- ماهو السياق التاريخي الذي تأسست فيه الذكرى السنوية للإحتفال بعيد العرش؟ وماهي جذوره التاريخية و في التحام الحركة الوطنية بالملك ضد الإستعمار وبيادقه؟
+ كانت عادة عيد العرش يحتفل بها في المشرق بمصر وتركيا إبان الدولة العثمانية، حيث كانت لهذه الدول تقاليد الإحتفال بالجلوس الملكي ولم يكن المغرب يعرف هذه العادة إلا في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي بعد الظهير البربري. ذلك أن المغرب التقليدي العميق والقديم، مغرب التاريخ لم تكن له إلا مناسبات دينية يحتفل بها هي أعياد الفطر والأضحى والمولد النبوي الشريف، أما ذكرى عيد العرش فلم تكن تخلد تماما. وكان مجيئ الظهير البربري في ماي من سنة 1930 بمثابة الشرارة الأولى لنشوء الحركة الوطنية في المغرب شماله وجنوبه التي انتفضت ضد الإستعمار الفرنسي الذي أراد عبر إصداره لهذا الظهير إحداث شرخ وشق صفوف الشعب المغربي، حيث عمد الإستعمار إلى استخدامه لخاتم يحمل اسم السلطان محمد بن يوسف، يينما كان هذا السلطان بريئا براءة تامة من هذا الظهير لأن المقيم العام الفرنسي آنذاك كان هو من يتولى السياسة الخارجية المغربية. وبالتالي كان الملك محمد الخامس لا يستطيع أن يتدخل في الظهائر التي تفرض عليه بالقوة وعنوة نظرا لحداثته ولصغر سنه. ولذلك كانت الكلمة الأولى آنذاك للوبي المتحكم من كبار رجال الإقامة العامة ومن رجال المخزن الموالين للاستعمار، وهذا هو السياق الأول. أما السياق الثاني فغداة الإرهاصات الأولى للحركة الوطنية مايين 1930 و1931 التأم العرش والشعب بمدينتي الرباط وسلا وتقررت الدعوة للإحتفال بعيد العرش يوم 18 نوتبر. وهو التاريخ الذي كان قد اعتلى فيه السلطان محمد بن يوسف (محمد الخامس) العرش في سنة 1927. من هذا بدأ تخليد ذكرى عيد العرش الذي كان يدعى في شمال المغرب بعيد الجلوس الملكي. تخليد تم تأسيسه من أجل إعطاء دفعة وشحنة للحركة الوطنية كي تعمل تحت ظل ملك المغرب حتى لا تتعرض للقمع من طرف الإستعمار ويعني ذلك أن الحركة الوطنية اتخذت من عيد العرش حماية لها وتحصينا بعدما كانت سلطات الإحتلال تمنع الوطنيين من رفع العلم المغربي فوق مساكنهم ومن ترديد النشيد الوطني ومن التواصل مع الصحافة وإبداء مشاعر الود والوفاء نحو الأسرة الملكية الشريفة، فكان عيد العرش عبارة عن تديير وقائي وحماية لقادة الحركة الوطنية مكنهم من تمرير خطاباتهم ومقالاتهم ونداءاتهم ومن التعبير عن التحامهم بالنظام الملكي الذي اختاره المغاربة أبا عن جد علما أن قادة الحركة الوطنية كانوا من ثلاثة أنواع فمنهم الذي تخرج من فرنسا ومن المدارس الأوروبية ونوع ثاني تخرج من المشرق كما كان نوع ثالث ممن تخرج من جامعة القرويين بفاس ومن المدارس العتيقة وكلهم حماهم عيد العرش من بطش الإحتلال.
- ماهي في نظرك الدلالات السياسية والإجتماعية التي يشكلها الإحتفال بعيد العرش؟
+ أما من حيث الدلالات السياسية فهي واسعة. فعيد العرش يمثل اليوم الوحدة الوطنية والوحدة الترابية بضم الأقاليم المغربية الجنويية التي تم استرجاعها وبسبتة ومليلية الأقاليم الشمالية التي نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يفرج عنهما لتلتحقا بركب الوطن، فهذا الإجماع الوطني الذي وحد العناصر والمكونات المغربية المختلفة سواء ذات الإتجاه اليميني أو الإتجاه اليساري أوغيرها من الإتجاهات لا يمكن أن يجتمع شملها إلا تحت ظل إمارة المؤمنين، وعيد العرش يمثل فرحة مشتركة للجميع وهو خيط رابط بين الجذور العريقة للدولة المغربية وأدمغتها من العقول والأجيال المتعاقبة. وعيد العرش هو أيضا الواسطة آلية تربط الوطن بالعقيدة وبالنظام ويرمز بالتالي إلى ثلاثية الله الوطن الملك وقد انصهرت في بوتقة واحدة مندمجة في أبعادها البشرية والجغرافية والنظامية للمجتمع المغربي. أما على مستوى الدلالات الإجتماعية فإن المجتمع بغض النظر عن السياسة يحتاج إلى دفء الرحمة والرأفة والحنان، وعيد العرش هو رمز لهذا الدفء ورمز للأبوة التي يحتاجها الأبناء. والملك يمثل الحضن الكبير الذي يسع سائر أبناء المغرب وهو "حضن" ظل ممتدا بالنسبة للدولة العلوية لما يقارب 5 قرون، ويمكنني القول بأنه من الناحية الإجتماعية فالشعب بالتنمية البشرية وبالحركية المتواصلة والحضارة وبالتقدم المغربي وبتعدده الذي يجمع بين العربي والأمازيغي كل ذلك يحتاج إلى لحمة وإلى رمزية تجمع هذا الشتات بين المغاربة سواء في الداخل أو في الخارج وتجمع أيضا بين الجانبين الديني والدنيوي وهذه اللحمة هي عيد العرش الذي يمثل فرحة شعبية عفوية تجمع قلوب المغاربة حول الملك والنظام السياسي الملكي الذي ارتضوه دستوريا وتقليدانيا.
- كيف تطور في رأيك الإحتفال بالذكرى عبر الملوك الثلاثة (محمد الخامس، الحسن الثاني ومحمد السادس) وقد عاصرتهم خلال مشوار حياتك كعالم ومؤرخ؟
+ نعم، التطور هو تطور الحياة التي لا تقبل الجمود وتطور العمر والإبداع البشري اللذان لا يقبلان السكون والهمود، فدائما هنالك تطور وارتقاء في الفعل البشري ولذلك فقد كان عيد العرش أيام الملك محمد الخامس عبارة عن خطاب العرش وحلوى تؤكل ونشيد يعزف وعلم وطني يرفع وصورة لمحمد الخامس بجلبابه الأصيل، أما عيد العرش في أيام الملك الحسن الثاني فقد أضيفت على مراسيم الإحتفال بهذا العيد أشياء جديدة وخاصة استقبال الملك لوفود يمثلون الشعب المغربي بأطيافه السياسية والقيادات المختلفة في حفلة الولاء تقام بالمناسبة لتجديد البيعة هذا إضافة إلى خطاب العرش (وللإشارة فخطب العرش للملكين المرحومين هي مجموعة ومضمومة في مؤلف - انبعاث أمة - لعبد الوهاب بنمنصور) كما أنه في عهد الحسن الثاني خرج الإحتفال بعيد العرش من طابعه الروتيني ليصبح مناسبة وطنية تقام فيها السهرات والأفراح في الساحات والقاعات والإستعراضات في الشوارع وأقواس النصر والأغاني الوطنية، وتطور الإحتفال في عهد محمد السادس يشكل نوعي بحيث صرنا نرى والحمد لله خلال عيد العرش بالإضافة إلى الموروث ظهور أشياء جديدة يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر استقبال الملك للمبدعين في جميع المجالات ولكبار المفكرين وبعض المميزين من أبناء المغرب من الداخل ومن الجالية ويوشحهم ويوسمهم، وكذلك حضور الطرق الصوفية المغربية في حفلات عيد العرش بالإضافة إلى المجالس العلمية ورجال الدولة المغربية بمختلف رتبهم ومناصبهم والأحزاب السياسية والنقابات ومختلف الفعاليات. كما أن أسلوب خطاب عيد العرش تغير وبدأ يتطرق إلى امور جديدة بحمولة كبيرة تواكب تطور المغرب في مختلف مناحيه.