهمنا هنا هو دور نوع من الجمعيات التي  تستطيع بخطابها الشعبي الديني أن تلعب دورا أساسيا في بناء و تقوية البنية التحتية الثقافية و الفنية و الرياضية في الأحياء التي تشتغل فيها نظرا لقدرتها على جمع الأموال الطائلة من مساعدات خارجية او من محسنين و متبرعين بخطابها الشعبي الديني هذا، لكن مع الأسف انحصر عملها في جانب فقط وهو بناء المساجد ولم يرتق عملها إلى ما هو أعم و أهم و هو المساهمة في ضمان الأمن الروحي و الهوياتي للمغرب، أسوة بما قام به الأجداد من الجمع بين ما هو ديني من بناء المساجد و بين ما هو دنيوي من بناء المدارس و الإهتمام بالفن و بناء المشاريع العامة و الجماعية انطلاقا من ثقافة " تيويزي" المغربية.

هذه الجمعيات الشعبية (و لا أتحدث عن الجمعيات الدينية ذات أهداف سياسية) في جمعها لهذه الأموال الطائلة يقتصر عملها على بناء المساجد موظفة في ذلك الحس الديني في عملية جمع الهبات و لا تتعداه إلى المساهمة في بناء الإنسان ببناء البنية التحتية للمقومات المدنية و الحضارية، مع أن أغلب الأحياء التي تعمل فيها هذه الجمعيات تفتقر إلى ابسط مقومات الحياة المدنية و الحضارية من ملاعب الأحياء و حدائق الأحياء و دور ثقافية أو خزانات... و التي هي أهم مقومات بناء الإنسان المواطن، فبدلا من المساهمة في بناء البنية التحتية لخلق هذا المواطن تتجه هذه الجمعيات فقط الى بناء المساجد و كأن الدين يقتصر فقط على الطقوس ولا يتعداه إلى مصلحة الإنسان كانسان يعيش في مجتمع.

إن بناء الإنسان المواطن لا يعتمد فقط على الجانب الديني الذي هو جزء من البناء، بل يتعداه إلى الجانب الروحي و الفكري و الثقافي و الجسدي الصحي... لذلك فما نراه من ظواهر غريبة عن ثقافتنا و قيمنا المغربية يتحمل فيه الجميع مسؤوليته. يبتدئ البناء الثقافي و القيمي للمجتمع من الأحياء كبنيات صغيرة مترابطة داخل بنية كبرى هي المدينة كجزء داخل بنية اكبر هي البلد الوطن.

يقول المثل الأمازيغي" اركازن اد ئزوار ؤرد ئغربان"، أي العناية بالإنسان أهم من بناء الجدران.