الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: الإنضمام إلى الإتحاد الإفريقي.. هل تخوننا السرعة النهائية؟

عبد القادر زاوي: الإنضمام إلى الإتحاد الإفريقي.. هل تخوننا السرعة النهائية؟

فاجأ المغرب القارة السمراء، وكل المهتمين بشؤونها بتحرك دبلوماسي سريع ومكثف، غير معهود في السابق تمثل في الجولة على 20 عاصمة إفريقية في ظرف وجيز، تمهيدا للإعلان عن الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي واستعادة مكانة المغرب التاريخية، التي تركها سنة 1984 عندما كان المنتدى الإفريقي يسمى منظمة الوحدة الإفريقية.  

واكبت هذا التحرك تغطية إعلامية واسعة كانت توحي بأن انضمام المغرب إلى المنتظم الإفريقي مسألة وقت فقط، وأن الأمور تسير واثقة الخطى في الاتجاه المطلوب، وبما يرضي التطلعات المغربية، وأن كل ذلك قد يحصل خلال قمة القادة الأفارقة، التي احتضنتها العاصمة الرواندية كيغالي  منتصف يوليوز 2016.

وقد وصل الأمر إلى حد تسريب خبر تزامن كل ذلك مع زيارة ملكية مرتقبة لرواندا يتم خلالها تتويج هذا التحرك الدبلوماسي بدخول مظفر من الباب الواسع. ولكن فجأة توقف الزخم الإعلامي المواكب لهذه التحركات ليقتصر على نشر الرسالة الملكية الموجهة إلى القمة الإفريقية، وتغطية ردود الفعل التي خلفتها.

جاءت الرسالة الملكية عاطفية في أسلوبها، قوية في محتواها، متكاملة ومتناسقة في فقراتها. وقد كان طبيعيا وضروريا أن تستهل باستحضار تاريخ المغرب المشرف إفريقيا منذ مجموعة مونروفيا والدار البيضاء زمن الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله، والدعم اللامحدود الذي كان المغرب يقدمه آنذاك للعديد من حركات التحرر الإفريقية.

وبعد أن أشارت الرسالة إلى أن انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية كان فقط انسحابا من إطار مؤسستي، شددت على أصالة انتمائه الإفريقي، الذي تترجمه على أرض الواقع الرتبة الأولى التي يتبوؤها كمستثمر في غرب إفريقيا، والرتبة الثانية التي يحتلها على صعيد القارة كلها، مبرهنا بذلك على أن تضامنه مع الشعوب الإفريقية هو تضامن ملموس، وليس مجرد أوهام تباع.

وانطلاقا من هذه المعطيات الاقتصادية والاستثمارية، وفي زمن تلاشي الإيديولوجيات، الذي باتت الشعوب تتوق فيه إلى العمل الملموس أكدت الرسالة الملكية على أن الوقت قد حان إفريقيا للابتعاد عن التلاعب وتمويل النزعات الانفصالية، وأن هذا الأمر جعل  المغرب يستشعر ضرورة استعادة مكانه الطبيعي والشرعي داخل المنتظم الإفريقي.

ولذلك شددت الرسالة الملكية على أن الهدف من وراء استعادة المكانة هو مساهمة المغرب  في جعل هذا المنتدى الإفريقي أكثر قوة ومصداقية، متخلصا من أعباء ومخلفات الأزمنة البائدة، ما يدفع إلى التأكيد بأن الرباط عاقدة العزم على العودة إلى كنف أسرتها الإفريقية، ومواصلة تحمل مسؤولياتها القارية بحماس واقتناع أكبر، آملة أن تتلقى القمة هذا الشعور الصادق بما يستحقه من إصغاء واعتبار.

ورغم كل المناورات التي حاولت تبخيس الرسالة الملكية، فإن هذه الأخيرة وجدت صدى واسعا داخل القمة تم التعبير الجلي عنه في الملتمس الذي وجهه الرئيس الغابوني إلى رئاسة القمة باسم  28 رئيسا إفريقيا بغية :

*الإعراب عن تلقي القادة الأفارقة بشكل إيجابي لمضمون رسالة جلالة ملك المغرب، التي وصفوها بالتاريخية.

*الترحيب بقرار المغرب العودة إلى الاتحاد الإفريقي، وإبداء العزم على "العمل من أجل تفعيل هذه العودة الشرعية في أقرب الآجال".

*تقرير العمل من أجل تعليق عضوية الجمهورية الوهمية في أنشطة الاتحاد الإفريقي وجميع أجهزته لتمكين هذا الاتحاد من المساهمة إيجابيا في جهود المم المتحدة قصد التسوية النهائية للنزاع الإقليمي حول الصحراء.

ومع كل ما سبق انفض السامر الإفريقي في رواندا ولم يعلن عن انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، ولا عن مباشرة مسطرة هذا الانضمام، لا لشيء سوى لأن المغرب لم يقدم طلب الانضمام أصلا. فماذا حصل ؟ وبلغة ألعاب القوى هل خانت السرعة النهائية المغرب في هذا المضمار ؟

لا شك أن التحركات المغربية في القارة السمراء التي توجتها الرسالة الملكية للقمة الإفريقية قد فتحت الباب أمام إمكانية إحداث نقلة نوعية في مقاربة ملف معالجة قضية الصحراء المغربية، ولكن تثبيت هذه النقلة النوعية وترسيخها تقف أمامه عوائق عديدة متداخلة سياسيا وقانونيا سيثيرها فعلا خصوم الوحدة الترابية للمغرب الواحد تلو الآخر.

إن المتمعن في ردود فعل الجزائر كأكبر خصم شرس لاسترجاع أقاليمنا الجنوبية يلاحظ أنها لم تهضم المكاسب السياسية التي حققها المغرب من تحركاته الدبلوماسية المتواترة في إفريقيا، ولكنها ركزت في تعقيبها  للرد على الأطروحة المغربية على الأبعاد القانونية للموضوع، علما منها بأن هيئات الاتحاد الإفريقي حريصة كثيرا على احترام النصوص القانونية .

يستشف هذا من تصريحات الوزير الأول الجزائري السيد عبد المالك سلال الذي أكد ترحيب بلاده بانضمام المغرب، ولكن دون شروط وبمراعاة المسطرة المنصوص عليها في المادة 29 من ميثاق الاتحاد الإفريقي، مشيرا إلى أن "الجمهورية التي على الورق" عضو مؤسس لهذا الاتحاد ومن غير المعقول المطالبة بمغادرتها.

نفس النغمة رددها السيد رمطان لعمامرة وزير الخارجية، الذي طالب المغرب بالالتزام بكل متطلبات العقد التأسيسي للاتحاد الإفريقي إذا أراد الانضمام إليه. وعلى ذات النهج جاء تصريحات الوزير المكلف بالشؤون المغاربية والعربية والإفريقية السيد عبد القادر مساهل.

وبديهي أن تجد الجزائر ضالتها في إثارة البعد القانوني للموضوع انطلاقا من أن مقتضيات المادة 29 من ميثاق الاتحاد الإفريقي تضع المغرب في حرج كبير، إذا تقيد بها ؛ وذلك لأنها تتيح "لجمهورية الورق" البت في قبول أو عدم قبول طلب المغرب بالانضمام ؛ الأمر الذي يستحيل أن يرضى به المغرب الطاعن أصلا في شرعية "جمهورية الورق" والمحتج بعدم توفرها على العناصر القانونية للدولة.

وكما هو معلوم، فإن طلب الانضمام يودع   لدى رئيس المفوضية الإفريقية الذي يخطر به باقي الدول الأعضاء مطالبا إياها بإبداء رأيها في الطلب. وبمجرد أن يتوصل بالعدد المطلوب من الأصوات الموافقة ( النصف زائد واحد ) يخبر الدولة المعنية بذلك دون حاجة إلى انتظار اجتماع إحدى هيئات الاتحاد.

ويستند الموقف الجزائري إلى معطيات قانونية أخرى تتمثل في :

*عدم وجود أي نص في ميثاق الاتحاد الإفريقي يسمح بتعليق العضوية باستثناء الحالة المنصوص عليها في المادة 30 الخاصة بمنع الحكومات التي تصل إلى السلطة بوسائل غير دستورية من المشاركة في أشغال الاتحاد. وهي الحالة التي طبقت على أكثر من دولة آخرها مصر بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي.

*صعوبة وطول مدة مسطرة تعديل الميثاق لتضمينه نصا جديدا يتناول تعليق العضوية. فبحسب المادة 32 من حق أي دولة عضو طرح مقترحات لتعديل الميثاق أو مراجعته، وذلك بمراسلة موجهة إلى رئيس المفوضية، الذي يخطر باقي الأعضاء بالمقترحات المطروحة في أجل 30 يوما.

وبموجب الفقرة 3 من المادة 32 فإن مؤتمر الاتحاد ( يضم قادة الدول فقط ) بناء على توصية من المجلس التنفيذي ( وزراء الخارجية أو من في حكمهم ) هو الذي يدرس المقترحات في أجل سنة ويقرها بالتراضي par consensus  أو بأغلبية الثلثين إذا لم يتم التوصل إلى التراضي. ولكنها لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد 30 يوما من مصادقة ثلثي الدول الأعضاء عليها.

ومن الطبيعي ألا تقتصر التحركات الجزائرية على التمترس خلف الأبعاد القانونية، ولكنها ستسعى سياسيا ودبلوماسيا وفي الكواليس لإجهاض أي تحرك مغربي، ولن تتورع في إثناء العديد من الدول عن دعم الملتمس الغابوني ومنع بدء مسلسل تنفيذه بما في ذلك الضغط على دول وقعت عليه، سيما وأن الصحافة الجزائرية تحدثت عن سبعة دول وقعت الملتمس سبق وأن ألغت لها الجزائر ديونها التي في ذمتها.

في المقابل على المغرب بذل المزيد من الجهد لإقناع دول جديدة بتبني الملتمس الغابوني. وبالنظر إلى لائحة الدول التي لم تلتحق بعد بهذا الملتمس يبدو أن بالإمكان إقناع بعضها لتبنيه مثل تنزانيا وناميبيا من خلال جهود أطراف ثالثة عربية خليجية بالخصوص، ومن الممكن التأثير إيجابيا في الموقف التونسي بالتفاتة كريمة للقيادة الجديدة.

لقد دخل المغرب أتون معركة لن تكون سهلة على الإطلاق، والواجب أن يخوضها بحكمة وترو بعيدا عن الانفعال، وبتحوط ليس فقط من مناورات الخصوم المباشرين، وإنما من مناورات قوى دولية كبرى لن يروق لها كثيرا إنهاء الصراع المفتعل في الصحراء المغربية باعتباره بؤرة توتر توفر مجالا خصبا لتسويق الأسلحة.