الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

ذ. مصطفى المتوكل: نحمد الله على نعمة الأمن والشعب

ذ. مصطفى المتوكل: نحمد الله على نعمة الأمن والشعب

بعض المحسوبين على السياسة وهم بالحقل الحزبي أو الدعوي يقولون بين الفينة والأخرى "نحمد الله على نعمة الأمن" في ربط تعسفي بين وجودهم بموقع المسؤولية واستتباب الأمن بربوع الوطن، وكأنهم بذلك يريدون أن يوهموا البعض من الناس أو أن يلمزوا برسالة لمن يعنيهم الأمر... أنه لولاهم لما كان الأمن ولكانت الفوضى وكأننا في بلاد السيبة... فبقراءة لبعض ما يعتقدونها خطبا حكومية ونعتبرها كلاما مشبعا بفكر التحكم والالزام السياسي للناس على أن يرضوا بكل ما يقرر ويخطط وينفذ ولو فيه ضرر وتفقير ومساس مجحف بحقوق متعددة ومكاسب مختلفة، ولو أن تبعات كل ذلك حسب علماء الاقتصاد والاجتماع قد تتسبب في تهديد نعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني. وبقراءة للعديد من الاجراءات ذات الطابع المالي والاقتصادي التي تتسبب في دول عدة في احتجاجات الى حين إسقاط القرارات أو المسؤولين عنها بالحكومات... فإننا نحمد الله على نعمة الأمن ونعمة شعب هذا البلد المناضل والمرابط والصامد عبر التاريخ في مواجهة القوى الاستعمار والخارجية العثمانية التي لم تستطع دخول هذا البلد بمنظريها وشيوخها وعساكرها بعد أن بسطوا سلطتهم العسكرية على العالم العربي والاسلامي ومنها الفرنسية والاسبانية... شعب يفهم أهمية الأمن والطمأنينة وضرورة تحققهما ليلا ونهارا في الرخاء والشدة .

شعب يفهم أنه هو المعني بنشر الأمن والاستقرار مع أسرته وجيرانه بقبيلته وقريته ومدينته، بعمله وبأسواقه وبجباله وصحاريه، وإنه يتجند و يجند نخبا من أبنائه بالمؤسسات الأمنية والعسكرية وشبه عسكرية المنتشرين عبر ربوع الوطن في انسجام تام وتكامل بين مؤسسات الدولة والشعب، وهذه نعمة لا تتم إلا بشعب مثل الشعب المغربي الأصيل من عمال وفلاحين وكادحين وفقراء ومختلف فئات ومكونات المجتمع، وفي علاقة بموضوع العمل الحكومي والوزارات التي يطلق عليها وزارات السيادة كالجيش والأمن والاستعلامات والدرك، ورغم أنه من الديموقراطية أن تتولى الحكومة المشكلة بعد الانتخابات كل الحقائب، فإنه في بعض البلدان ومع وجود عقليات ضيقة في فهمها ومشبعة بغرور التميز على المخالفين وتحيز مطلق "للمذهب" تسعى للتحكم بالإقصاء والتشكيك والابتزاز السياسي وسياسات التآمر... يكون الأفضل تحقيقا للمصلحة العامة وحماية للديموقراطية العرجاء حتى لا تصاب بشلل كلي أن لا تسند هذه المسؤوليات لأشخاص قرارتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية تطال الأمن المعنوي والمادي للشعب، مما يؤثر بشكل مباشر على الأمن العام للمجتمع فيظهر الانحراف والجنوح بشكل مقلق ومزعج .

إن المدخل لعدم الاستقرار والتفرقة وانهيار التماسك الاجتماعي والتكامل السياسي والانجراف مع تيارات الفوضى والتسيب التي تخرب الاقتصاد كما تفقد للدولة هيبتها هو التعامل باستهتار واستهزاء وعنترية سياسوية مع العقل الجماعي ومع الشعب الحريص على أمن البلد والراغب في تطور معيشته وقدراته وازدهار وطنه... إن ما حصل في بعض الدول خلال العقد الحالي وحتى قبله من قيام بعض الحكام بحملات لاجتثاث أحزاب ومذاهب ومعتقدات وإثنيات ومنظمات ثقافية ومؤسسات حقوقية ومدنية بمبررات حماية الاستقرار، كشف نوايا بعض الاحزاب والمنظمات التي تؤمن تقية بأنها هي الأولى بالحكم والتسلط وأن من لم يحترم ذلك أو ينافس من أجل تناوب ديموقراطي على الحكم فهو مشروع انقلابي أو انقلابي حقيقي ومتآمر وخائن ثم قد يوصف بأنه "إرهابي" يجب استئصاله ماديا ومعنويا من المشهد العام، إن لم يتحول ذلك إلى ما هو افظع والذي لا يحتاج عند البعض منهم سوى إلى جملتين من المتخصصين في فتاوى التكفير والتفجير والفتنة..؟؟

لهذا نقول لكل هؤلاء، احترموا وطنية الشعوب التي هي أصل كل الأشكال المعبرة عن الوجود الانساني الحضارية منذ خلق الله البشرية ، ثقافة وعلما وسياسة وفنا... الخ، فالدول لا تقوم إلا بهم ومن أجلهم، والشعوب هي التي تضمن استمرار الدول، فلا أمن يتحقق إلا بشعب يحمي ويبني ويجسد نعمة الاستقرار والأمن الفعلي الذي لا يقبل أن يتطاول عليها أي احد.. نهمس في آذان البعض بأن التقدم لا يتحقق إلا باشراك الشعب في كل عمليات التنمية، كما أنه لا يتحقق بالمساس بالأمن الغذائي والفكري والاجتماعي عبر فرض إجراءات مالية وقانونية تزعزع مقومات أمن الناس التي يصنعونها بأبعد النقط حيث لاطرق ولا مرافق ولا أي مظهر من مظاهر التمدن، فيزرعون ويكدحون ويسوقون إنتاجهم ويتعايشون مع الفقر والخصاص بقناعة وعزة وكرامة، وكلهم عيون على مناطقهم المتلاصقة والمترابطة من طنجة إلى الكويرة ومن البحر الابيض المتوسط حتى موريتانيا ومن المحيط الاطلسي الى الجزائر .

فالحمد لله على شعب يحمي الأمن وينجب رجالا ونساء يقومون بواجبهم في المؤسسات الأمنية والعسكرية المخولة قانونا بالسياسة الأمنية في تكامل مع تحقيق مقتضيات شرعية ودستورية وقانونية، أي الطمأنينة والسكينة وحماية الوطن والمواطنين من كيد الكائدين ومكر الماكرين والمتربصين، ونحمد الله أن مسؤوليات الأمن والجيش لم تسند لمن تسبب في "رفع الأسعار" و"أفسد التقاعد" و"حذف صندوق المقاصة" و"أثقل البلد بالديون" و"رهن" المستقبل بأحلام لا تشبع جائعا ولا توظف فقيرا.. واعتبر تعليم وعلاج الشعب مكلفا ومرهقا.